حسابات مجهولة وهاشتاجات محرضة.. كيف يدعم «تويتر» العنف والإرهاب؟
الثلاثاء، 22 سبتمبر 2020 09:30 م
رغم إعلان موقع التواصل الاجتماعي الشهير «تويتر» بين الحين والأخر حذف ما يصفه بـ «الحسابات الوهمية»، التي تستخدمها الجماعات الإرهابية في تمرير رسائل العنف والخراب لأتباعها، إلا أن الواقع يؤكد أن الموقع الشهير يمتلئ بالبيانات والمواد المصورة ورسائل تنظيم داعش الإرهابى، التي تدعم العنف وتحرض على الكراهية والدمار وتخالف بشكل صريح سياسة النشر على الموقع والتي تضعها حسابات مجهولة الهوية فى تغريدات مُكررة على حسابات المؤسسات والقنوات التليفزيونية والمشاهي.
ويعد أخر الاختراقات التى تشهدها منصة تويتر فى هذا الشأن، رواج هاشتاج «اقتحموا مدينة الانتاج الإعلامي» مدفوع يدعو إلى العنف بشكل مُباشر، واستمراره على لائحة الأكثر تداولا رغم انتهاكه لسياسات الموقع المعلنة، بل ومحاولات آلاف المستخدمين لفت نظر المسؤولين عن المحتوى العربى فى «تويتر» إلى الأمر من خلال الرسائل والبلاغات المباشرة.
وهو ما دفع كثيرين منهم إلى تسجيل شهاداتهم على الأمر واتهام إدارة المنصة بالانحياز للإرهاب وترويجه، ودعم دعوات التطرف والعنف، بالمخالفة لميثاقه المعلن، ولكل الأعراف والقوانين الدولية والمحلية، سواء فى بلد منشأه الولايات المتحدة، أو فى النطاقات الإقليمية والأسواق الفرعية حول العالم، بحسب ما تردد فى تغريدات عديدة منتقدة لموقف تويتر خلال الساعات الأخيرة.
بعيدا من حقيقة أن تويتر واحد من المنصات التى تشهد نشاطا للخطابات المُتطرفة، فإن إدارة الموقع كانت حريصة طوال الوقت على نفى صلتها بالأمر، بل والتشديد على اتخاذها إجراءات جادة وعاجلة تجاه أية وقائع تُرصد فى هذا الشأن، لكن هذا التأكيد لا يتجاوز حيز الاستهلاك الإعلامى وغسل الأيدى، إذ تظل الممارسات المتطرفة والدعوات الإرهابية وخطابات العنف والدم، والحسابات المجهولة، والوسوم المدفوعة، رائجة ومتصدرة حتى مع ثبوت انتهاكها لمعايير الموقع نفسه.
الحملة المشبوهة التى تبناها موقع تويتر رسميا وساهم فى ترويجها، تمثلت فى "هاشتاج" أطلقته عناصر جماعة الإخوان الإرهابية، وشاركت فيه حسابات عديدة من عدة دول، أبرزها قطر والجزائر والمغرب، تحت عنوان "اقتحموا مدينة الإنتاج الإعلامى"، واشتمل على تغريدات تدعو لاقتحام المدينة والقنوات، ومنعها من العمل، وحرق الاستوديوهات، والإضرار المباشر بالإعلاميين والفنيين ومقدمى البرامج المُستهدفين من الجماعة. وبينما تتواصل الدعوة الإرهابية المفتوحة منذ عدة ساعات، تساهم إدارة المنصة فى ترويجها، ولا تستجيب لأية رسائل أو بلاغات من المستخدمين الذين عبر كثيرون منهم عن امتعاضهم من موقف تويتر.
المثير فى أمر هذا التورط المشين فى دعم الخطابات المتطرفة والعنيفة، والدعوات التى تنطوى على تخريب وإرهاب وتعريض لحياة الآمنين للخطر، أنها ممارسات تتصادم بشكل مُباشر مع السياسات المعلنة من "تويتر" نفسه، والضوابط التى تقول إدارة المنصة إنها تلتزم بالعمل من خلالها، وتجعلها معيارا للتقييم ومراجعة المحتوى والتعامل معه.
وتوضح قوانين الموقع أن الأعمال المشمولة بالحظر تتضمن التهديد بقتل أحد الأشخاص أو إلحاق ضرر جسيم به، أو التهديد بارتكاب أى عمل عنيف آخر قد ينطوى على قتل فرد أو إحداث إصابات جسدية به، وتشدد بوضوح على أن "المحادثة السليمة هى التى يشعر المستخدمون خلالها بأنهم فى مأمن من الأفعال المسيئة، بعيدا عن استخدام لغة عنيفة" مع التأكيد على انتهاج سياسات جادة تجاه التهديدات العنيفة التى تشمل "عبارات تتضمن قتل شخص أو مجموعة أشخاص أو إلحاق أضرار جسدية بهم". وتمتد تلك الإجراءات النظرية إلى كل من يُمجد العنف أو يُعبر عن سعادته به أو يمتدح واقعة عنف أو إضرار بالآخرين.
أمام كل بنود القانون وسياسات النشر السابقة، يبدو ترويج دعوة مثل "اقتحموا مدينة الإنتاج الإعلامى" انتهاكا مباشرا لكل ما تدّعيه إدارة تويتر من اتخاذها إجراءات جادة وصارمة تجاه العنف والخطابات المتطرفة، بل يتطور الأمر إلى التواطؤ والمشاركة المباشرة فى العنف، ليس فقط عبر السماح بنشر تلك الرسائل المنتهكة للقانون ورواجها ووصولها إلى ملايين المستخدمين، وإنما بالتربح وتحقيق منفعة مباشرة من وراء تلك الدعوات، وترويج الهاشتاج المتجاوز بآلية مدفوعة المقابل، تجعل المنصة شريكا مباشرا فى الأمر، باعتبارها ناشرا متضامنا مع المحتوى ومنتفعا منه انتفاعا مباشرا.
نظريا يبدو الأمر مسؤولية مباشرة لمسؤولى المحتوى العربى وقسم الشرق الأوسط فى تويتر، لكن عمليا يستحيل افتراض أن إدارة المنصة فى الولايات المتحدة الأمريكية بعيدة عن تلك السياسات، ليس فقط لأنه من غير المنطقى أن تخترق إدارة فرعية تابعة لقوانين الموقع وسياساته المعلنة من دون علم الإدارة التنفيذية وعلى رأسها جاك دورسى نفسه، ولكن لأن ما تملكه إدارة تويتر المركزية من أنظمة رصد وتتبع ومُعالجة للبيانات وخوارزميات لتصنيف المحتوى ومدى التزامه بالمعايير المحددة للنشر والوجود فى بيئة تويتر، تؤكد استحالة أن يتحقق هذا الاختراق من دون علم تويتر الأم، بل وقبوله بالأمر ومباركته له، سواء لقاء المنافع المتحققة من قيمة ترويج تلك الدعوات المدفوعة، أو لغرض سياسى أو أمنى غير مُعلن.