الحكومة اللبنانية الجديدة.. هل ينجح مصطفى أديب في رأب الصدع بين التيارات السياسية؟
الأربعاء، 09 سبتمبر 2020 12:00 ممحمد الشرقاوي
في وقت تتسارع فيه وتيرة الأحداث في الشارع اللبناني، هناك تحديات تواجه تشكيل الحكومة الجديدة، في وقت تناور فيه قوى "8 آذار" للحفاظ على نفوذها حكومياً.
وتضط "قوى 8 آذار" من أجل ضم أعضاء حزبيين للحكومة، والحفاظ على حد أدنى من الحقائب الوزارية التي تسيطر عليها، إضافة إلى زيادة عدد أعضاء الحكومة لترسيخ نفوذها السياسي، هو ما يتزامن مع محاولات للطوائف الغير رئيسية، لتحقيق حضور وازن في الحكومة، الأمر الذي قد يدفع عملية التشكيل نحو أزمة جديدة.
اقرأ أيضاً.. وزراء الاقتصاد العربي يبحثون دعم فلسطين ولبنان لمواجهة أثار كورونا ومرفأ بيروت
مركز المستقبل للدراسات المتقدمة، كشف في استقراء سياسي، بعنوان: "تحديات متداخلة.. تحديات تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة"، طبيعة تلك الإشكاليات المتداخلة والتي من شأنها تعطيل تشكيل حكومة جديدة، يرأسها المكلَّف مصطفى أديب، بداية من 2 سبتمبر الجاري، واستعرض مواقف التيارات المختلفة.
وأجرى أديب اتصالات واستشارات مكثفة، كشفت عن غموض في بعض توجهات تلك القوى، استعرضتها الدراسة. أول تلك القوى "التيار العوني"، تضيف: عكست مواقف التيار تبايناً في بعض التوجهات المتعلقة بتشكيل الحكومة.
وصرح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، في وقت سابق، أن تكتل "لبنان القوي" يريد تأليف حكومة قادرة على إنجاز الإصلاحات، لافتاً إلى أن الكتلة ليس لها مطالب ولا شروط، وتقبل بكل ما يتفق عليه الآخرون، معرباً عن أمله في أن يكون هناك مداورة في الوزارات، وألا تسلك المداورة خطاً واحداً، وأن تكون الحكومة مصغرة.
وأشارت تقارير عديدة إلى أن رئيس الجمهورية ميشال عون يرغب في تشكيل حكومة ليست مصغرة كما يطالب أديب، وأنه يشترط موافقته على الأسماء التي يتم اختيارها قبل إقرارها.
وثاني تلك التيارات، ما يمثله "الثنائي الشيعي"، حيث طالبت كتلة "التنمية والتحرير"، التي تمثل حركة أمل، بالإسراع في عملية تشكيل حكومة متجانسة تضم كفاءات مميزة لمباشرة ملف الإصلاح الذي تم الاتفاق عليه منذ فترة طويلة، بينما دعت كتلة "الوفاء للمقاومة"، التابعة لحزب الله، إلى تسهيل أمر تأليف الحكومة الجديدة، من أجل التصدي للمهام الوطنية الملحة والطارئة، وعلى رأسها الأزمات الناجمة عن جائحة كورونا وحادث انفجار المرفأ، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية والمالية ومكافحة الفساد.
أما عن موقف تيار المستقبل، فقد أكدت النائبة بهية الحريري، التي تحدثت باسم كتلة المستقبل، على دعم الكتلة للحكومة الجديدة، مشترطة في ذلك أن تكون حكومة اختصاصيين ومستقلين، وأن تُشكل سريعاً. يضيف "المستقبل": علماً بأن التيار ذكر فيما قبل أنه لن يشارك في الحكومة المقبلة، ويُشار في هذا الصدد إلى أن زعيم التيار سعد الحريري أكد في اجتماع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال زيارته الأخيرة لبيروت مع رؤساء الكتل النيابية، بأنه في حالة أى تأجيل في تشكيل الحكومة، أو أى محاولات سياسية لفرض أشخاص فيها، أو حتى أى عرقلة لبرنامج الإصلاحات بعد تشكيلها، فإنه سيسحب دعمه بالكامل.
وعن حزب القوات اللبنانية، قال النائب جورج عدوان أن كتلة "الجمهورية القوية" تريد أن تكون الحكومة مستقلة، ومن أصحاب الاختصاص، وأن تكون فريق عمل متجانس، لافتاً إلى أن الحزب لن يشارك في الحكومة ولن يقدم أسماء ولن يتدخل في تأليفها.
وكشف تناقض التيارات والاختلاف حول طبيعة تشكيل الحكومة الجديدة، عن مجموعة من الإشكاليات، أولها: "الانتماء الحزبي"، حيث تعد عملية اختيار الوزراء على أساس انتمائهم السياسي حجر الزاوية في الخلاف بين قوى "8 آذار" و"14 آذار"، حيث تريد الأخيرة وزراء مستقلين ليس لهم علاقة بالأحزاب سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بينما يتضح في طرح الأولى رغبتها في أن تتضمن الحكومة شخصيات مسيسة، وهو ما بدا جلياً في تأكيد التيار الوطني على مبدأ المداورة في الحقائب، خاصة الحقائب السيادية (الدفاع- الداخلية- الخارجية- المالية).
يضيف العرض البحثي، أن ذلك يشير إلى الإصرار على المضى في تشكيل حكومة مشابهة لحكومة حسان دياب، بينما يتمسك الثنائي الشيعي بوزارة المالية، وهو الأمر الذي ترفضه قوى "14 آذار"، ويُشار في هذا الصدد إلى تحيز الموقف الفرنسي لجهة تشكيل حكومة مستقلة سياسياً، وفي الوقت نفسه تكون حكومة وحدة وطنية من حيث البعد الطائفي.
وثاني الإشكاليات، هو عملية توزيع الحقائب الوزارية، يستطرد المركز البحثي: من الواضح أنه لازال هناك صراع على الحقائب السيادية والأساسية، وذلك من خلال التركيز على بعض الوزارات، حيث يتمسك التيار العوني بعدد معين من الحقائب بناءً على وزنه النيابي، إلى جانب حصة رئيس الجمهورية، وذلك أسوة بحكومات ما بعد الانتخابات النيابية عام 2018، ويعزز من تمسك التيار العوني بهذا الأمر عزوف حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب وتيار المردة عن المشاركة في الحكومة المقبلة، مما قد يعطيه حصة مسيحية أكبر في حكومة أديب.
اقرأ أيضاً.. لبنان ينزف: 30 مليار دولار خسائر.. و300 ألف مشرد
ويأتي حجم الحكومة ثالث تلك الإشكاليات، حيث كشفت تقارير عديدة أن هناك تبايناً رئيسياً بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المُكلَّف مصطفى أديب من جهة عدد الوزراء في الحكومة المقبلة، حيث يرغب أديب في تشكيل حكومة مصغرة من 14 وزيراً، بينما يرغب عون في تشكيل حكومة من 24 وزيراً، وذلك بحجة عدم توسيع نطاق الضغوط على الوزراء، حيث سيحمل كل وزير حقيبتين وزاريتين، وهو الأمر الذي قد يخصم من فاعلية الحكومة.
يؤكد المركز: من دون شك، فإن ذلك يعود إلى أن عون يستهدف بالأساس دعم نفوذ التيار العوني من حيث زيادة عدد الوزراء في الحكومة، نظراً لأن التيار سيسمي عدداً أكبر من الوزراء على خلفية حجمه التمثيلي في مجلس النواب، وفي الوقت نفسه قد يكون الهدف هو توسيع المشاركة عملاً بالرغبة الفرنسية، حيث أن العديد من التقارير ركزت على أهمية مشاركة وزراء من المجتمع المدني والثوار لتحسين صورة لبنان أمام المجتمع الدولي.
ورابع الإشكاليات عملية تمثيل الطوائف، حيث تكشف مداولات الاستشارات النيابية التي قام بها مصطفى أديب عن وجود عقدة لم تبرز بشكل واضح إلى الآن، وهى المتعلقة بتمثيل الطوائف غير الرئيسية في الحكومة المقبلة، مثل الأرثوذكس، وهو ما شدد عليه نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي، حيث أكد أن "إدارة الظهر إلى الطائفة الأرثوذكسية أمر أصبح غير مقبول".
ويتضح من خطاب اللقاء التشاوري (المسلمين السنة الموالين لقوى 8 آذار)، عدم تحمسهم للحكومة المقبلة، بحسب المركز: خاصة بعد إعلان الحريري دعمه لمصطفى أديب، مما اعتبروه تهميشاً لهم.
وكشف المتحدث باسم اللقاء التشاوري عدنان الطرابلسي أن اللقاء سيراقب أداء الحكومة ويبني على الشىء مقتضاه، كما أشار إلى رفضه تشكيل حكومة تعمل من أجل المحاصصات والصفقات، مما يعني ترقبهم لأسماء المسلمين السنة الذين سيشاركون في الحكومة المقبلة، والهجوم عليها في حالة ثبوت ارتباطهم بتيار المستقبل أو رؤساء الحكومة السابقين.