تفاصيل فصل 4 عمال بالبريد أضربوا عن العمل.. المحكمة: المفصولون حرضوا زملاءهم على إغلاق المكاتب البريدية
الأحد، 06 سبتمبر 2020 12:00 ص
أودعت المحكمة الإدارية العليا، حيثيات حكمها بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة الصحة وملحقاتها ببراءة ثلاثة من العاملين بالهيئة العامة للبريد، وقضت المحكمة العليا بفصلهم من الخدمة وهم (س.ح.ح) مساعد مكتب بريد أبو رجوان قبلى و (ع.ع.ع) رئيس قسم التسويق بمنطقة بريد جنوب أكتوبر و( ر.ع.خ) موظف بمكتب بريد أوسيم بمنطقة شمال أكتوبر، لأنهم أضربوا عن العمل بالهيئة القومية للبريد أيام 23 و24 و25 /2 /2014 معتصمين أمام مركز الحركة الفرعى خلال تلك الأيام مما أدى إلى تعطيل العمل به، وحرضوا زملاءهم على زيادة الاعتصام، وغلق المكاتب، مما ترتب عليه إضراب زملائهم وإغلاق العديد من المكاتب البريدية على مستوى الجمهورية وتعطيل العمل بها، وعدم قيام الموظفين المختصين بتحصيل المبالغ المالية المستحقة للدولة.
صدر الحكم، برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين سيد سلطان والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى ونبيل عطا لله وأسامة حسنين نواب رئيس مجلس الدولة.
وفيما يلى أهم الحيثيات التى أوردتها المحكمة الإدارية للحفاظ على مرافق الدولة بحظر الإضراب بها:
أولا : جميع الدساتير المصرية منذ عام 1923 خلت من النص على الإضراب سوى دستور 2012 الذى نقل عنه دستور 2014 وهو غير قابل للتطبيق بذاته.
قالت المحكمة إنه بتتبع الدساتير المصرية بشأن الإضراب فإن جميع الدساتير المصرية بدءاً من دستور 1923 ودستور 1930 والأمر الملكى رقم (67) لسنة 1934 بإلغاء دستور 1930 والعودة إلى العمل بدستور 1923 ودستور 1956 ودستور 1964 ودستور 1971 حتى قبل دستور 2012 خلت من ثمة نص يجيز الإضراب أو أية إشارة إليه , ولم يتطرق إلي الإضراب سوى دستور 2012 ومن بعده دستور 2014 فجعل كلاهما الإضراب السلمى حق ينظمه القانون , وهو نص غير قابل للتطبيق بذاته طالما أن المشرع الدستورى جعل أمر تنظيمه للقانون , وفى ذات الوقت فإن دساتير مصر السالفة جميعها قد اتفقت نحو احترام الوظائف العامة وأنها تكليف لخدمة للشعب.
ثانيا : لا توجد اتفاقية دولية صادرة عن منظمة العمل الدولية تنظم الإضراب فى المرافق العامة والإعلان العالمى لحقوق الإنسان جاء خلوا من أية إشارات تصريحا أو تلميحا للإضراب كحق , وكثير من رجال الفقه الدوليين يرفضون وصفه بالحق الدولى
وذكرت المحكمة أنه على المستوى الدولى , فإن الإضراب عن العمل وليد الثورة الصناعية وما ترتب عليها من زيادة عدد العمال وتكتلهم فى القطاع الخاص للزود عن مصالحهم المهنية فى عقد العمل التبعى ضد أصحاب الأعمال , وعلى الرغم من أن حق الإضراب مستمد من المواثيق الدولية إلا أنه لم يحظ على المستوى الدولى بذات الاهتمام الذى حظى به غيره من الحقوق , إذ لا توجد اتفاقية دولية صادرة عن منظمة العمل الدولية تخص الحق فى الإضراب فى المرافق العامة , فلم تتضمن كل من الاتفاقية الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية رقم 87 لسنة 1948 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم , والاتفاقية الدولية رقم 98 لسنة 1949 بشأن حق التنظيم والمفاوضات الجماعية فى نطاق القانون الخاص ثمة نص صريح يتعلق بالحق فى الإضراب سوى ما قررته لجنة الحريات النقابية التابعة لتلك المنظمة فى ربط الإضراب بالعمل النقابى ولكن بقيود , وخارج نطاق منظمة العمل الدولية.
ثالثاً : إضراب الموظفين العموميين لا يتفق مع نظام المرافق العامة ويهدم أربعة مبادئ للقانون العام ونظام الوظيفة العامة المنبثقة عن القانون الإدارى:
أشارت المحكمة إن إضراب الموظفين العموميين أمر لا يتفق مع نظام المرافق العامة لأنه يهدم العديد من المبادئ التى يقوم عليها القانون العام ونظام الوظيفة العامة المنبثقة عن القانون الإداري, فهو أولا يخالف مبدأ رئيسي وأساسي في القانون الإداري وهو مبدا سير المرافق العامة بانتظام واضطراد وما قد ينجم عنه من تعطيل المصلحة العامة ومصلحة الأفراد المتعاملين مع الإدارة على حد سواء , ومن شأنه الإخلال بعملية تنظيم وسير المرافق العامة فى الدولة, والقضاء على ديمومة سيرورة المرافق العامة بصفة منتظمة , والمساس بالحياة العامة فى المجتمع والدولة , وأن أى خلل أو اضطراب فى السير الحسن للمرافق العامة سيؤدى إلى شلل وتوقف الحياة العامة والإضرار بمصالح الشعب فى الحصول على خدماته واشباع رغباته فى الأمن والتعليم والصحة والعدل , فتتوقف المرافق العامة عن العمل خاصة وأن هناك طرقا أخرى متعددة رسمتها مبادئ القانون الإدارى للحصول على الحقوق والمطالب مثل التظلم الإدارى وسلطة الإدارة فى سحب القرار أو تعديله , وحقه فى ولوج طريق التقاضى بدلا من اللجوء للعنف الوظيفى عن طريق الإضراب .
رابعاً : الإضراب محظور فى الوظيفة العامة لتعارضه مع متطلبات المرافق العامة وما تقدمه من خدمات لا غنى للشعب عنها :
وأوضحت المحكمة إن الإضراب لا يمكن قبوله فى نطاق الوظيفة العامة , لأن الإضراب يتعارض تعارضاً صارخاً مع متطلبات المرافق العامة وما تقدمه من خدمات لا غنى عنها للشعب ويعجز المواطنون عن الحصول عليها من غيرها , وليست الدولة وحدها التى تتضرر مصالحها وتتعرض للخطر بل يلحق الضرر المجتمع كله الذى سيحرم من الخدمات العامة الضرورية فتتوقف الحياة , وبهذه المثابة فإن الإضراب يعد عملا غير مشروع ضد المصالح العليا للدولة .
خامساً : الوظيفة العامة تتكفل بمراقبة انحرافات الغير وانحراف أعضائها أكثر خطورة على استقرار الدولة واستمرار مرافقها واضراب الموظفين يترتب عليه فقدان ثقة المواطنين وهم المؤتمنون على مصالح الدولة وأهدافها وتنميتها .
وقالت المحكمة إن تمتع الشخص بوصف الموظف العام يفرض عليه بعض القيود فى نطاق ممارسته للحريات العامة فى المجال الوظيفى , لأنه يمثل الدولة وعضو فى الجهاز الإدارى بها القائم على سير المرافق العامة , ولما كانت الوظيفة العامة فى جوهرها رسالة تلزم صاحبها باحترام القانون بصفة عامة والقواعد التى استقر عليها القانون الإدارى بصفة خاصة وبأداء الواجب وسلامة تصرفاته ومسلكه حتى تؤدى الوظيفة العامة دورها المرسوم باَداء الخدمات لصالح الشعب , وإذا كانت الوظيفة العامة تتكفل بمراقبة انحرافات الغير فإن انحراف أحد أعضائها - من باب أولى – يعد انحرافا أكثر خطورة على استقرار الدولة واستمرار مرافقها , يترتب عليه فقدان ثقة المواطنين فى الموظفين العموميين وهم فى الأصل المؤتمنون على مصالحها وأهدافها وتنميتها .
سادساً : إذا كان الإضراب يعد عملا قانونيا فى نطاق القانون الخاص بقيود نص عليها المشرع فإنه على عكس ذلك عمل غير مشروع بالنسبة للموظفين العموميين :
وأضافت المحكمة إن الإضراب وإن كان عملا قانونيا فى نطاق القانون الخاص بقيود نص عليها المشرع فى قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 فى المواد من 192 حتى 195 , فإنه على عكس ذلك عمل غير مشروع بالنسبة للموظفين العموميين , ذلك أن الموظف العام بقبوله الوظيفة الموكلة إليه يكون قد أخضع نفسه بكل الالتزامات والواجبات التى تفرضها الوظيفة العامة وترتبط بها , ويكون كذلك قد تنازل عن كافة الخيارات التى تتنافى مع الاستمرارية الضرورية للحياة العامة , وعلى هذا النحو فإن الموظف العام الذى يلجأ إلى الإضراب يعد خارجا عن القواعد التى سنها القانون لضمان ممارسة الحقوق التى تترتب على العقد العام للقانون العام الذى يربط الموظفين العموميين بالدولة , ويمثل تصرفه خرقا لقوانين المرفق العام , لأنه بإضرابه يكون قد ثار على الهدف الأساسى من المرفق ومس مساسا صارخا بالحياة الجماعية , مشكلا خطأ تأديبياً جسيماً يستنهض همة هذه المحكمة للحفاظ على المرافق العامة ببتره من الوظيفة العامة .
سابعاً : الإضراب فى المرافق الحيوية عدوان صارخ على سلامة الدولة وأمنها الوطني والقومي, وافتئات على الحاجات العامة للأمة :
وذكرت المحكمة وبهذه المثابة يمثل الإضراب فى المرافق العامة خاصة الأساسية والحيوية كمرافق التعليم والأمن والصحة والقضاء والاقتصاد القومى عدوانا صارخا على سلامة الدولة وأمنها الوطنى والقومى من ناحية , وافتئاتا جسيما على المصلحة العامة المتمثلة فى الحاجات العامة للأمة , وحقوق المواطنين للحصول على خدماتهم الدستورية ,ويغدو معه إضراب الموظفين العموميين تعبيرا عن إيثار مصالحهم الشخصية على الصالح العام وهو ما يعد خروجا سافرا عن مبادئ وأسس القانون العام ونقضا للعقد العام التنظيمى الذى يربط الموظف العام بالدولة , واَية ذلك أن المشرع العادى ذاته وفى نطاق القانون الخاص , حينما نظم حق الإضراب لعمال القطاع الخاص فى المواد من 192 حتى 195 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 المشار إليه , حظر فيه الإضراب أو الدعوة إليه فى المنشاَت الاستراتيجية أو الحيوية التى يترب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومى أو بالخدمات الأساسية التى تقدمها للمواطنين أو اضطراب فى الحياة اليومية لجمهور المواطنين. وهى الفكرة الجوهرية التى استقاها المشرع العادى مما استقرت عليه قواعد القانون الإدارى فى نطاق القانون العام .
ثامناً : حظر المحكمة للإضراب الوظيفي يسانده ما قررته الأجهزة الرقابية لمنظمة العمل الدولية من عدم المساس بالمرافق العامة الأساسية و الحيوية:
وأشارت المحكمة إن ما انتهجته هذه المحكمة بحسبانها على القمة من محاكم مجلس الدولة المصرى من التجريم التأديبى للإضراب فى المرافق العامة خاصة الأساسية والحيوية , فإنه فضلا عن أسانيده المتصلة بعدم إهدار المبادئ التى استقرت بها قواعد القانون الإدارى والقانون العام المتصلة ببقاء سلطات الدولة والحفاظ على كيانها على نحو ما سلف بيانه , فإنه يجد سنده الدولى فيما قررته منظمة العمل الدولية من قاعدة أرستها أجهزتها الرقابية كلجنة الخبراء ولجنة الحريات النقابية تتتمثل فى أن حق الإضراب يجب ألا يمس المرافق العامة الأساسية و الحيوية كمرافق الأمن والتعليم والصحة والقضاء والاقتصاد بقولها : " تلك المرافق التى يعرض انقطاعها خطرا على حياة أو أمن أو صحة الأشخاص فى مجموعهم أو جزء منهم " , وهى وإن كانت مبادئ لا تتمتع بقيمة أعلى من قيمة المعاهدات الدولية إلا أن لها تأثير كبير فى توجيه سياسات الدول الأعضاء وتوحيدها فى هذا المجال نظرا لما تتمتع به هذه الأجهزة بسلطة معنوية سامية للحفاظ على كيان الدول من الانهيار .
تاسعا : العاملون الثلاثة أضربوا عن العمل بالهيئة القومية للبريد عام 2014 وحرضوا زملائهم على الإضراب وتم إغلاق العديد من المكاتب البريدية على مستوى الجمهورية (المنوفية والشرقية والجيزة وأسيوط وبنى سويف) مما منع الموظفين المختصين بتحصيل المبالغ المالية المستحقة للدولة :
وأشارت المحكمة أن الثابت في الأوراق أن المطعون ضدهم قد أضربوا عن العمل بالهيئة القومية للبريد أيام 23و24و25/2/2014 معتصمين أمام مركز الحركة الفرعى خلال تلك الأيام مما أدى إلى تعطيل العمل به , وقاموا بتحريض زملائهم على زيادة الاعتصام وغلق المكاتب مما ترتب عليه إضراب زملائهم وإغلاق العديد من المكاتب البريدية على مستوى الجمهورية وتعطيل العمل بها وعدم قيام الموظفين المختصين بتحصيل المبالغ المالية المستحقة للدولة، كما قاموا خارج المبنى الرئيسى لرئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد بالعتبة مع غيرهم بالتطاول بالألفاظ والهتافات معادية وطلبات فئوية بصرف أرباح شركة الاتصالات وعلاوة دورية وصرف بدل الولاء والانتماء على الشامل بدلا من الأساسى , ومن بين تلك المكتب التى تأثر بها الإضراب وأغلقت مكاتبها البريدية منطقة بريد شمال المنوفية حيث أضرب العاملين بها وتم غلق عدد 56 مكتب غلقا كليا فضلا عن عدد 34 مكتب غلقا جزئيا ومنطقة جنوب المنوفية تم غلق 33 مكتب بها غلقا كليا ومنطقة بريد الشرقية التى أدى الإضراب بها إلى عدم خروج معظم السواير , ومنطقة بريد جنوب اكتوبر محافظة الجيزة حيث تم إغلاق مكتبى العياط وأبو النمراسى غلقا كليا , ومنطقة بريد أسيوط بإيقاف العمل بمكاتبها البريدية , ومنطقة بريد بنى سويف حيث تم غلق 11 مكتبا غلقا كليا وتم سرقة مكتب بريد الوسطى فرعى , وقد ترتب على تلك الإضرابات تعطيل سير العمل بمكاتب البريد والإضرار بمصالح المواطنين المتعاملين مع الهيئة القومية للبريد والحاق خسائر فادحة بالهيئة .