مليونيرات "السوشيال" بمرمى النيران.. كيف أصبح مدونو الإنترنت أثرياء في أيام؟
السبت، 15 أغسطس 2020 11:30 مأحمد قنديل
الاتجار بالبشر والنصب.. طرق مختصرة لتحقيق الثراء السريع.. وغش تجاري وحقوق مهدرة وتهرب ضريبي.. أزمات تحيط بالتجارة الإلكترونية
"كيف تصبح مليونيرًا؟".. عنوان لكتاب غالبًا ما تجده مغطيًا بالأتربة ملقى في ركن المكتبات لا يقترب منه أحد بغرض الشراء، ليس فقط لفقر محتواه أو جهل هوية كاتبه، وإنما يقينًا من القارئ بأن كل ما فيه من نصائح وإرشادات لا يتجاوز ترهات خيالية لا تمت للواقع بصلة، وطالما كانت الثقة بهذا العنوان وما يشبهه من عناوين لإرشادات تتضمن طرق الثراء السريع معدومة لسنوات عدة، بل قابلها المجتمع بحكمة "كان من الأولى أن ينفع الناصح نفسه"، ولكن مع التطور المجتمعي والولوج إلى عصر شبكة الإنترنت أضحى لهذا العنوان قيمة سوقية، خاصةً مع تحقق نظرية الثراء السريع دون أي مجهود، وإنما بمجرد أفعال مثيرة وهواتف ذكية.
عدد لا بأس به من "البلوجرز" و"اليوتيوبرز"، هم دليل نجاح نظرية الثراء السريع دون كفاح، حيث يتوفر العديد من الأمثال لقدرة أشخاص على تكوين ثروات طائلة من خلال نشر أراء شاذة أو ارتكاب أفعال مثيرة للضجة تهدف إلى جذب المتابعين، وبالتالي التجارة بهم من خلال السوق الإعلاني أو استغلال بياناتهم، وقد سمعنا في الآونة الأخيرة عن الكثير من رواد شبكة الإنترنت الذين حققوا ثروات مالية ضخمة نتيجة اصطياد متابعين لمحتوى مبتذل واستغلالهم إعلانيًا وتجاريًا، ولعل أبرز مثال ما أثير مؤخرًا حول تمكن بعض الرواد من تحقيق مكاسب هائلة، عن طريق عدة خطوات سواء من خلال تقديم محتوى ومضمون مبتذل أثار انتقاد المواطنين، وأخرين يقدمون مقاطع تحض على الفسق والفجور، كمثل القضايا التي عرفت مؤخرًا بـ"فتيات التيك توك".
منصات التواصل الاجتماعي هي مصدر حديث لتحقيق الثراء السريع، ولا تخضع لأي مسائلة قانونية وتنظيمية، وذلك نظرًا لعدم وجود ضوابط وتشريعات تنظم العمل عليها، فلا شك مطلقًا أن مواقع التواصل الاجتماعي، أضحت إحدى قنوات التجارة والاستثمار التي تحقق أموال وفيرة.
العديد من الطرق والوسائل يستخدمها مدونون لتحقيق المكاسب الهائلة، منها الاعتيادي وغير المألوف على مجتمعنا، لكن في مجمل الحال لا تخضع تلك الأموال التي يحصلون عليها لأي متابعة أو رقابة، ويأتي ذلك مضاد لأي أنشطة تجارية أخرى، فلم نسمع مطلقًا عن فرض ضرائب على مدون تضخمت ثروته بشكل مبالغ فيه، أو مصادرة أموال تم تحقيقها عبر شبكة الإنترنت بشكل غير منضبط، وذلك رغم ملاحقة الأجهزة الأمنية لعدد من المدونون الذين يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي بشكل مضاد لمعايير المجتمع وأخلاقياته.
من الجائز أن يتعرض أي مواطن في الأسواق التجارية الطبيعية لعملية غش تجاري أو نصبن وقد نشهد عمليات احتكار واستغلال تجاري بشتى الأشكال، لكن لا شك أبدًا أن هناك قوانين تلاحق هذا وأجهزة تضبط هذه الأفعال، لا سيما وجود هيئات تنظيمية لتدير العمليات التجارية، ولكن في عالم الإنترنت الموازي، لا يوجد أي آلية لتنظيم التجارة الإلكترونية، ومن الصعب مكافحة عمليات الاستغلال والاحتكار، فضلًا عن التعرض لجرائم إلكترونية عدة مثل الابتزاز الجنسي عن طريق شبكة الإنترنت، وأيضًا تسريب البيانات وسرقتها.
"صوت الأمة" كشفت خلال حلقات سابقة عن العديد من أشكال الجرائم الإلكترونية، ورصدت عدد من الوقائع وسلطت الضوء عليها، وحرصًا على توعية الجمهور وإلقاء الأضواء على مهددات المجتمع، نرصد أبرز الأشكال التي يستخدمها بعض مدونو شبكة الإنترنت "البلوجرز واليوتيوبرز" لتحقيق الثراء والمكسب السريع على حساب خديعة المستخدمين لشبكة المعلومات الدولية الإنترنت، وكذلك نكشف المصادر الملتوية لتحقيق الأموال.
الترويج لمنصات مشبوهة
"الاستغلال الجنسي وتجارة الهوى" ظاهرة شهدناها على مر العصور، لكن في زمننا هذا تبدو مختلفة جزئيًا، فرغم أن المضمون واحد وهو بيع الهوى لراغبي المتعة، إلا أن أسلوب هذه الجريمة أصبح مختلفًا تزامنًا مع التطور المشهود، فهناك بعض المدونون الذين يقدمون محتوى مبتذل يتفقون مع بعض الوكالات الدولية التي تهدف إلى الاستغلال الجنسي لجذب الفتيات المتابعين لهم وتوظيفهن مقابل أموال وفيرة بتطبيقات مشبوهة لعرض أجسادهن عبر شبكة الإنترنت، ومن أبرز الأمثلة على ذلك قضية الفتاة المدونة "حنين حسام" والتي تم اتهامها بالاتجار في البشر لصالح جهات أجنبية تدعو إلى تحريض المجتمع على الفسق والفجور، وثبت تقاضيها أموال مقابل توظيف فتيات في تطبيقات مماثلة.
استغلال بيانات المستخدمين
منهج أخر يستخدمه بعض المدونون المحترفون من أجل تحقيق الثراء الفاحش، وهو جمع البيانات من قبل الجمهور المتابع لهم وبيعها لصالح شركات تستغلها لأغراض دعائية وسياسية، مقابل أن يحصل بائع البيانات على أموال، وربما لم نسمع كثيرًا عن ضبط مثل هذه الحالات، ولكن وفقًا لوسائل إعلام عالمية فإن هذه التجارة تتم عبر منصات التواصل الاجتماعي بصورة كبيرة، وغالبًا ما تقع عمليات المبادلة بما يسمى الدارك ويب – "شبكة إنترنت موازية تحافظ على إخفاء الهوية"، وذلك هربًا من التتبع والملاحقة.
النصب عن طريق المسابقات المزيفة
كثيرًا ما شهدنا عبر منصات التواصل الاجتماعي مسابقات إلكترونية تستهدف المتابعين وتزعم أن الفائزين يحصلون على جوائز نوعية، وكثيرًا من متابعي المدونين يقعون ضحايا لهذه العملية، ولا يعرفون أن الأمر برمته تجاره على حساب استخداماتهم وزيارتهم، فعلى سبيل المثال يرصد بعض المدونون لمتابعيهم جائزة عينية كبيرة مقابل متابعة صفحات تواصل أخرى، ولكن ما يجهله المتابعون أن المدون تلقى مقابل مادي من أصحاب الصفحات الأخرى سواء تجارية أو شخصية من أجل تزويد متابعاتهم، وفضلًا عن ذلك تكون عملية تسليم الجائزة وهمية وبالاتفاق مع الأصدقاء.
حملات دعائية عرفية لصالح علامات تجارية
من المعروف أن الشركات والمحال التجارية والأشخاص أصحاب المصالح يتجهون لسوق الإعلانات من أجل تدعيم أعمالهم، ولكن الأمر لا يقتصر على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، فيتجه البعض إلى مدوني منصات التواصل الاجتماعي من أجل تحقيق هذا، ولكن يحدث هذا دون أي ضوابط ومسائلة ورقابة إدارية ومالية على عكس الوسائل الأخرى، وغالبًا ما نشهد إعلانات وحملات دعائية مبتذلة ومسيئة وأحيانًا عنصرية تنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي عبر هؤلاء المدونون.
كيانات تجارية غير مصرح بها
"سجل تجاري، بطاقة ضريبية، سابقة أعمال".. أوراق يشترط أن يحصل عليها أي شخص ينوى الانضمام للأسواق التجارية، بغرض الخضوع لسياسات الدولة وحقوقها المالية والضريبية وكذلك الانصياع للقواعد التجارية وضوابط المنافسة والرقابة الإدارية من قبل الدولة، ولكن عبر منصات التواصل الاجتماعي لا وجود لهذه الالتزامات وتحديدًا لدى "البلوجرز"، فلقد شهدنا العديد من المدونين الذين استغلوا وجود عدد كبير من المتابعين لديهم وحولوا حساباتهم لأسواق تجارية عن بعد، لا تخضع لأي عملية تنظيم ومحاسبة أو تحصيل مالي وضريبي، فضلًا عن قيام بعضهم بالتجارة بمنتجات غير مرخصة ومجهولة الهوية، وهو ما يثير الشك عن صلاحيتها.
كل الطرق المذكورة سابقًا هي خريطة للمكسب الكبير والسريع، ينتهجها كثير من مدوني شبكة الإنترنت دون الخضوع لأي سيادة أو مسؤولية، وهو ما جعل ثرواتهم محط الأنظار ومحل جدل من قبل المستخدمين لشبكة الإنترنت، وحجة لمطالبات مراقبين بوضعهم تحت الرقابة وإصدار تشريعات لازمة لمحاسبتهم ماليًا وضريبيًا أسوة بأصحاب الأنشطة المماثلة على أرض الواقع، وأيضًا من أجل حماية المستخدمين من أي ضرر يلحق بهم وحمايتهم من محاولات الاحتيال.
"صوت الأمة" تحرت حول الثروات التي يحققها عدد من المدونون الذين يقومون بالتجارة عبر شبكة الإنترنت والمسابقات المزيفة وغيرها من وسائل، وكشفنا من خلال إحصائيات مقربة باستخدام أداة "سوشيال بليد" التكنولوجية، حصول المدونين على آلاف الدولارات شهريًا، ليقترب أعلاهم دخلًا من تحقيق مليون دولار، حيث تتراوح المكاسب المالية من الإعلانات للمدونين الواحد عبر موقع المقاطع الشهير اليوتيوب ما بين 5 ألاف دولار وصولًا لمليون دولار في الشهر الواحد، ويأتي الاختلاف وفقًا لساعات المشاهدة وأعداد المشتركين في القنوات، وتقتصر تلك الإحصائية على الدخل المادي من إعلانات موقع اليوتيوب فقط دون التعرض للاتفاقات الدعائية عبر المنصات الأخرى مثل فيس بوك وانستجرام.
تقول عزة محمد، تمتلك محل تجاري، إنها كثيرًا ما تدعم بيع منتجاتها من خلال اللجوء لمشاهير منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدة أنهم تعطيهم أموال وهدايا مقابل نشر منشور واحد يدعم منتجاتها، موضحة أن هناك بعض المدونون يتقاضون مبلغ 50 ألف جنيه مقابل منشور واحد يذكر فيه اسم المحل التجاري ويشكر في منتجاته.
وفي سياق متصل، علقت علا أحمد، منظمة فعاليات خاصة، "مشاهير السوشيال ميديا أصبحوا مثل الفنانين، وغالبًا ما نتفق معهم لحضور بعض الفعاليات مقابل أموال، وذلك بغرض تدعيم الفعالية وتسويق المعروضات"، موضحة أن هؤلاء لديهم سوق تجاري خاص ومعلن أسعاره.
من ناحية أخرى، أكد عبد الله السويفي، مهندس اتصالات، قيام بعض المدونين باستغلال بيانات متابعيهم من أجل الحصول على أموال، منوهًا إلى أن هناك منهم من يفعل ذلك سواء بقصد أو بدون، من خلال الترويج لتطبيقات ومواقع تعمل تستغل البيانات لتوجيه أصحابها دعائيًا وفكريًا وسياسيُا أو قرصنة ممتلكاتهم باستخدام شبكة الإنترنت.
وعلى جانب أخر، يقول علي غزال رجل أعمال، أن التجارة عبر الإنترنت تؤثر على السوق التجاري الخارجي بالسلب، موضحًا أن هناك من يستغل منصات التواصل الاجتماعي لبيع المنتجات بسعر أرخص وذلك بسبب عدم تحميلها الضرائب والإشغال، إضافة إلى عدم مراعاتهم لقوانين حماية المستهلك وقواعد المنافسة.
وعن الرأي القانوني، يشير المحامي محمود قطب، إلى ضرورة إصدار تشريعات لتنظيم التجارة الإلكترونية بغرض الحفاظ على حقوق المواطنين واستيفاء الدولة حقوقها المالية والضريبية، لافتًا إلى أن أغلب عمليات التجارة الإلكترونية تحدث في غياب القانون، ما يجعل أصحاب المصالح متهربين ضريبًا.
ويضيف، تقنين التجارة الإلكترونية وتنظيم قوانين بشأنها، سيساهم في حماية المجتمع من أشكال النصب الإلكتروني والجرائم التجارية عبر الإنترنت، بالإضافة إلى ترسيخ قواعد المنافسة والبيع والشراء.
وفي ذات الجانب، يشدد الخبير التقني، إسلام أنور على ضرورة مراقبة المدونين من أجل حماية المجتمع ومستخدمين شبكة الإنترنت في مصر من التعرض لجرائم سرقة البيانات والاستغلال الجنسي الإلكتروني، موضحًا أن هناك جهات عالمية مشبوهة تستخدم المدونون من أجل الترويج لمصالحهم الخبيثة مقابل المال، واصفًا ذلك بحرب الاستخبارات والتجنيد.
تقول الدكتورة إيمان صلاح، عميد المعهد العالي للإعلام وفنون الاتصال بمدينة الثقافة والعلوم، إن الأموال المكتسبة للأفراد من الأعمال الفنية وأشكال الدعاية والإعلان الاعتيادية، تخضع لمراقبة مالية وحكومية، مثل تحصيل الضرائب والرسوم وغير ذلك، ولكن الخدمات الإعلانية عبر شبكة الإنترنت لا تخضع لأي من هذه الأمور، موضحةً أن هناك أشخاصًا يجعلون من منصات التواصل الاجتماعي وحساباتهم قنوات تجارية واستثمارية لأشكال الدعاية والإعلان، دون أن يتم محاسبة المعلن وممول الإعلان.
وتطالب صلاح الدين، بإصدار تشريع يمكن السلطات المعنية من متابعة أشكال الدعاية والإعلان وتتبع المستفيدين ماليًا من حسابات التواصل الاجتماعي، مشددةً على خطورة ما يحدث، خاصةً في ظل ازدياد عدد المستخدمين وتحول الجمهور للإنترنت، ما قد يسبب خسائر فادحة في المستقبل.