إذاعة "القرآن الكريم".. لقد نفد رصيدكم
الجمعة، 31 يوليو 2020 03:31 م
بادئ ذى بدء.. أظن أنه لا أحد كتب مثلى عن ضرورة إصلاح إذاعة القرآن الكريم. كنت أستشرف إرهاصات التردى والتراجع والتدنى على جميع المستويات. عددتُ أسباب التردى والتراجع والتدنى، ولكن لا حياء ولا حياة لمن تنادى. هذه ليست أول إذاعة دينية وُضعت للناس، بل ليست أكثر من إذاعة أهلية للاسترزاق وشغل الوقت! السادة القائمون على أمرها لم يبذلوا جهدًا مشكورًا للإصلاح وتصويب المسار ولا يرغبون، بل كانوا يكثفون اتصالاتهم وجهودهم البائسة فقط لمنعى من الكتابة؛ بزعم أن كل شئ على ما يُرام! إنه المنطق السقيم الذى لا يزال مسيطرًا على كثير من أهل الحل والعقد فى زمن التكنولوجيا والسموات المفتوحة!
كان لسان حالهم يقول: "ليس فى الإمكان أبدع مما كان ومما هو كائن ومما سيكون"! كان ولا يزال هناك إصرار غير عادى على إفساد إذاعة القرآن الكريم، بقرارات إدارية عقيمة، وباستبعاد كفاءات حقيقية، وبمحتوى إذاعى باهت أدى فى النهاية إلى خروجها من اهتمامات المستمعين، بعدما كانت الإذاعة الأكثر استماعًا واهتمامًا واحترامًا وتقديرًا..بل وتبركًا! لم يكن إذاعة أذان المغرب فى يوم عرفة قبل موعده بأربع دقائق هو الخطأ الوحيد للشبكة العريقة، مع التأكيد على أنه ليس خطأ يسيرًا، ولكنه جاء نتيجة تراكم عديد من الأخطاء والخطايا التى قد لا ينتبه إليها الكثيرون. خطأ الأذان حاز الاهتمام وأثار الجدل؛ لأنه تصادف مع يوم يحرص معظم المسلمين على صومه.
البيان الهزلى الذى أصدرته الشبكة جاء كاشفًا لحالة العوار التى تسيطر على صانعى القرار داخلها، ويؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الأسوأ لم يأتِ بعد، وأن هناك سيناريوهات أخرى أكثر سوءًا سوف تحدث فى المستقبل. البيان يقول: "إن رصيدنا لديكم يسمح"!! عزيزى كاتب البيان، اعلم إن لم تكن تعلم، أن رصيدكم نفد منذ فترة طويلة. نفد منذ تخليكم عن دوركم التعليمى والتنويرى والتوعوى الهادف، نفد منذ أن تدخل الهوى والمزاج فى خريطة برامج وتلاوات الإذاعة، فأفسدا كل شئ. نفد عندما توغلت السياسة وسيطرت على أفكار وبرامج الإذاعة.
عزيزى كاتب البيان بغرض التهرب من المسؤولية.. لقد نفد رصيدكم ولم يعد لكم رصيدٌ لدينا. لا أميل أبدًا لفكرة المؤامرة التى يتحدث عنها البعض بشأن تمييع إذاعة القرآن الكريم وتفريغها من مضمونها. هذا قد يكون محض افتراء.
ما يحدث بإذاعة القرآن الكريم هو انعكاس وإفراز طبيعى لما حلَّ بمنظومة الإعلام المرئى بشكل خاص، والإعلام الدينى بشكل خاص. لا نملك فى مصر إعلامًا دينيًا هادفًا على أى صعيد، رغم أن أبناء مصر هم أصحاب الأيادى البيضاء على الإعلام الدينى خارج الحدود، ولكن الفارق أنهم فى الداخل يتم تحجيمهم وإبعادهم، وفى الخارج يحصلون على الفرص والتقدير الكاملين.
إذاعة القرآن الكريم قدمت ولا تزال تقدم كوادر إعلامية متفردة، ولكن ماذا يفيد الموهبة عندما يتم تقييدها وتخويفها؟ هذه مفارقة أليمة بلا شك. لقد فصَّلتُ القول تفصيلاً فى مقالات سابقة عن أسباب انهيار إذاعة القرآن الكريم، وعزمتُ من قبل ألا أعود إليها مرة أخرى؛ حرصًا على مشاعر مذيعى الشبكة الذين يتحملون أوزار غيرهم، فهم أفضل ما فيها بما يملكونه من مواهب حقيقية وحضور طاغٍ، ولكن ليس بأياديهم أية حيل، فقد نفدت الحيل! إذاعة القرآن الكريم فى ورطة حقيقية، يجب التحرك الجاد والرسمى لتخليصها مما هى فيه. أنقذوا إذاعة القرآن الكريم.. أثابكم الله.