تسريب الامتحانات.. غشاش اليوم قائد المستقبل!
الخميس، 02 يوليو 2020 11:39 ص
يبدو أن الثانوية العامة أصبحت موسمًا لتسريب الامتحانات، حسب التوقيت المحلي لجمهورية مصر العربية، وعلى الطلاب المقيمين خارجها مراعاة نوع التسريب!
شر البلية ما يضحك، وعلى ما يبدو أن مآسينا، وبلاوينا لن تجعلنا نبطل الضحك.. فمنذ بدأت امتحانات الثانوية العامة 2020، وحتى الآن، كل امتحان يتسرب؛ العربي، الإنجليزي، الكيمياء، الأحياء، والفلسفة.. وكأن التسريب بات هو القاعدة، وما عداه استثناء! وبات الغشاشون المستهترون يأخذون حق زملائهم الملتزمين المجتهدين، الذين يسقطوا في هذا الوحل!
حقيقة، لست مندهشًا من هذا التسريب، الذي يبدو وكأنه ممنهج، فكلنا- إلا مَن رحم ربي- نتعامل مع الغش بـ«ميكافيللية»، ووفق مبدأ: «أغش وأدخل كلية قمة، ولا أعتمد على نفسي وأجيب مجموع ميدخلنيش معهد التسريب العالي»؟!
نعم.. إثم كبير يقع على عاتق المسؤولين عن العملية التعليمية وتأمين الامتحانات، لكن قبل انتقادهم، واتهامهم بالتقصير، وتحميلهم المسؤولية، علينا أن نلوم أنفسنا -نحن الأهالي والطلبة- أولًا؛ فالعيب فينا أيضًا.. فكم مرة «غششنا»، وملأنا الدنيا صراخًا، ولطمًا لمجرد أن جزئية في الامتحان جاءت «صعبة»، أو تحرض «العقل» على «التفكير»؟ كم مرة «لَعنَّا سلسفيل» المراقبين لأنهم كانوا «ماسكين اللجنة»، ولم يسمحوا بـ«الغش» لفلذات أكبادنا؟
بل كم مرة باركنا أولادنا، وحرضناهم على «الغش الصريح»، بدلًا من حثهم على «المذاكرة»، و«الاجتهاد»؛ فكانت النتيجة أن أصبح عندنا رئيس وزراء «يرفع» المفعول، ووزير «يسحل» الفاعل، ورئيس برلمان «ينصب» المضاف إليه.. ووزير «تعليم» يخطئ في «الإملاء».. ونوابٌ، وسياسيون، وأكاديميون لا يعرفون الفارق بين «الهاء» و«التاء المربوطة»، ويخلطون بين «سينا» و«سونيا»!
لقد بات الغش «قاعدة»، ومدعاة لـ«التفاخر»، وعلامة من علامات «الفهلوة»، بعدما كان «مستقبحًا»، «مستنكرًا»، «مستقذرًا».. ولم نعد نسمع عن الحديث الشريف: «مَنْ غشنا فليس منا».. واختفت حكمة: «مَنْ جد وجد، ومَنْ زرع حصد»، و«لكل مجتهدٍ نصيب»، أمام شعار: «ألا بالتسريب تبلغ ما تريد، وبالأوبيج يلين لك الحديد».. فماذا ننتظر بعد ذلك؟!
للأسف.. كل هذا التسريب يحدث وليس لدينا تعليم بمعنى الكلمة.. فالمنظومة التعليمية عندنا أشبه بلافتات نادي القرن الحقيقي المزين بها سور الزمالك.. التعليم عندنا يبدأ وينتهي بالتلقين والحفظ، والحشو.. وحتى نثبت لأنفسنا أننا نسير في طريق النجاح، نداري على «خيبتنا الثقيلة» برشاوى المدرسين بالدروس الخصوصية؛ ليسمحوا لنا بـ«الغش التعاوني».. بينما تتعهد الدولة بتوفير امتحانات «سهلة» لضمان نسب نجاح عالية.. فتكون النتيجة: مجاميع مرتفعة، وعقول فارغة، وملايين الخريجين الذين لا يرقى مستواهم إلى مستوى خريجي «محو الأمية»!
وللأسف لم يعد الغش مقتصرًا على التعليم العام فقط، بل تغلغل في «الأزهر» أيضًا.. وتجسدت أركان هذه الجريمة في محاضر الغش للطلبة «المُعممين»، حتى في مادة «القرآن الكريم».. ورأينا أئمة وخطباء مساجد هم للجهل أقرب.. فكيف اجتاز هؤلاء امتحاني القرآن -«الشفوي والتحريري»- إلا إذا كانوا نجحوا بـ«الغش»؟!
وللأمانة فإن «الغش» لم يعد مقتصرًا على «التعليم»، بل أصبحنا نطالعه في كل المجالات.. غش «ديني».. غش تجاري.. غش صناعي.. غش في مواد البناء.. غش وسرقات رسائل ماجستير ودكتوراه بين أساتذة الجامعات.. غش وتزوير في الانتخابات.. غش في «استطلاعات الرأي».. إلخ.
إذن نحن بانتظار «مستقبل» ربما يقودنا فيه هؤلاء «الغشاشون» الذين استفادوا من تسريب الامتحانات، وحصلوا على درجات أعلى من زملائهم الذين لم يحالفهم الحظ.. وبالتالي «غشاش» اليوم قد يكون «قائد» المستقبل! فكيف نطمئن على مستقبل دعائمه ستكون قيادات تربوا ونجحوا وتوظفواعلى «الغش»، ونجحوا، ووصلوا إلى مناصبهم القيادية بـ«الغش»؟!
الأمر جد خطير، ولا بد من تشكيل لجان متخصصة لدراسة هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة، والوقوف على أسبابها، وتقديم مقترحات لحلها.. على أن تتضمن هذه المقترحات سن قانون صريح لـ«تجريم الغش»، واعتباره كجريمة «الخيانة العظمى»، ولا ينبغي التهاون في تنفيذ العقوبات «المغلظة» على فاعله، ومَنْ يسهله.. وإلا «فضوها سيرة»!