تقرير إثيوبي: سد النهضة تعرض لمحاولات تخريب من داخل إثيوبيا نفسها
الثلاثاء، 23 يونيو 2020 02:09 مسامي بلتاجي
منذ الجولة الأولى لمسار عملية التفاوض حول أزمة وقضية سد النهضة الإثيوبي، أعلنت إثيوبيا أنها لن تتوقف للحظة واحدة في عملية بناء السد، إلى جانب مواصلتها التفاوض مع دولتي المصب، مصر والسودان، حتى لا يتم تحريك ملف التفاوض أو محاولة إعاقة بناء السد، وهو ما استطاعت إثيوبيا القيام به؛ وذلك وفقا لتقرير إثيوبي، نشره مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، من إعداد الكاتب الصحفي الإثيوبي، أنور إبراهيم أحمد، تحت عنوان: "طموحات شعب وهواجس آخر"، والذي حمل عددا من التناقضات، عند تناوله لقضية سد النهضة الإثيوبي، من أبرزها، وصف ما تقدم على أنه نوع من حسن النية.
وتطرق التقرير إلى 3 محاولات لوقف أو تخريب أعمال تشييد سد النهضة، منها محاولتين على الأقل من تدبير منتمين لقبائل إثيوبية، واتهامات على لسان ممثلي الحكومة الإثيوبية للحكومة المصرية في بعض تلك الأعمال، فضلا عن اتهامات حملها التقرير للحكومة المصرية بتغيير المطالب والتسرع في إعلان فشل المفاوضات، بالرغم من الإشارة الضمنية -في نفس التقرير- إلى المرونة التي أبداها الجانب المصري، خلال جولات المفاوضات، وإن لم يعتبرها التقرير كذلك.
أكد التقرير إلى أن عدة محاولات، للوصول إلى سد النهضة، بهدف إحداث أعمال تخريبية، قامت بها المعارضة الإثيوبية خلال وجودها على الأراضي الإريترية، قبل توقيع اتفاق السلام في يوليو 2019، ومنها المحاولة التي تمت عام 2013، من الأراضي الإريترية عبر الحدود السودانية الشرقية، مرورا بمنطقة الحمرة، إلا أنها قد باءت بالفشل، بحسب التقرير ذاته، الذي نشره مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في مايو 2020؛ والذي لفت إلى محاولة أخرى، تمت في عام 2014؛ منوها إلى أن محاولات أخرى تمت وتم توجيه الاتهام فيها إلى عصابات "الشفتة" الإثيوبية وقطاع الطرق للقيام بأعمال إرهابية ضد العاملين في السد.
وفي تعقيبها على ما تداولته بعض وسائل الإعلامد في 8 نوفمبر 2016، حول إلقاء القبض على مواطنين مصريين اثنين في إثيوبيا، صرح -حينها- المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية بأن الوزارة علمت من خلال السفارة المصرية في أديس أبابا بإلقاء القبض على كل من المواطنين هاني العقاد وطه منصور لبضعة أيام دون توضيح أسباب القبض عليهما أو التهمة الموجهة لهما؛ وكانت قد قامت السفارة المصرية في أديس أبابا منذ اللحظة الأولى لإلقاء القبض على المواطنين المصريين بمتابعة الحادث مع المسئولين الإثيوبيين على أعلى المستويات، للاستفسار عن أسباب القبض عليهما، ومطالبة الجانب الإثيوبي بالإفراج عنهما وتمكين السفارة من التواصل معهما، فضلا عن ضمان كافة حقوقهما المنصوص عليها في اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية؛ كما أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، التقى في 8 نوفمبر، المشار إليه، على هامش زيارته حينها إلى أديس أبابا للمشاركة في الاجتماع الرئاسي حول ليبيا مع رئيس الوزراء الإثيوبي، حيث آثار الأمر معه وطلب الإفراج عن المواطنين المصريين ومعرفة طبيعة الاتهامات الموجهة اليهما، وقد وعد رئيس الوزراء الإثيوبي ببحث الأمر والرد علي السفارة المصرية في أسرع وقت، مؤكدا على ضرورة ان ينال المواطنان كافة حقوقهم القنصلية.
تكللت جهود وزارة الخارجية بالنجاح في الإفراج عن المواطنين المصريين المحتجزين في إثيوبيا، في أعقاب الاضطرابات التي شهدتها البلاد؛ وذلك وفقا لبيان الوزارة، في 11 يناير 2017، إذ نجحت في الإفراج عن كل من "طه منصور" و"هاني العقاد" و"حسن رمضان سويلم"، والذين تم الإفراج عنهم، دون توجيه أية تهم لهم ومغادرتهم أديس أبابا إلى القاهرة مساء 11 يناير، المشار إليها.
أشار تقرير الكاتب الصحفي الإثيوبي، أنور إبراهيم أحمد، إلى أن تأمين سد النهضة، يقع تحت رعاية قوات الدفاع الإثيوبية والشرطة الفيدرالية، فضلا عن عدة جهات إثيوبية تضطلع بمسؤوليات تجاه السد، وفقا لما ذكره التقرير، تحت زعم تأكد الحكومة الإثيوبية من وحود خطر محدق على السد من جهات خارجية، فاتخذت الحكومة قرارا في عام 2015، منحت بمقتضاه عملية تأمين السد للقوات الأمنية الإثيوبية، مع العلم بأن عام 2015، هو العام نفسه، الذي تم فيه توقيع اتفاق إعلان المبادئ، بين الدول الثلاث المعنية بإيرادات النيل الأزرق من المياه.
هذا، ونقل التقرير المنشور بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، على لسان رئيس وزراء إثيوبيا الأسبق، ملس زيناوي، اتهامات للحكومة المصرية، في عام 2011، بالوقوف وراء تعثر الحكومة الإثيوبية -حينها- في الحصول على قرض من الخارج لتمويل بناء السد؛ فضلا عن اتهامات حملها التقرير للجانب المصري، بدعوى تجدد المطالب المصرية وتغيرها من جولة لأخرى خلال جولات المفاوضات حول سد النهضة، إلا أن الأمثلة التي ذكرها التقرير تؤكد مرونة الموقف المصري في التعامل مع أزمة مفاوضات سد النهضة، حتى أن الخارجية المصرية وصفته بالتنازلات التي لا تضر بمصلحة أي من أطراف التفاوض، وهو ما قابله الجانب الإثيوبي بالتعنت.
تقرير الصحفي الإثيوبي، المنشور بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ذكر أن القاهرة طلبت في البداية باستبدل السد الكبير بسدود صغيرة، مما لم يجد آذانا صاغية من الجانب الإثيوبي، الذي رأي في المطلب المصري نوعا من فرض الوصاية التي تحاول أن تفرضها الحكومة المصرية، التي ظلت تحتكر مياه النيل لفترات طويلة بسبب الاتفاقيات القديمة -بحسب صياغة وتعبير التقرير- وتطورت المطالب المصرية إلى تقليل حجم السد وكميات المياه المخزنة، وهو الطلب الذي ظل محل جدل لفترات طويلة، إلى أن كانت هناك مطالب مصرية بزيادة عدد البوابات في جسم السد، وهو من المطالب التي رفضتها الحكومة الإثيوبية كذلك، وصولا إلى طلب إدارة السد بصورة مشتركة (الربط بين سد النهضة الإثيوبي والسد العالي في مصر، لتحقيق المصالح المشتركة)، وهو ما اعترض عليه الطرف الإثيوبي؛ وهو ما وصفه التقرير بتجدد المطالب المصرية في ظل ثبات الجانب الإثيوبي على موقفه، في كل جولة من جولات المفاوضات، في حين واصل الجانب الإثيوبي عملية بناء السد، خلال 9 سنوات مضت، تأخرت فيها بسبب بعض المشاكل السياسية والتغييرات الداخلية في إثيوبيا؛ وبهذا، أنصف التقرير الموقف المصري، من حيث أراد أن يتهمه، فما ذكره من تجدد المطالب المصرية، يقره الواقع والمواقف المصرية، على أساس المرونة والرغبة في إتمام المفاوضات بهدف الوصول لتغليب المصالح المشتركة، في ظل إيمان القيادة السياسية في مصر، بأن مياه النيل تعني بالنسبة لإثيوبيا التنمية وتعني لمصر الحياة، وهو ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، في كلمة له، وجهها للشعب الإثيوبي، خلال تفقده للقوات المصرية بمنطقة سيدي براني العسكرية، في 20 يونيو 2020.
كانت الحكومة المصرية، وفي ردها على وزارة الخارجية الأثيوبية بشأن الاجتماع الوزاري حول سد النهضة، الذي عقد يومي 8 و9 يناير 2020، في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، قد أشارت إلى العديد من المغالطات الإثيوبية المرفوضة جملة وتفصيلاً، لما انطوت عليه تضليل متعمد وتشويه للحقائق، وما قدمه منصورة منافية تماما لمسار المفاوضات ولمواقف مصر وأطروحاتها الفنية، ولواقع ما دار في ذلك الاجتماع وفي الاجتماعات الوزارية الثلاثة التي سبقته والتي عقدت على مدار شهرين سابقين لمناقشة قواعد ملء وتشغيل سد النهضة؛ وأوضحت مصر أن الاجتماعات الوزارية الأربعة لم تفض إلى تحقيق تقدم ملموس بسبب تعنت الجانب الإثيوبي وتبني إثيوبيا لمواقف مغالى فيهاد تكشف عن نيتها في فرض الأمر الواقع وبسط سيطرتها على النيل الأزرق وملء وتشغيل سد النهضة دون أدنى مراعاة للمصالح المائية لدول المصب، وبالأخص مصر بوصفها دولة المصب الأخيرة، بما يخالف التزامات إثيوبيا القانونية وفق المعاهدات والأعراف الدولية، وفي مقدمتها اتفاق إعلان المبادئ المبرم في 23 مارس 2015، وكذلك اتفاقية 1902 التى أبرمتها بإرادتها الحرة كدولة مستقلة، واتفاقية 1993، التى تعهدت فيها بعدم إحداث ضرر لمصالح مصر المائية، إلا أن إثيوبيا تسعى للتحكم فى النيل الأزرق، كما تفعل فى أنهار دولية مشتركة أخرى تتشاطر فيها مع دول شقيقة.
وأشار الجانب المصري المفاوض إلى أن سبب رفض إثيوبيا تصريف الإيراد الطبيعي أثناء عملية تشغيل سد النهضة، يرجع إلى نيتها لتوظيف السد -الذى يستهدف فقط توليد الكهرباء- لإطلاق يدها في القيام بمشروعات مستقبلية واستغلال موارد النيل الأزرق بحرية تامة دون الإكتراث بمصالح مصر المائية وحقوقها التي يكفلها القانون الدولي؛ وذلك بالرغم من انخراط مصر في المفاوضات بحسن نية وبروح إيجابية، تعكس رغبتها الصادقة في التوصل لاتفاق عادل ومتوازن، يحقق المصالح المشتركة لمصر ولإثيوبيا؛ وهو ما انعكس في الأفكار والنماذج الفنية التي قدمتها مصر خلال الاجتماعات، والتي اتسمت بالمرونة والانفتاح؛ وذلك بعكس ما ورد في بيان وزارة الخارجية الإثيوبية -حينها- الذي زعم أن مصر طلبت ملء سد النهضة في فترة تمتد من 12 إلى 21 سنة، إلا أن مصر لم تحدد عدد من السنوات لملء سد النهضة، بل أن واقع الأمر هو أن الدول الثلاث اتفقت منذ أكثر من عام على ملء السد على مراحل تعتمد سرعة تنفيذها على الإيراد السنوي للنيل الأزرق، حيث أن الطرح المصري يقود إلى ملء سد النهضة في 6 أو 7 سنوات، إذا كان إيراد النهر متوسط أو فوق المتوسط خلال فترة الملء، أما في حالة حدوث جفاف، فإن الطرح المصري يمكن سد النهضة من توليد 80% من قدرته الإنتاجية من الكهرباء، بما يعني تحمل الجانب الأثيوبي أعباء الجفاف بنسبة ضئيلة؛ كما أن مصر اقترحت وضع آليات وقواعد للتكيف مع التغيرات الهيدرولوجية في النيل الأزرق وللتعامل مع سنوات الجفاف التي قد تتزامن مع عملية ملء سد النهضة، بما في ذلك الإبطاء من سرعة الملء وإخراج كميات من المياه المخزنة في سد النهضة للحد من الآثار السلبية لعملية الملء أثناء الجفاف وسد العجز المائي الذي قد تتعرض له دول المصب؛ وذلك مع الحفاظ على قدرة سد النهضة في الاستمرار في توليد الكهرباء بمعدلات مرتفعة، رغم كل ما سبق من إبداء المرونة في الموقف المصري، إلا أن أثيوبيا، تأبى إلا أن تتحمل مصر بمفردها أعباء الجفاف، وهو الأمر الذي يتنافى مع قواعد القانون الدولي ومبادئ العادلة والإنصاف في استخدامات الأنهار الدولية.
هذا، وكلما طالبت مصر بضرورة الاتفاق على خطوات فعالة للتعامل مع سنوات الجفاف التي قد تحدث أثناء الملء، تقوم أثيوبيا بالتلويح باستعدادها لملء سد النهضة بشكل أحادي، وهو ما رفضته مصر على مدار المفاوضات باعتباره يمثل مخالفة صريحة لاتفاق اعلان المبادئ لعام 2015، ولالتزامات إثيوبيا بموجب قواعد القانون الدولى؛ كما تستنكر مصر ما يتردد من قبل الحكومة الإثيوبية من مزاعم، بأن مصر تسعى للاستئثار بمياه النيل، موضحة أن مثل هذه التصريحات والشعارات الجوفاء، والتي ربما تصدر للاستهلاك المحلي، لا تساعد على خلق البيئة المواتية لتحقيق تقدم في المفاوضات؛ وذلك على عكس ما يروج له التقرير المنشور في مايو 2020، بمركز الملك فيصل للدراسات والبحوث، حتى أن وزراء الري في كل من: مصر، السودان وأثيوبيا، عقدوا الاجتماع الثالث حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الأثيوبي، في 11 يونيو 2020 ، وهي المشاورات التي كانت قد بدأت بمبادرة من جمهورية السودان، حيث تمت مناقشة ورقة تقدمت بها إثيوبيا تتضمن رؤيتها حول أسلوب ملء وتشغيل سد النهضة، وقد أعربت مصر، وكذلك السودان، عن تحفظهما على الورقة الإثيوبية لكونها تمثل تراجعا كاملا عن المبادئ والقواعد التي سبق وأن توافقت عليها الدول الثلاث، في المفاوضات التي جرت بمشاركة ورعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، بل وإهدارا لكافة التفاهمات الفنية التي تم التوصل إليها في جولات المفاوضات السابقة؛ وقد أكدت مصر على ضرورة أن تقوم إثيوبيا بمراجعة موقفها الذي يعرقل إمكانية التوصل لاتفاق، كما شددت مصر على أن تمتنع إثيوبيا عن اتخاذ أية إجراءات أحادية بالمخالفة لالتزاماتها القانونية، وخاصة أحكام اتفاق إعلان المبادئ المبرم في 2015، لما يمثله هذا النهج الإثيوبي من تعقيد للموقف، قد يؤدي إلى تأزيم الوضع في المنطقة برمتها؛ كما أكدت مصر على استمرار تمسكها بالاتفاق الذي انتهى إليه مسار المفاوضات التي أجريت في واشنطن لكونه اتفاقا منصفا ومتوازنا، ويمكن إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية مع الحفاظ على حقوق دولتي المصب.