السراج يدافع عن سيادة ليبيا.. ولكن كم مرة انتهكها أردوغان؟
الإثنين، 22 يونيو 2020 12:23 م
أثار بيان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج الذي أصدره أمس الأحد تعليقا على تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي جدلا واسعا وسط الليبين في وقت وصفه مراقبون ليبيون بأنه مرتبك وسطحى وينم عن جهل بطبيعة العلاقات المصرية الليبية، متجاهلا التدخل التركي الفج في ليبيا وانتهاك السيادة الليبية يوميا عبر إدخال المرتزقة الأجانب وإرسال المعدات العسكرية لدعم حكومة الوفاق لشن عمليات ضد الجيش الوطني الليبي.
وبيان المجلس الرئاسي كان موجه وبوضوح إلى مصر بعدما أطلق رئيسها عبد الفتاح السيسي أول أمس تصريحات شدد فيها على مساعيه إلى حل الأزمة الليبية بالطرق الدبلوماسية مع حق بلاده في الدفاع عن نفسها وتأمين حدودها الغربية من أي تهديدات إرهابية قادمة من ليبيا، وسط حديث عن شرعية التدخل المصري في ليبيا عسكريا في حالة طلب الليبيون ذلك مع إشارة إلى جاهزية واستعداد قواته.
وفي وقت هاجم فيه المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في بيانه الموقف المصري من الأزمة الليبية، متجاهلا كافة المؤتمرات التي رعتها الدولة المصرية بين الأطراف الليبية لتوحيد المؤسسة العسكرية وتقريب وجهات النظر اقتصاديا ودمج مؤسسات الدولة الليبية، أعطى المجلس لنفسه الحق في شرعنة الغزو التركي الذي أسفر عن مقتل مئات بل آلاف من المدنيين العزل في صبراتة وغريان وترهونة.
ويعرف المجلس الرئاسي بانتمائه الشديد لجماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان في ليبيا وذراعها السياسي العدالة والبناء، لكن ما أثار غضب الليبيين أنفسهم هو إصدار بيان زعم فيه عدم حق مصر في الدفاع عن نفسها من خطر الإرهاب القادم من ليبيا، واصفا ذلك بأنه انتهاك للسيادة الليبية.
في الوقت ذاته يتغاضى المجلس الرئاسي للوفاق عن الانتهاكات التي ترتكبها تركيا يوميا في حق السيادة الليبية، كان آخرها ما أسفرت عنه هجمات الطائرات التركية المسيرة على مدينة ترهونة في أوائل يونيو الجاري، حيث أسفرت عن مقتل عددا من المواطنين الليبين واستهدفت المؤن الغذائية وشاحنات الطاقة وأدت إلى حرق المزارع.
وبخلاف الخسائر البشرية لليبيا جراء التدخل التركي المباشر في ليبيا، تستغل تركيا اتفاقيتها مع حكومة الوفاق التي لم يصوت عليها البرلمان الليبي، من أجل أن تزيد من نفوذها داخل ليبيا، وذلك دون أن نسمع عضو من المجلس الرئاسي يتحدث عن انتهاك السيادة الليبية.
بل عبر مؤيدي حكومة الوفاق تطلق الفتاوى الشاذة التي تحلل لتركيا أن تستخدم موارد ليبيا النفطية في تحقيق أهدافها، فيخرج مفتي ليبيا المعزول صادق الغرياني ومن إحدى القنوات التي تبث من أنقرة ليؤكد أن إنشاء تركيا قواعد عسكرية لها حلال شرعا، زاعما في حديث آخر أنه يجب على حكومة الوفاق أن تقدم امتيازات لأنقرة في التنقيب عن النفط قبالة السواحل الليبية.
وتدعم تركيا حكومة الوفاق بالطائرات المسيرة والمرتزقة السوريين، بالإضافة إلى إرسال المعدات العسكرية الثقيلة في حربها ضد الجيش الوطني الليبي، ولا تخفي إنشائها جسراً جوياً يربط بين إسطنبول وطرابلس لإرسال المقاتلين الأجانب في تحدي واضح لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
لكن تركيا لم تكتف بكل هذه الانتهاكات وفقا لمراقبين، بل تحاول أن تستقطب إحدى أطراف الأزمة الليبية، المتمثل في حكومة الوفاق من أجل أن يكون لها موضع قدم مستمر في ليبيا بغض النظر عن ما تؤول له تطورات الأزمة الليبية.
وبعد أيام قليلة من إعلان مسئول تركي عن اعتزام أنقرة التنقيب عن الغاز داخل ليبيا بناء على مباحثات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، كشفت صحف ووكالات عالمية عن نوايا تركية لإنشاء قاعدتين عسكريتين في طرابلس ومصراتة.
وكشفت تقارير صحفية عن مخططات تركيا في ليبيا، ومنها إنشاء قاعدتين عسكريتين في الأماكن التي تقع تحت سيطرة حكومة الوفاق، وتكون مقراً مركزيا لقوتها التي بدأت في نشرها منذ يناير الماضي لدعم ميليشيات حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي.
ونقلت صحيفة "يني شفق" المقربة من الحكومة التركية عن مصادر وصفتها بالإقليمية عن اعتزام تركيا إنشاء قاعدتين عسكريتين دائمتين في أراضي ليبيا، وذلك في إطار توسع نشاطتها في هذا البلد الشمال إفريقي.
وتمتلك تركيا قواعد عسكرية في كل من الصومال وقطر وقبرص الشمالية المحتلة من قبل أنقرة، فيما كانت بصدد إقامة قاعدة بحرية في جزيرة سواكن السودانية قبل أن تطيح الثورة السودانية بنظام عمر البشير، وتحبط أطماعها في الخرطوم.
ولم تقف الانتهاكات هنا، فحديث السراج عن السيادة فضحته تصريحات المسئولين الأتراك عن أطماع بلادهم في ليبيا، وكشف مسؤول تركي كبير الجمعة عن مساعي تركيا وأطماعها لاستغلال الحرب من أجل مزيد من المكاسب الاقتصادية، مؤكدا استعداد بلاده وبخطى سريعة في إعادة إعمار ليبيا.
وقبل أيام زار كبار مساعدي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طرابلس، لمناقشة سبل التعاون في مجالات الطاقة والبناء والأعمال المصرفية، وكشف المسؤول التركي عن أهداف تركيا من الزيارة التي خاضها وفد أردوغان مؤخرا لطرابلس حيث التقي بأعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وأكد أن الوفد ناقش أيضا المدفوعات المستحقة للشركات التركية عن أعمال الطاقة والبناء السابقة في ليبيا، كما بحثوا السبل التي يمكن لتركيا أن تنقب من خلالها على الطاقة، بما في ذلك التعاون "في كل مشروع يمكن تصوره" للمساعدة في وصول الموارد إلى الأسواق العالمية.ط، وفقا لزعمه.
وفي إشارة واضحة إلى استغلال الدعم المقدم للوفاق من أجل الاستفادة من موارد ليبيا، بعد الدمار الذي حل بها جراء التدخل التركي، مضى المسئول التركي قائلا "حل الدمار بمناطق كثيرة من البلاد، وهناك حاجة ماسة إلى البنى الأساسية... الشركات التركية... في وضع يسمح لها بالبدء في مثل هذه الأعمال بسرعة".
فضلا عن ذلك قوبل حديث المجلس الرئاسي عن الدور المصري، بالرفض من قبل سياسيين ليبيين، إذ شن حسن الصغير، وكيل وزارة الخارجية الأسبق بالحكومة الليبية، هجوما كبيرا على حكومة السراج على خلفية أصدرها بيان وصفه بالمرتبك ردا على تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وقال الصغير، فى منشور على حسابه بموقع فيس بوك، إن البيان مرتبك يصف كلمة السيسي بتصريح إعلامي ويأتي في منتصف البيان ويصفه بالتهديد و في آخر البيان بالتصعيد، متابعا، يعيب الوفاق على مصر صمتها وأنها منحازة وهي التي أرسلت عدة وفود للقاهرة شاركت في اجتماعات اللجان العسكرية وآخرها الاجتماع الاقتصادي شهر فبراير 2020.
وتابع الصغير، أن مصر كانت إحدى الدول المشاركة في اجتماعات برلين ولَم تتحفظ الوفاق وقتها على هذه المشاركة، وطالما أشادت الوفاق بدور مصر ووساطتها طيلة السنوات الماضية وحتى خلال السنة الأخيرة، ولكم أن تراجعوا مشاركات سيالة في الاجتماعات المتعددة الأطراف وستجدون تلك الإشادات بالصوت والصورة.
وتابع الصغير، إذا كان الليبيون غير مجمعين على شرعيتهم فلن ينفع الوفاق كل شرعيات الدنيا ولن تحل ورقة من مجلس الأمن المعادلات المختلة في طرابلس المحتلة السياسية والمالية والأمنية.