طلال رسلان يكتب: قراءة في مبادرة القاهرة.. طوق نجاة ليبيا
السبت، 06 يونيو 2020 05:43 م
بتدخل تركيا في الشأن الليبي، بعد اتفاق مزعوم دفع به الرئيس التركي رجب أردوغان وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق، تفاقمت الأزمة الليبية، وكان ذلك ضوءا أخضر لتدفق مليشيات إلى طرابلس أججت الصراع وأخلت البلاد إلى نفق مظلم مطموس المعالم.
لم يكن إصرار أردوغان عندما لوح للسراج بالمساعدات العسكرية، كحليف مؤقت، بعيدا عن خطة وضع قدما تجاه البحر المتوسط وأطماع الغاز والتي لم تخفها الإدارة التركية قبل الإشارة إلى التحركات في الأراضي الليبية.
خرجت كل قراءات الخريطة الليبية بنتيجة واحدة بعد الاتفاق المبرم بين تركيا والسراج وهي "من لا يملك لمن لا يستحق"، ومن ثم الالتواء على المبادرات الدولية والإدانات الأممية لحل الأزمة والتصعيد العسكري دون التفات إلى الوراء.
منذ الأيام الأولى، التف الشعب وأبناء القبائل الليبية حول الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر بهدف تطهير الأراضي ووضع حد لزحف المليشيات المسلحة وتجنيب البلاد سيناريو تقسيم سوريا بتدخلات خارجية لأطراف بأطماع غير خفية.
لتجنيب البلاد مرار الحرب المسلحة لجأ حفتر وإلى جانبه البرلمان الليبي إلى طاولة التهدئة ومحاولات حلحلة الأزمة في إطار السيادة الليبية التي لا تقبل بالتدخلات الخارجية وأجندات الأطماع، بما تضمنته مخرجات مؤتمر برلين، والتي ينتج عنها حل سياسي وأمني واقتصادي شامل، ومسار اللجنة العسكرية 5+5 بجنيف، برعاية الأمم المتحدة، مع إلزام المنظمات الدولية بإخراج المرتزقة الأجانب والإرهابيين، من كافة الأراضي الليبيبة، وتسليم الميليشيات أسلحتها، حتى يتمكن الجيش الليبي بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، في تحقيق الأمن والاستقرار في ربوع البلاد.
لكن تحركات وانتهاكات الطرف الآخر للسيادة الليبية كانت ترمي إلى إشعال الصراع وتأجيج القتال، رغم الانتصارات التي حققها الجيش الوطني الليبي بتطهير مدن ليبية حتى حدود طرابلس.
دمار الشعب أو الانسحاب
قبل أيام أعلن الجيش الليبي الانسحاب اللوجستي من حدود طرابلس لتجنيب البلاد الدمار وعدم السير في الدفع نحو طريق الهاوية كما تصر حكومة الوفاف ومن قبلها أنقرة، اختار حفتر طريق أمان أبناء ترهونة "مفتاح الدخول إلى طرابلس"، بدلا من مكاسب على حساب ذبح الليبيين ومزيد من الدمار.
"منذ عام 2014 لم تقاتل قوات الجيش الليبي داخل المدن ولم تحتم بالمناطق المأهولة بالسكان، فهذه أخلاق الطرف الآخر وليست أخلاق القوات الليبية وبناء عليه صدرت أوامر بالتراجع والانسحاب من ترهونة وإعادة التمركز في منطقة آمنة".. هكذا صرح المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري.
تقارير الجيش الليبي المعلنة أمام وسائل الإعلام أفادت في تفاصيلها بأن 6 طائرات تركية مسيرة استهدفت قوات الجيش في ترهونة، إضافة إلى القصف بالمدفعية الثقيلة، في منطقة مليئة بالمدنيين، ما دفع القيادة العامة لاتخاذ قرار التراجع إلى مشارف ترهونة.
وأضاف تقرير المسماري وقتها: "لن نتمكن من الدفاع عن القوات أثناء وجودها في ترهونة، وسيعرض هذا أيضا المدينة للدمار بسبب قصف الطائرات التركية المسيرة المكثف"، وشدد على أن ترهونة "تعرضت لعصابات إجرامية خطيرة محمية بالقوى التركية"، مشيرا إلى أنها "نفذت عمليات نهب هناك وتعدت على أملاك وسلامة المواطنين".
واستطرد بالقول: "جرت عمليات قتل وسجن وضرب وقتل خارج القانون في ترهونة، أمام مرأى ومسمع الدول الصديقة والأمم المتحدة، التي ضغطت على القوات المسلحة لاتخاذ هذه الخطوة. نحمل الآن المجتمع الدولي مسؤولية ما يحدث بترهونة، خاصة الدول التي تواصلت معنا".
أعقاب ذلك أعلن الجيش الليبي مبادرة الانسحاب ووقف إطلاق النار، وهذا ما استغله الطرف التركي مع حليفه في الوفاق بإطلاق يد مليشيات مسلحة لمزيد من القصف والتخريب والدمار.
مبادرة القاهرة.. طوق النجاة للأزمة الليبية
بعد تأجيج الصراع وتفاقم الأزمة، اتجهت أنظار القيادة العامة للجيش الليبي والبرلمان الليبي إلى القاهرة لإيجاد المخرج من دمار البلاد وتجنيبها ويلات الحرب.
مساء السبت أعلن الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، عن مبادرة أطلق عليها "إعلان القاهرة" لحل الأزمة الليبية.
وقال في مؤتمر صحفي مع المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي والمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، إن المبادرة، تتضمن وقف النار وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها.
وتضمنت المبادرة عدة بنود شملت التأكيد على وحدة وسيادة الدولة الليبية، واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية ذات الصلة، مع التزام كافة الأطراف بوقف النار اعتباراً من الساعة السادسة صباح بعد غد الاثنين 8 يونيو.
ونصت المبادرة على الارتكاز على مخرجات مؤتمر برلين، والتي ينتج عنها حل سياسي وأمني واقتصادي شامل، واستكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية 5+5 بجنيف، برعاية الأمم المتحدة، مع إلزام المنظمات الدولية بإخراج المرتزقة الأجانب والإرهابيين، من كافة الأراضي الليبيبة، وتسليم الميليشيات أسلحتها، حتى يتمكن الجيش الليبي بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، في تحقيق الأمن والاستقرار في ربوع البلاد.
ونصت المبادرة على ضرورة استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية، وإعادة سيطرتها على كافة المؤسسات الأمنية، ودعم الجيش الليبي لمساعدته في تحمل مسؤولياته في مكافحة الإرهاب، وحماية السيادة الليبية، واسترداد الأمن في المجال البحري والجوي والبري.
وشملت المبادرة على نص يسمح بأن يقوم المجلس الرئاسي باتخاذ قراراته بالأغلبية، عدا القرارات السيادية، المتعلقة بالقوات المسلحة، فيتم اتخاذها بالإجماع وبحضور القائد العام، كما تضمنت أن يقوم كل إقليم من الأقاليم الثلاثة، بتشكيل مجمع انتخابي، بحيث تجتمع اللجان الثلاثة تحت رعاية الأمم المتحدة، ويتم التوافق عليها، مع تمثيل معقول للمرأة والشباب، ويقوم كل إقليم باختيار ممثله للمجلس الرئاسي، بهدف تشكيل مجلس رئاسي من رئيس ونائبين، على أن يتولى المجلس الرئاسي تسمية رئيس للوزراء من الكفاءات الوطنية، والذي يقوم بدوره باختيار أعضاء الحكومة، وعرضها على المجلس الرئاسي، تمهيداً لإحالتها لمجلس النواب لنيل الثقة.
المبادرة أكدت على ضرورة إشراف الأمم المتحدة على مراحل العملية الانتخابية للمجمعات الانتخابية، مع حصول كل إقليم على عدد مناسب من الحقائب الوزارية، طبقاً لعدد السكان، بحيث يحصل إقليم طرابلس على 9 وزارات، وبرقة على 7 وزارات، وفزان على 5 وزارات، وتقسيم الوزارات السيادية الست على الأقاليم الثلاثة، بحيث يحصل على كل إقليم على وزارتين.
ونصت على اضطلاع مجلس النواب الليبي باعتماد تعديلات الإعلان الدستوري، وقيام كل إقليم بتشكيل لجنة، لصياغة دستور جديد للبلاد، يحدد شكل إدارة الدولة، وطرحه للاستفتاء الشعبي العام، كما تضمنت أن تكون الفترة الانتقالية لمدة 18 شهراً، قابلة للزيادة بحد أقصى 6 شهور، يتم خلالها إعادة تنظيم كافة مؤسسات الدولة الليبية، خاصة المؤسسات الاقتصادية الرئيسية، وإعادة تشكيل مجالس إداراتها، بما يضمن فعالية أداء الحكومة الجديدة، ويمكنها من تأدية مهامها، وتوفير الموارد اللازمة لتنظيم المرحلة الانتقالية والانتخابات.
وشملت اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتوحيد كافة المؤسسات الاقتصادية، والنقدية، في شرق وجنوب وغرب ليبيا، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وضمان منع وصول أي موارد أو أموال ليبية إلى الميليشيات، والعمل على ضمان وتوزيع عادل للثروة لكافة المواطنيين الليبيين.
مبادرة القاهرة جاءت من منطلق حرص مصر الثابت على تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا ولشعبها، وباعتبار أن أمن ليبيا امتداد للأمن القومي المصري، إضافة إلى تأثير تداعيات الوضع الليبي الراهن على المحيط الإقليمي والدولي.
ماذا بعد مبادرة القاهرة؟
وفقا لقراءة مخرجات مبادرة القاهرة بنصها المعلن فإنها تمثل خريطة طريق جديدة للتوصل إلى تسوية على أساس التفاعل الداخلي الليبي، ينطلق ذلك من ثوابت السياسة الخارجية المصرية منذ بداية الصراع الليبي، بما يعنيه الانتقال السلمي للسلطة عبر مساره الذي يتضمنه الدستور الليبي، بما يضمن وحدة أرض ليبيا في سبيل تسوية الصراع.
ماذا بعد مبادرة القاهرة؟
وفقا لقراءة مخرجات مبادرة القاهرة بنصها المعلن فإنها تمثل خريطة طريق جديدة للتوصل إلى تسوية على أساس التفاعل الداخلي الليبي، ينطلق ذلك من ثوابت السياسة الخارجية المصرية منذ بداية الصراع الليبي، بما يعنيه الانتقال السلمي للسلطة عبر مساره الذي يتضمنه الدستور الليبي، بما يضمن وحدة أرض ليبيا في سبيل تسوية الصراع.
مبادرة القاهرة بما شملته من مبادئ عامة اتفقت بشكل مباشر مع مع مبادرة عقيلة صالح التي أعلنها في أبريل الماضي، لكن تزامن الأخير مع تفويض شعبي لقائد الجيش الوطني خليفة حفتر لإدارة شؤون البلاد ربما لم يعطها وقتها الزخم الكافي ولم تضع الخطوط العريضة التي تضمن إجماع بعض الأطراف.
لكن توقيت مبادرة القاهرة يمثل إطار عمل وخريطة طريق لخروج ليبيا من الصراع المحتدم، وفرصة قوية أمام العالم للجميع خروجا بتسوية تعتمد على التعاون، وليس قبول التواجد الأجنبي، وذلك بما تضمنه من انتقال سلمي باعتراف بكافة القرارات الأممية والدولية.