لماذا يتمسك أردوغان بالصومال وليبيا.. الإجابة في سياسة الأرض المحروقة؟
الأحد، 07 يونيو 2020 09:00 ص
ديكتاتور تركيا دعم الإرهابيين في مقديشيو لتدمير الصومال والسيطرة على منطقة القرن الأفريقي.. واعتمد على ميليشيات الإخوان الليبية ليحقق أحلامه في المتوسط
في نهاية أغسطس 2011 كنت في زيارة إلى الصومال مع وفد مصري رسمي، برئاسة السفيرة منى عمر مساعدة وزير الخارجية للشئون الأفريقية حينها، لتسليم معونات مصرية للحكومة الصومالية، وقبلها بأسبوع تقريباً كان رجب طيب أردوغان، قد زار العاصمة مقديشيو، مع زوجته ووفد من رجال الأعمال الأتراك، وكان لافتاً في شوارع مقديشيو، أن الأتراك أرادوا بهذه الزيارة أن يتركوا بصمة تشير إلى التواجد التركى في البلد المضطرب، فالأعلام التركية كانت منتشرة في الشوارع، في حين لم الحظ أي تواجد لعلم الصومال نفسها، وحينما سألت أحد المسئولين الصوماليين عن مغزى ذلك كان رده بليغاً ومعبراً عن السياسة التركية.
المسئول الصومالى قال «تركيا تجيد اللعب في الأرض المحروقة خاصة في المناطق الاستراتيجية، وهم يعتبرون الصومال أرض محروقة، ويريدون أن يضعوا أيديهم عليها، ليكون لهم الغلبة في منطقة القرن الأفريقي»، وأكمل شرحه بقوله أن الأتراك لهم علاقات قوية مع الميليشيات المسلحة في الصومال، ولا نستبعد أن يكون لهم تواصل بل نفوذ على حركة الشباب، لكن نحن دولة فقيرة ولا نملك القدرات التي تمكنا لنقول له لا.
مهّدت هذه الزيارة وما أعقبها من مشاريع إنسانية وتنموية نفذتها الهيئات التركية، لوجود تركي قوي في الصومال، تطور إلى تواجد عسكري تمثل في افتتاح أكبر قاعدة تركية في الخارج، وهى قاعد «توركسوم»، أو «Turksom»، التي تعد أكبر وجود عسكري تركي خارج تركيا، ويدَّعي الأتراك أن الهدف من إنشاءها هو تدريب الصوماليين، لكن ما يكشف كذب هذه الإدعاءات طبيعة ما يتم تدريسه في هذه القاعدة للصوماليين، فاللغة التركية هي المستخدمة داخلها، كما أن الدارسين الصوماليين يتعلمون التاريخ والثقافة التركية، هو ما أكد للصوماليين أن القاعدة هدفها خلق جيل تابع لتركيا، وليس بناء جيش صومالى، ويؤكد أيضاً الحقيقة التي يحاول البعض الهروب منها، وهى أن هذه القاعدة تعد اليد التي تتحكم من خلالها تركيا بسواحل الصومال، والمحيط الهندى.
وقد قرات منذ شهور تصريحات لناشطة وطبيبة صومالية تدعى الدكتورة هبة شوكري، قالتها لوكالة أنباء تركيا، تؤكد ما ذهب اليه المسئول الصومالى حينما تحدث معى في 2011، فالناشطة الصومالية قالت أن «تركيا دخلت الصومال عام 2011 بكل ثقلها مع زيارة الطيب أردوغان في مرحلة جفاف الصومال، كأول مسؤول عالمي رفيع يدخل العاصمة مقديشو، هذه الزيارة تمخض عنها دخول مئات الأتراك بشتى المجالات لإغاثة الشعب الصومالي، وهنا لا أتحدث عن الرز والطحين، بل عن الدخول في صلب المشاكل المجتمعية، ومنها نقص الأمن الذي سببه نقص القوى الوطنية أعداداً وعتاداً».
أقول ان هذا الحديث كاشف للنوايا التركية، لأن الجهة الإعلامية الناقلة للتصريحات هي وكالة تركية رسمية، أي انها تعى جيداً ما تنقله عن مصادر، والأمر الأخر أن الناشطة تحدثت عن تغلغل تركى في المجتمع الصومالى، بشكل يتخطى الرغبة في المساعدة، وهنا أعود مرة أخرى لمسألة القاعدة العسكرية التركية في مقديشيو، فبناء القاعدة المعمارى لم يتم وفق الهندسة المتبعة في الصومال أو القرن الافريقى، وإنما جرى تصميمها لتكون شبيه للقصور التركية، وهو ما يؤكد أن تركيا ترغب من البداية أن تفرض سيطرتها على الصومال شكلاً ومضموناً.
وسياسة الأرض المحروقة هي استراتيجية عسكرية أو طريقة عمليات يتم فيها «إحراق» أي شيء قد يستفيد منه العدو عند التقدم أو التراجع في منطقة ما، وفي الأصل كان المصطلح يشير إلى إحراق المحاصيل الفلاحية لعدم استعمالها من طرف العدو كمؤونة أما الآن فهو يشير إلى إحراق المنتجات الغذائية وتدمير الهياكل الأساسية مثل المأوى والنقل والاتصالات والموارد الصناعية، وقد يتبع الجيش هذه السياسة في أرض العدو أو في أرضه، وفى حالة الصومال رأينا كيف لعبت بعض الأطراف على فكرة الأرض المحروقة، من خلال تدمير كل البنى التحتية للدولة، لتسهيل عمل الميليشيات، خاصة بعد تدمير قوى الجيش.
وإذا ما طبقنا سياسة الأرض المحروقة التي اعتمدها أردوغان في 2011 على الصومال لتكون نقطة انطلاق له على منطقة القرن الأفريقي، وخليج عدن والمحيط الهندى، على ما يحدث في ليبيا حالياً سنصل إلى إجابة لسؤال اللحظة.. ماذا يريد أردوغان من ليبيا؟.
أردوغان منذ 2011 وهو ينظر إل ليبيا على أنها نقطة قوة لتوسعاته الإقليمية، لسببين، الأول أنه كان يدرك منذ البداية أن رهانه على مصر سيسقط، لأن سقوط النظام في مصر لا يعنى سقوط الدولة، حتى وإن كان «الإخوان» سهلوا له احتياجاته في مصر، لكنه كان يدرك أن وجوده في مصر إلى زوال، والثانى أن ليبيا تتمتع بمساحة كبيرة، وتواجد مهم على البحر المتوسط، والأهم من ذلك من وجهة نظر أردوغان، أنها دولة كانت تعانى لسنوات من الاهتراء الداخلى، نتيجة لسياسات قديمة، أدت إلى أزمات كان نتيجتها أن رأينا مشاهد العنف والاقتتال بين الليبيين بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافى، وبالتالي فمن السهل التعامل معها بمنطق الأرض المحروقة، من خلال استخدام «إخوان ليبيا» في تنفيذ ما يريده.
ساعد أردوغان ترهل النظام العربى بعد 2011، وظهور النظام القطرى وكأنه المتحكم في مصائر المنطقة، بما يملكونه من نفوذ لدى بعض القوى خاصة الإسلامية، التي كانت ولا تزال تتولى الدوحة الأنفاق عليهم، بالإضافة إلى غياب أو تغييب الدول العربية الكبرى، خاصة مصر، لذلك بدأ أردوغان في تنفيذ خطة الأرض المحروقة في ليبيا كما فعل في الصومال، فاستعان بميليشيات الإخوان في حرق الأرض، لجعل ليبيا كلها تدين بالولاء والطاعة للسلطان التركى الجديد، ولنا أن نلاحظ أن ليبيا بعد انتفاضة الليبيين ضد القذافى، أصبحت مآوى للإرهابيين ولمن يطلقون على أنفسهم المجاهدين تحت رايات مختلفة، حيث اقتسمت هذه الميليشات سيطرتها في ليبيا وسوريا أيضاً، وكان التمويل يأتيهم مباشرة من الدوحة، أما السلاح فمن خلال تركيا، التي زرعت عدد من معاونيها في المدن الليبية لتكوين ميليشيات مختلفة، حتى يكون لها السيطرة على كامل ليبيا، والقضاء على ما تبقى من نظام القذافى، أو حتى الرافضين لأسلمة ليبيا تحت الراية التركية الجديدة.
لم يكن يتوقع أردوغان أن الليبيين سينتفضون ضد جواسيسه ومرتزقته، ولم يدور بخلده أنه سيأتى اليوم ليكون لليبيا جيش وطنى يدين له غالبية الليبيين بالولاء، في مواجهة الميليشيات التي بدأت تفرض سيطرتها على الغرب وتحاول أن تمد السيطرة للشرق، حيث البترول الذى يشتاق إليه أردوغان، فكان ظهور المشير خليفة حفتر، ومن خلفه الجيش الوطنى الليبى ضربة قاسمة في مخطط أردوغان، الذى لم يفكر حينها الا في شيء واحد فقط، وهو تدمير ليبيا بالكامل إذا لم يتمكن من السيطرة عليها، ومن هنا زاد دعمه للميليشيات الإخوانية في الغرب ممن أتخذوا العاصمة طرابلس مسرحاً لعملياتهم، بل أنه فتح خط طيران مباشر لنقل المرتزقة السوريين والأتراك إلى ليبيا لمساعدة الميليشيات الإرهابية في مواجهة جيش ليبيا الوطنى.
ولأنه هو من صنع الميليشيات في ليبيا، ويعرف كل تفاصيلها، فقد أختار فائز السراج، عميل جديد له في ليبيا، وهو العميل الذى ظل متخفياً في رداء «المجلس الرئاسي الليبيى» حتى نفضه أمام الجميع ليعلن ولائه الكامل لأردوغان ولتركيا، ليبيع ليبيا بأبخس الاثمان لشخص يصفه الليبيين بالمعتوه.
من خلال السراج عقد أردوغان اتفاق منتهى الصلاحية وفاقد للشرعية، حاول من خلاله أن يكون لوجوده العسكرى في ليبيا مبرر، وأن تكون الشواطئ الليبية على البحر المتوسط هي امتداد لتركيا، لكى يعبث في أمن شرق المتوسط كما شاء، وليواصل سرقاته من بترول المتوسط، فقد فعلها مع قبرص واليونان، واليوم وجد السراج ليقول له «ليبيا وبترولها ملك لك».
لا يهم أردوغان أن تبقى ليبيا أو تنهار، فهو لا يفكر في أرواح الاف الضحايا، لأن كل تفكيره أن يفرض سيطرته على منطقة شرق المتوسط، حتى وأن كان ذلك من خلال المرور على جثث ملايين الليبيين ومعهم السوريين أيضاً، ممن جلبهم للعمل كمرتزقة على الاراضى الليبية.
اليوم بات المشهد أكثر وضوحاً، فأردوغان يتعامل مع ليبيا على انها أرض محروقة، لكن في المقابل فإن الليبيين كل يوم يثبتون للعالم أنهم لن يخضعوا لهذا الديكتاتور الواهم، فحتى إن استطاع شراء ذمم بعض العملاء من أمثال السراج وغيره، فإن الليبيين أقوى من كل هؤلاء الخونة والعملاء، فقد مرت على الاراضى الليبية الكثيرين من أمثال السراج، لكن نهايتهم كانت معروفة، سيأتى اليوم الذى نرى فيه أعناقهم معلقة على مشانق العدالة الليبية.. فليبيا عمر المختار تأبى أن تكون لقمة سائغة في فم «معتوه» أو عميل للمعتوه.
واليوم ونحن نشاهد سقوط مرتزقة أردوغان في أيدى الجيش الوطنى الليبيى، وأيضاً الطائرات والسفن المحملة بالأسلحة التي كانت متوجهة إلى الإرهابيين، فأننا على يقين بأن نهاية التواجد التركى الاحتلالى في ليبيا إلى زوال، خاصة بعدما انكشفت كل أوراق أردوغان، فالمؤكد أن الضربة القوية التي تلقاها من مصر، أفقدته صوابه، وجعلته يتصرف بعقلية المضطرب الذى لا يدرك خطورة ما يقوم به، فالاتفاقات التي وقعها مع السراج، أظهرت حقيقته أمام دول المنطقة، وفقد كل مبرراته السابقة التي من خلالها حصل على صمت دولاً بعينها على ما يقوم به في ليبيا، لكن ولأنه «فقد توازنه» فكشف أوراقه كلها، ووضح لفرنسا وأيطاليا على سبيل المثال أن أردوغان ليس في نيته فقط ابتلاع ليبيا، وإنما السيطرة الكاملة على البحر المتوسط، وإدخال هذه المنطقة كورقة تفاوضية جديدة مع الاتحاد الاوربى، بعدما فشلت ورقة «اللاجئين السوريين» التي حصل بموجبها على أكثر من 4 مليار يورو معونات أوربية.
كما أن تركيزه على ترسيم الحدود البحرية مع شخص فاقد للشرعية، أعاد للأذهان مرة أخرى رغبته في ابتلاع بترول شرق المتوسط، ومحاصرة قبرص واليونان.
كل هذه أخطاء وقع فيها أردوغان، وأظهرت حقيقة نواياه، وكان لافتاً أننا في مصر كنا أول من كشف هذه النوايا، ومعها أيضاً ما يقوم به بمساعدة مالية من قطر، لتكوين حلف الشيطان في الشرق الأوسط، لكن للأسف لم يستمع لنا أحد حينها، وتركوا أردوغان يواصل فساده في ليبيا كما فعل في سوريا، ولم ينتبه أحد للتحذيرات المصرية الا مؤخراً، حينما مست تحركات أردوغان مصالح الدول الكبرى.
تحركت الدول الكبرى حينما تأكد لهم صدق التحذيرات المصرية، وقد شهدت الأيام الماضية تحركات دولية في كافة المستويات للحيلولة دون أن تخرج الأمور في ليبيا عن السيطرة، ولمواجهة الغطرسة التركية الكاذبة، لكن الحل الوحيد الذى يمكن أن يحقق هذا الهدف، هو أن يترك الحل لليبيين أنفسهم، وأن تخرج تركيا بمرتزقتها من الأراضى الليبية، لأن استمرارهم يعنى أن لاشئ سيحدث، بل سيستمر القتال إلى أن يحرر الليبيين أراضيهم من الاحتلال التركى الإرهابى.
وقد واصلت مصر حراكها الدبلوماسي لحماية ليبيا، ووضعت مصر الحل في مجموعة نقاط محددة، تم إبلاغها لكل المعنيين بالأمر، وهى استعادة أركان ومؤسسات الدولة الوطنية الليبية، وإنهاء فوضى انتشار الجماعات الإجرامية والميليشيات الإرهابية، ومنح الأولوية القصوى لمكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار والأمن، ووضع حد لحجم التدخلات الخارجية غير المشروعة في الشأن الليبي التي من شأنها استمرار تفاقم الوضع الحالي الذي يشكل تهديداً لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط بأسرها، لتبدأ بعدها مرحلة العمل على إنهاء الأزمة الليبية عبر التوصل لحل سياسي يمهد الطريق لعودة الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق، لا سيما من خلال دعم المساعي الأممية ذات الصلة وتنفيذ مخرجات عملية برلين.