عن فتاة التيك توك: سرعة محمودة وبيان عاقل
الأحد، 07 يونيو 2020 12:00 م
بيان النيابة العامة أحاط بزوايا القضية وعبر عن إحاطته بأجمل لفظ وأدق معنى
كرة النارالمعروفة إعلاميًا بقضية فتاة تطبيق تيك توك، ظلت تتدحرج حتى وصلت إلى الأمن، الذي مشكورًا تحرك بسرعة يحمد عليها وألقى القبض على كل المتورطين في هذه القضية التي شغلت الرأي العام، بل ولا تزال تشغله.
تحرك الأمن السريع وضع الأمور في نصابها، فقد هاج كثيرون وماجوا مطالبين بعقاب فوري على فلان وفلان من الذين ورد ذكرهم في القضية، وأنا لا أعرف كيف يكون هناك عقاب بدون تحقيقات وإجراءات قانونية تحفظ للناس حقوقهم.
من الأمن ذهبت القضية إلى مكانها الطبيعي وهو النيابة العامة المصرية التي تجاهلت كل الصيحات وحققت في هدوء وأصدرت بيانًا لعله من خير البيانات التي صدرت في القضايا المماثلة.
لقد أحاط بيان النيابة العامة بزوايا القضية، وعبر عن إحاطته بأجمل لفظ وأدق معنى، حتى أنه تطرق إلى ما قبل القضية، وهذه النقطة في غاية الأهمية، وكثيرون يغفلونها عن عمد أو سوء قراءة للقضايا.
فمربط الفرس في هذه القضية هى الحياة التي عاشتها بطلة القضية قبل أن تتورط مع رفقة سوء في مأزق أوصلها إلى القضاء.
يمكننا اختصار بيان النيابة العامة في النقاط الآتية:
1ـ بطلة القضية على حداثة عمرها وعدم بلوغ رشدها قد دفعتها ظروف اجتماعية قاسية تعرضت لها -من فقد المأوى والأهل، والسعى لتوفير سبل المعيشة- إلى الوقوع فى فخاخ ارتكاب تلك الجرائم، وإلى حياة بالغة الخطورة جمعتها بباقى المتهمين الذين جنوا عليها.
1ـ هناك وقائع أليمة كشفت عنها التحقيقات رأت النيابة تقديم سترها على الكشف عنها.
2ـ تم انتداب الطب الشرعي للكشف على منة عبد العزيز لبيان كيفية حدوث إصاباتها ومدى وقوع تعدٍ جنسي عليها.
3ـ المتهمون جنوا عليها، فمنهم من واقعها كرهًا عنها -وهى لم تبلغ سِنُّها ثمانى عشرة سنة- ومنهم من هتك عرضها بالقوة والتهديد، وسرقها بالإكراه، وضربها وأحدث إصاباتها.
4ـ لم تكن منة لتُعلن عبر مواقع التواصل الاجتماعى عن صُلحها مع أحد الجانين عليها والسكوت عن الآخرين على استياء منها، إلا تحت تأثير ضغط مارسه ذوى هذا الجانى عليها وإغرائها بهدايا على حداثة عمرها لاسترضائها ودفعها للإعلان عن هذا الصلح على خلاف رغبتها.
5ـ المتهمة المذكورة ارتكبت جرائم ، أقرت ببعضها.
6 ـ ناقوس مخاطر محدقة بشباب هذه الأمة قد دقَّ لإنذار المجتمع كله، تلك المخاطر التى تسللت إليهم عبر منافذ إلكترونية وحدود سيبرانية لا تحظى بأىنوع من الرقابة تحت شعارات مزيفة نادت -كذبًا وزورًا- بحرية التعبير والإبداع، فخلقت فتنة صورت الباطل حقًّا فىأعينهم، وطمَّعتهم فى شهرة زائفة ونجاح لا فلاح فيه، ودفعتهم -أطفالًا وشبابًا- إلى الانخراط فى حياة غارقة فى الإباحية الجنسية، وتعاطى المخدرات والإدمان عليها، والسعى غير المشروع لكسب المال، بل وسرقته واختلاسه.
وبعدُ فإن الأمر جد لا هزل فيه، وحق لا باطل فيه، ومحزن لا فرح فيه، إن كل المزاعم الكاذبة تتهاوى أمام صراحة وصرامة بيان كهذا، المسئولية هى أولًا وأخيرًا مسئولية المجتمع، ذلك المجتمع الذي تعد الأسرة نواته الصلبة ورمانة ميزانه، فلا معنى في ظل كل تلك الفتن لأن يترك الأب والأم حبل أولادهم على غاربهم، لم يقل أحد بحصار الأولاد وخنق حرياتهم، ولكن الظروف الحالية تدعو إلى الرقابة الرشيدة، فلا مفر من أن يعرف الأب والأم مجمل سلوكيات أولادهم، لأن غياب تلك الرقابة الرشيدة قد عرفنا نتيجته، وإن كانوا يقولون إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة فإن الحرية المطلقة لا وجود لها في الحياة الدنيا، وهى مفسدة مطلقة لأنها لا تكون الحرية النبيلة الجليلة التي تبنى الحضارة ولكنها تكون الفوضى وقد تقنعت بقناع الحرية.