3 سنوات من الترهيب وكتم الأصوات في قطر.. وإعلام بعين واحدة
السبت، 06 يونيو 2020 05:00 م
3 سنوات من المقاطعة العربية رهنت قطر ما تسميها سيادتها إلى حكام تركيا المتطلعين إلى إعادة أمجاد أوهام العثمانية حيث الفكر الاستعماري والنظرة الاستعلائية تجاه شعوب المنطقة العربية، تبعها حالة مستشرية من القمع الداخلي للقطريين تجاه الأصوات المعارضة أو المخالفة لتوجهات السلطة.
استغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عناد أمير قطر تميم بن حمد، وجعل منه دمية تنفذ الأجندات التركية العدوانية في المنطقة العربية، وتقديم فروض الطاعة والولاء.
وأعلن الرباعي العربي "مصر والسعودية والإمارات والبحرين" مقاطعة قطر في 5 يونيو من العام 2017 حتى تنفيذ 13 مطلبًا لمنع انتشار الإرهاب ودعمه.
وطالبت الدول المقاطعة من الدوحة تخفيض علاقاتها مع إيران وإغلاق قناة الجزيرة وقطع الدوحة علاقاتها مع التنظيمات الإرهابية على غرار الإخوان وداعش وحزب الله والقاعدة وغيرها من التنظيمات المتشددة.
ومن بين المطالب إيقاف الدوحة كافة أشكال الدعم للتنظيمات المتطرفة المعلنة في الدول الأربعة والمدرجة على لائحة الإرهاب وتسليم العناصر المطلوبة في تلك الدول اضافة على عدم التدخل شؤونها الداخلية.
أقرأ أيضا:
وطالبت الدول الأربعة من قطر تعويضها عن الضحايا والخسائر الناتجة عن تدخلاتها والتزامها بالانسجام مع محيطها العربي سياسيًا وعسكريًا بتفعيل اتفاق الرياض لسنة 2013 والاتفاق التكميلي لسنة 2014، كما دعيت قطر كذلك إلى تقديم كافة قواعد البيانات المتعلقة بدعم المعارضين وإغلاق كافة القنوات المعادية.
مطلب القاعدة
وجاءت من أهم المطالب إغلاق الدوحة للقاعدة العسكرية التركية ووقف التعاون العسكري مع أنقرة داخل الأراضي القطرية، لكن قطر رفضت مجمل هذه المطالب بحجة السيادة، ووضعتها في سياق التدخل في شؤونها الداخلية في وقت ترهن فيه بلادها وقرارها لصالح الأتراك.
ومع مكابرة تميم بن حمد، وتزايد الضغوط الداخلية في قطر على النظام، وسعت أنقرة قاعدتها العسكرية وأرسلت آلاف الجنود بمباركة قطرية ووقعت اتفاقيات أمنية وعسكرية مع الدوحة لمواجهة ما أسمته «أية محاولة لتغيير الوضع الداخلي».
النفوذ التركي الأمني في قطر لم يبلغ فقط إلى حدود التكفل بكل أقسام الأمن في البلاد بل وصل الأمر إلى اعتداء ضباط أتراك على مواطنين قطريين.
وتصاعد النفوذ التركي بتوقيع اتفاقية أمنية شاملة تستهدف حماية وتنظيم مسابقة كأس العالم 2022 حيث وقع الاتفاقية نائب وزير الداخلية التركي محترم أنجي ورئيس اللجنة الأمنية القطرية الخاصة بتنظيم المونديال العميد إبراهيم خليل المهندي في انقرة أواخر أكتوبر الماضي.
ونشر موقع "نوردك مونيتور" الإخباري وثائق تتحدث عن فحوى الاتفاقية التي وقعت في أنقرة، وتتضمن نشر وحدات من الشرطة التركية لحماية وتنظيم مونديال الدم في قطر.
وطبقا للوثائق، فإن الاتفاقية صالحة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد وتشمل أيضا توفير الحماية للفعاليات الأخرى الكبيرة التي تنظمها قطر بعد المونديال.
ومع وجود القاعدة التركية التي تضم آلاف الجنود يمكن للدوحة -بحسب نفس الاتفاقية - طلب المساعدة من أنقرة في أي تهديد عسكري أو أمني قد تتعرض له.
وخلقت هذه الاتفاقية تململا داخل الأسرة الحاكمة في قطر ومن المقربين منها خاصة الأطراف التي تريد تغليب المصالحة مع الدول المقاطعة على الانخراط في المشروع التركي.
اقرأ أيضا:
وذكر موقع قطريليكس للتسريبات في يناير الماضي أن تركيا أجبرت قطر على وقف المفاوضات مع السعودية وحذرتها من الاستمرار في التقارب مع الرياض دون ترتيبات مسبقة مع أنقرة عقب زيارة أجراها وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن، في أكتوبر إلى السعودية للتفاوض على اتفاق ينهي الأزمة.
مطية أردوغان
كما سلطت وثائق مسربة الضوء على مدى قوة التأثير التركي في إزاحة رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ عبدالله بن ناصر، عن منصبه وهو من مؤيدي المصالحة مع الخليج ومن غير الراضين عن تزايد التغلغل التركي في شؤون قطر من موقعه سابقا كوزير للداخلية أيضًا.
ومع استفحال التغلغل التركي وتقسيم الأراضي القطرية إلى معسكرات وقواعد عسكرية أجنبية سواء تركية أو أمريكية تفاقمت حالة الامتعاض والرفض الداخلي لهذه الهيمنة.
غليان داخلي
كما ظهر توجس أمير قطر من هذا التململ عبر مضاعفة التعاون الأمني مع تركيا وعقد اتفاقيات عسكرية لشراء أسلحة على غرار اتفاقية شراء 100 دبابة ألتاي التركية في 2019 وهو ما يشير إلى عدم ثقة القيادة في الشعب خاصة وأن الدوحة عرفت طيلة تاريخها انقلابات متعددة بداية بانقلاب 1972 وانقلاب أمير قطر السابق حمد بن خليفة على والده سنة 1995ثم تغيير ولي عهده من الشيخ جاسم بن حمد إلى الشيخ تميم بن حمد عام 2003.
ولعل ما عرف بحادثة الوكرة في رمضان الماضي خير دليل على حالة التوتر وعدم الاستقرار في الإمارة حيث أفادت وسائل إعلام مختلفة عن عملية انقلابية قادها الشيخ حمد بن جاسم وأحبطت من قبل الجنود الأتراك.
ورغم أن الإعلام الرسمي القطري لم يعلق على الأخبار المنتشرة ونفي قنوات خاصة مرتبطة به للحادثة لكن ذلك يشير إلى حالة الغليان الداخلي.
انتقادات متصاعدة
ويتعرض القطريون لحالة من القمع والتضييق في ظل استخدام سلطة حديدية للتعتيم في الإعلام، حيث لا يستطيع المواطن التعبير بكل حرية عن الأوضاع في بلاده.
ورغم جهود الدوحة في التغطية على تجاوزاتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات العامة سواء من خلال استعمال أذرعها وقنواتها الإعلامية خاصة قناة "الجزيرة" لإلهاء الرأي العام والمتابعين عما يجري داخل قطر عبر التركيز على ملفات أخرى في المنطقة العربية لكن كل تلك الجهود لم تمنع الانتقادات الدولية المتصاعدة.
ولم تنجح الأموال التي خصصتها قطر على الإنفاق على حملات الدعاية والعلاقات العامة في تحسين صورتها وتقديم نفسها كدولة متحضرة تحترم حقوق الإنسان مع تواتر كشف الملفات.
ووعلى سبيل المثال، تعرضت فئات من المجتمع القطري وشخصيات معروفة لانتهاكات على خلفية رفضها لسياسات الدوحة، لكن قناة الجزيرة التي تنظر على ما يبدو بعين واحدة تخصصت في الدفاع عن التنظيمات الإرهابية فقط، وبث الفرقة في المجتمعات العربية لم تتطرق إلى تلك التجاوزات وأغفلتها خدمة لاستقرار النظام ومنع كل محاولة للاعتراض على سياساته.
ولم يشاهد المتابعون لقناة الجزيرة أو القنوات التي تبث سمومها تقارير عن تردي الأوضاع الاقتصادية للمواطن القطري البسيط بفعل سياسات الدوحة واصطفافاتها.
وكانت تعرضت قبيلة الغفران لتجاوزات من السلطات القطرية بعد أن حُرم أبناؤها من مختلف حقوق المواطنة ومورست ضدّهم مختلف أنواع التضييقات بسبب وقوف القبيلة ضدّ انقلاب أمير قطر السابق على والده منتصف التسعينات.
وتستعمل السلطات القطرية سحب الجنسية كعقوبة منذ 2005 حيث طال العقاب 6000 شخص ما خلف مأساة إنسانية حقيقية لمئات الأسر.
سجل انتهاكات حافل
وفي مايو ناقش المجلس الدولي لحقوق الإنسان بمقر الأمم المتحدة في جنيف سجل قطر الحافل بانتهاك حقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بالضغوطات التي تمارسها السلطة التنفيذية على عمل السلطة القضائية ما دفع بـ 33 قاضيا لتقديم استقالاتهم احتجاجا على التدخل السافر في القضاء حينما يكون أحد أطراف القضية أشخاص نافذون، فيما ترفض الدوحة من جانبها توصيات الأمم المتحدة في اعتماد معايير أكثر شفافية ونزاهة في تعيين القضاة.
ولا تقف الانتهاكات القطرية عند حدود القضاء فالقوانين القطرية تنتهك في الأساس مبادئ حقوق الانسان حيث يمكن قانون صادر في 2002 وزير الداخلية بالقبض على الأشخاص لمدة تصل إلى سنة مع تمديدها بموافقة رئيس الوزراء ولا يمكن للشخص المعتقل أن يطعن فى قرار الاعتقال إلا أمام رئيس الوزراء.
ويسمح قانون صادر سنة 2004 لعضو النيابة القبض على الأشخاص لمدة 6 أشهر قبل المحاكمة، كما يسمح قانون آخر صادر في 2003 سجن أشخاص المتهمين في جرائم تمس أمن الدولة لمدة شهر قبل تقديمه إلى النيابة العامة.
كما تتعرض الطفولة في قطر لانتهاكات جسيمة حيث يحدد القانون القطري سن المسؤولية الجنائية للطفل بسبعة سنوات وهو معدل منخفض كثيرا ما أثار انتقادات من لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة اضافة الى تقارير عن الاتجار بالبشر والاستعباد الجنسي للعاملات المهاجرات.
ورغم المزاعم القطرية في الدفاع عن الديمقراطية والحريات وتخصيص قنوات إعلامية لانتقاد دول أخرى بحجة غياب التعددية السياسية يظهر جليا ان الواقع السياسي القطري بعيد كل البعد عن المسار الديمقراطي.
وتم تأجيل انتخابات أعضاء مجلس الشورى في قطر عدة مرات بقرار من أمير قطر.
ويقوم أمير قطر منذ 2006 بتعيين جميع أعضاء مجلس الشورى الـ 45 في تناقض تام مع الدستور القطري الذي يسمح بانتخاب ثلثيه بالاقتراع العام فيما يقوم الأمير بتعيين الثلث الأخر.
وتغيب في قطر كل حياة سياسية متوازنة قائمة على أحزاب وتنظيمات سياسية في دولة خصصت منابرها للمطالبة بالتعددية.
وكشف تقرير الخارجية الأمريكية الصادر في مارس والذي يتحدث عن واقع حقوق الإنسان عام 2018 عن قيود تمارسها قطر على حرية التجمع السلمي ومنع إنشاء الأحزاب السياسية والاتحادات العمالية.
الموت للعمال
مزيدا من الانتهاكات يواجه العمال الأجانب خاصة عمال منشآت كأس العالم أثناء العمل، يضاف اليها التمييز العرقي وسط انتقادات من منظمات حقوقية.
ويبذل العمال - أغلبهم من دول وسط وشرق آسيا- جهودا كبيرة ويدفعون أموالا كبيرة للحصول على عمل في قطر تحسن من أوضاعهم الاجتماعية وتبعدهم من حالة الفقر التي يعيشونها في بلادهم لكنهم يصدمون بوضع قاتم في قطر.
وقالت الأمم المتحدة إن العمال الأجانب في قطر يواجهون التمييز بسبب جنسيتهم وأصلهم القومي ويعانون من "انتشار التنميط" العرقي.
وشهدت الدولة الخليجية تدفقا للعمال الأجانب خصوصا من الدول النامية الفقيرة، استعدادا لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 ما يعني أن 90% من سكان قطر هم من غير القطريين.
واتخذت الدوحة حزمة إجراءات لتحسين ظروف العمل بدفع من ضغوط دولية، إلا أن جهات رقابية رأت أنها لم ترق بعد إلى مستوى المعايير الدولية وأن على قطر بذل المزيد من الجهود لضمان سلامة العمال الأجانب فيها وحرية الحركة والانتقال من موقع عمل إلى آخر دون التعرض للمضايقات من قبل أرباب العمل.
ومن جانبها تنكر قطر إنكارا تاما صحة ما ورد في تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش كان قد أشار إلى أن الوفيات في صفوف العمال الأجانب ناجمة أساسا عن الإجهاد الحراري.
ووأخيرا كشفت أزمة تفشي فيروس كورونا عن الأوضاع الكارثية للعمال حيث أفاد تقرير نشرته مجلة السياسة الخارجية الأمريكية "فورين بوليسي"في أبريل أن العمال قد يتعرضون للترحيل حال الابلاغ عن إصابتهم بكوفيد 19.
ومع انتشار الوباء في الدولة الخليجية وتصاعد الإصابات يجد العمال أنفسهم في معضلة جديدة وهو الخوف من الإصابة بالفيروس وعدم تمكنهم من الحصول على الرعاية الصحية المناسبة وإهمالهم من قبل سلطات الدوحة.