صرخة النيابة العامة!
الإثنين، 01 يونيو 2020 02:22 م
"التحقيقات في تلك الواقعة وغيرها من الوقائع التي باشرتها النيابة العامة خلال الفترة الأخيرة، قد تبين منها أن ناقوس مخاطر مُحدقة بشباب هذه الأمة قد دقَّ لإنذار المجتمع كله، تلك المخاطر التي تسللت إليهم عبر منافذ إلكترونية وحدود سيبرانية لا تحظى بأيِّ نوع من الرقابة تحت شعارات مُزيفة نادت -كذبًا وزورًا- بحرية التعبير والإبداع، فخلقت فتنة صوَّرتْ الباطل حقًّا في أعينهم، وطمَّعتهم في شهرة زائفة ونجاح لا فلاح فيه، ودفعتهم -أطفالًا وشبابًا- إلى الانخراط في حياة غارقة في الإباحية الجنسية، وتعاطي المخدرات والإدمان عليها، والسعي غير المشروع لكسب المال، بل وسرقته واختلاسه".. نصًّا من بيان النيابة العامة بشأن قضية فتاة التيك توك "منة عبد العزيز"، التى أتت فى أعقاب قضيتين متشابهتين، إحداهما تخصَّ "مودة الأدهم"، والثانية تتعلق بـ "حنين حسام"، والقضايا الثلاثة كاشفة ودالة على المستوى الأخلاقى الذى يتردى فيه الشباب والفتيات. وإن كانت "مودة" و "منة" ضحيتين لمشاكل أسرية واجتماعية، فإن "حنين" تعيش فى كنف أسرة لم تجد حرجًا فيما تفعله ابنتها، بل إن أباها كان أول المدافعين عنها!
اللافتُ هنا.. أن صرخة النيابة العامة التى تضمنها البيان الخاص بـ"منة عبد العزيز"، وما سبقه من بيانات أخرى لوقائع مشابهة، تعكس الواقع الاجتماعى والأخلاقى البائس الذى خلقه واقع تربوى وتعليمى وفنى وإعلامى ودينى أشد بؤسًا.
إن هذه النماذج التى دفعت النيابة العامة لإطلاق صرخات متتالية تناشد من خلالها ضمير المجتمع وتدعوه إلى الاستيقاظ من سباته العقيم ليست جديدة ولا طارئة، ولكنها إفرازات طبيعية لما يمكن وصفه بـ "مافيا" ضاغطة لنقل النماذج الغربية السلبية إلى المجتمع المصرى وتمكينها وتحصينها وتوفير جميع وسائل الرعاية والحماية لها، وتصديرها فى وسائل الإعلام وفى الأعمال الفنية باعتبارها النموذج المثالى والقدوة الحسنة!
السنوات القليلة الماضية شهدت ظهور فئة من الكتاب والمثقفين والإعلاميين لا همَّ لهم سوى كسر جميع الثوابت الأخلاقية والدينية فى المجتمع المصرية، والتمكين لحزمة من الانحرافات والتجاوزات، وصلت إلى الدفاع عن العلاقات الجنسية غير الشرعية، والتعامل معها بمنطق "الأوبن مايند"، وتحطيم كل المحرمات بلا هوادة!
لو لم تكن هذه الصرخة المدوية صادرة عن النيابة العامة، وأطلقتها جهة دينية أو اجتماعية أو تربوية مثلًا، لتمَّ اتهام القائمين عليها بالرجعية والدونية والتخلف والحنين إلى الماضى والمطالبة بإقصائهم فورًا عن مناصبهم؛ لما يشكلونه من خطر جسيم على المجتمع الباحث عن الحرية!
خرست ألسنة حاملى ألوية التنوير ومن يدور دورانهم، هذه المرة، وألقوا أقلامهم، وطووا أوراقهم؛ خوفًا من بطش النيابة العامة التى لا يمكن أن تتهاون فى حقها، إذا ما طالها من هواة إطلاق السخائف والسخائم والشتائم، قليلٌ من رزاز.
إن ما نطق به بيان النيابة العامة، يتماهى مع ما نطالب به، ويطالب به غيرنا، من ضرورة حماية الجيل الجديد من السلوكيات الانحلالية الوافدة، واجتثاثها من جذورها؛ لما تحمله من تهديد مباشر وصريح للأمن القومى المصرى!
لولا بيان النيابة العامة لخرج غربانُ وبومُ التنوير، على قلب رجل واحد، للدفاع عن "منة" و"مودة" و"حنين"، والمطالبة بالإفراج عنهن وتصويرهن باعتبارهن رموزًا شامخة للحرية، يجب الاقتداء بهن!
إن "المخاطر المُحدقة" التى يتحدث عنها بيان النيابة العامة لن تزول ولن تجف ينابيعها، بين عشية وضُحاها، طالما بقيت الروافد التى تمدها وتقويها، والتى تتمثل فى كتابات شيطانية مدفوعة ومدعومة، لا تغيب عن الصحف والمنصات الإلكترونية، وبرامج تليفزيونية وإذاعية تحتفى بكل ما هو شاذ وغريب، وأفلام ومسلسلات تروج كل ما هو قبيح، ومدارس تخلت عن دورها التربوي، ودور عبادة تنازلت عن دورها الإرشادى والتوعوى. صرخة النيابة العامة يجب أن تصل إلى كل من يهمه أمر هذا المجتمع، ويخشى على أبنائه من التردى إلى مصائر "حنين" و"مودة" و "منة"، وما خفى كان أعظم..