ليست الأولى.. الطاعون كان سبباً في إلغاء صلاة العيد خلال عصر المماليك والأيوبيين
الأحد، 24 مايو 2020 06:00 ص
مؤرخون : الناس من أنفسهم كانوا يبتعدون عن المساجد ويلجئون للجبال والصحراء حتى ينتهي الوباء
هل تم إلغاء صلاة العيد قبل ذلك؟.. هذا هو السؤال المثار الأن بعد إلغاء صلاة عيد الفطر المبارك هذا العام بقرار حكومي صادر من وزارة الأوقاف تحسبا لتفشي فيروس كورونا، وهي الواقعة التي يعتقد البعض أنها الأولي في التاريخ الإسلامي، خاصة وأن كتب التاريخ لم تذكر صراحة هذه الواقعة، إلا أن المؤرخين سجلوا عددا من وقائع الطاعون والأوبئة التي ضربت البلاد وأدت لتوقف الحياة والشعائر تماما.
أول المؤرخين الذين رصدوا إلغاء صلاة العيد لكن ليس بشكل صريح كان " الجبرتي"، الذي نقل قصة الطاعون في رسالة بعث بها الشيخ حسن العطار، تحدث فيها عن تعطل المساجد والآذان في شهور الوباء، التي امتدت لما بعد الشهر الفضيل"، كما تحدث عن قوة الوباء الذي كان يؤدي لموت 600 شخص يوميا، واشتغال الناس ممن بقي منهم حيا بالمشي في الجنائز والسهر".
كما بعث الشيخ حسن العطار للجبرتي في رسالته قائلا: "إن الله أنجاه من هذا الوباء الذي اجتاح بلاد الصعيد"، مؤكداً "نعرفك يا سيدي إنه قد وقع في قطر الصعيد طاعون لم يعهد ولم يسمع به من قبل خصوصا في أسيوط، فقد انتشر هذا الوباء وكان معظمهم من الرجال والشباب وأغلقت فيه الأسواق وصار الناس ما بين ميت ومشيع".
كان هذا الطاعون قد ظهر في شهر شعبان وامتد لمدة أربعة أشهر هجرية منهم شهر رمضان ليفتك الوباء بأهل الصعيد، وكانت الأكفان في ذلك الوقت قد صارت قليلة من كثرة الموت، ويقول العطار في رسالته للجبرتي: صار الإنسان إذا خرج من بيته لا يرى إلا جنازة، مؤكدا أنه اعتزل في منزله لمدة شهر لا يخرج منه بسبب هذا الوباء الشديد، وقد صار الناس في حيرة لعدم وجود مغسلين، ومات العلماء والقراء وأرباب الحرف، وتعطل الميت في منزله من أجل تجهيزه، فلا يوجد نعش ولا المغسل، كما يؤكد العطار في رسالته، ولا تسمع يوميا إلا نائحة أو باكية، وقد تعطلت المساجد والإمامة لموت أرباب الوظائف.
وحول وقوع الطاعون في شهر رمضان، أكد أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة بجامعة الأزهر، الدكتور سعد الحلواني في تصريحات صحفية أن "بعضا منها بالفعل وقعت في رمضان، إلا أنها ورغم ذلك لم تغلق المساجد بقرارات الحاكم، بل إن الناس كانوا من أنفسهم يبتعدون عن المساجد، ويلجئون للجبال والصحراء حتى ينتهي الوباء".
كما تعرض العالم لأزمات مماثلة وأكثر قسوة مثلما ضرب الطاعون فى عصر المماليك، وما سمي بـ "الموت الأسود"، والذي مات بسببه آلاف الأشخاص، إلا أن كتب التاريخ لم تشر لمثل هذه المعلومة رغم ترجيح عدم إقامة الشعائر، إلا أنها لم ترد بشكل صريح.
وفي منتصف العصر الأيوبي عام 597 هـ، شهدت مصر أيضا فترة "الشدة المستنصرية"، والتي كان الناس يأكلون بعضهم خلالها، ورغم ذلك لم تشر كتب التاريخ لإلغاء الشعائر، خاصة صلاة العيد بقرار رسمي، لكنها أكدت أن الأزمة التي شهدتها البلاد كانت تمنع الناس من أداء الشعائر في المساجد.
كما شهدت مصر حدوث وباء قبل خروج الحملة الفرنسية من مصر، حسبما رصدت الباحثة ليلي السيد في كتابها " الأمراض والأوبئة في المجتمع المصري "، والذي أدى للفتك بمراد بك وعدد من كشاف المماليك الذين هربوا للصعيد، كما انتشر الوباء في عدد من مدن الصعيد، منهم جرجا وقنا، وأصاب 1500 شخص، إلا إنه لم يمت منهم سوي ثمانون شخصا، لكن الوباء كان شديدا في أسيو، وهو ما منع إقامة الشعائر، إلا أن كتب التاريخ لم تشير صراحة لإلغاء صلاة العيد .
أما كتاب " السلوك لمعرفة دول الملوك" للمقريزي،" قال إن الطاعون ضرب مصر سنتي (749هـ، و787هـ)، وذكر "أن الناس هُرعت للجوامع للصلاة والقنوت والتضرع إلى الله برفع البلاء، مع قراءة صحيح البخاري بالجامع الأزهر أياما، والدعاء بعدها لرفع الطاعون".
وذكرت باحثة في التاريخ الاسلامي أنه "في طاعون سنة (833هـ)، جمع السلطان 40 شريفا من الأشراف، وأجلسهم بالجامع الأزهر، قرأوا القرآن، ودعوا الله تعالى، ودعا الناس معهم وقد امتلأ الجامع بهم"، مضيفة: "وكان الناس يخرجون للصحراء يصلون بها وراء أئمتهم، ويستصرخون الله رفع البلاء"، وقال عدد من المؤرخين في التاريخ الإسلامي إن التاريخ لم يذكر عدم إقامة صلاة العيد، خلال واقعة محددة، لكن من الممكن القياس على أمور ووقائع أخرى مشابهة حدثت بالفعل، لمعرفة الإجابة على هذا التساؤل.
كان الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، قد أكد إن الجهات المختصة إذا قررت بناء علي الدراسات والمعلومات إلغاء صلاة العيد حفاظا على صحة المواطنين فهذا جائز شرعا، موضحاً أن صلاة العيد يمكن أن نصليها في بيوتنا مع أولادنا وأزواجنا وتصلى ركعتين في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام نكبر 7 تكبيرات ثم نقرأ الفاتحة ونقرأ سورة ونصلي الركعة العادية، وفي الركعة الثانية نكبر بعد تكبيرة القيام 5 تكبيرات وهكذا تصلي.
وتابع مفتي الجمهورية أن صلاة العيد من الممكن أن تصلى فرادى وليس جماعة ويجب أن نحترم هذه القرارات لأنها في مصلحة النفس البشرية.
من جانبها أصدرت هيئة كبار العلماء بيانا قالت فيه " إنه يجوز أداء صلاة عيد الفطر المبارك في البيوت، بالكيفية التي تُصلى بها صلاة العيد، وذلك لقيام العذر المانع من إقامتها في المسجد أو الخلاء، ويجوز أيضا أن يُصليها الرجل جماعة بأهل بيته، كما يجوز أن يُؤدِّيها المسلم منفردًا، وذلك انطلاقا من أن أعظم مقاصد شريعة الاسلام حفظ النفوس وحمايتها ووقايتها من كل الأخطار والأضرار.
وأوضحت الهيئة أنه لا تشترط الخطبة لصلاة العيد، فإن صلى الرجل بأهل بيته فيقتصر على الصلاة دون الخطبة، مؤكدة أنه إذا صلى المسلم صلاة العيد منفردًا أو جماعة بأهله في بيته، فإنه يصليها ركعتين وبالتكبيرات الزوائد، وعدد التكبيرات الزوائد سبع في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام، وخمس في الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام إلى الركعة الثانية، مضيفة أن وقت صلاة العيد هو وقت صلاة الضحى، يبدأ من بعد شروق الشمس بثلث ساعة ويمتد إلى قبيل أذان الظهر بثلث ساعة، فإن دخل وقت الظهر فلا تصلى؛ لأن وقتها قد فات.