ابن تيمية.. هل كان تكفيرياً؟ (2)
السبت، 16 مايو 2020 11:00 م
هل كان ابن تيمية «تكفيريًا»، يُكفّر المسلمين ومخالفيه في الرأي، كما تدعي الجماعات التكفيرية ويتهمه بعض «الباحثين والمفكرين»، غير المتخصصين؟
قولًا واحدًا «لا». بل إنه كان من أوسع العلماء والفقهاء صدرًا في الاجتهاد والمسائل الخلافية، وكان ينهى عن التكفير بلا دليل أو برهان، وإقامة الحجة.. وهو القائل في كتابه «مجموع الفتاوى»: «ليس لأحد أن يكفر أحدًا من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحُجة، ومن ثبت إسلامه بيقين، لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة».
وفي موضع ثانٍ قال: «ومن البدع المنكرة: تكفيرُ الطائفةِ غيرَها من طوائف المسلمين، واستحلال دمائهم وأموالهم».
وقال في موضع ثالث: «القول قد يكون كفرًا، فيُطلَق القول بتكفير صاحبه ويقال: مَن قال كذا، فهو كافر، لكن الشخص المعيَّن الذي قاله لا يُحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركُها».
والإنصاف يقتضي التأكيد على أن «ابن تيمية» أنصف المخالفين القاصدين اتباعَ الحق، فقال، في كتابه «منهاج السنة النبوية»: «إن المتأوِّل الذي قصد متابعة الرسول، لا يُكفَّر ولا يُفسَّق إذا اجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية، وأما مسائل العقائد، فكثير من الناس كفَّر المخطئين فيها، وهذا القول لا يُعرف عن أحد من الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين، وإنما هو من أقوال أهل البدع الذين يبتدعون بدعة ويُكفِّرون من خالفهم».
حتى الموقف من المخالفين فكريًا لابن تيمية، مثل المعتزلة والأشاعرة والصوفية «لم يكفرهم»، حتى «الحسين بن منصور الحلاج»، الشخصية الصوفية «الإشكالية»، لم يُكفره، لكن اعتبر بعض ما خرج منه «كفرًا»، وحينما سئل عنه بعد وفاته قال: «الله أعلم بحاله».
مَنْ الذي يُكفِّره ابن تيمية؟
يقرر ابن تيمية في كثير من كتبه أن مَن كفر باعتقاده أو قوله أو فعله، يجب على القاضي الشرعي أن يستتيبه قبل قتله على ردَّتِه، ولا يقتله حتى يدعوه إلى التوبة والرجوع إلى رشده، ومن ذلك قوله في «مجموع الفتاوى»: «من قال: إن الله لا يقدر على إماتة الخلق وإحيائهم من قبورهم، فإنه يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتِل»..
ولا أحد ينكر أن ابن تيمية له فتاوى «متشددة»، بل و«تكفيرية».. وفي ذلك يقول هو، في كتابه: «الإنسان متى حلَّل الحرام المجمَع عليه، أو حرَّم الحلال المجمَع عليه، أو بدَّل الشرع المجمَع عليه، كان كافرًا مرتدًّا باتفاق الفقهاء». فهو لا ينفرد بالتكفير، ولكن اتفق مع فقهاء سابقين له في الرأي الذي ذهبوا إليه، كالحنابلة مثلًا..
لكن مَنْ قال إن الدين محصور فقط في فقه وفتاوى وأحكام ابن تيمية؟ ابن تيمية مجرد عالم، فقيه اجتهد.. مَنْ أراد أن يأخذ باجتهاده فليأخذ، وإلا فليأخذ بفتاوى عشرات الفقهاء الذين خالفوا ابن تيمية في كثير من المسائل والأحكام.. ولدينا علماء أفاضل في دار الإفتاء التي تصدر فتاوى معتدلة، تراعي فيها المصلحة العامة، بعيدًا عن غلو ابن تيمية وتشدده وتكفيره.
ابن تيمية في الأزهر
مناهج الأزهر والكليات التي تدرس العلوم الشرعية، تحتوي على آراء وأفكار ابن تيمية. وهذا أمر طبيعي؛ لأن عند دراسة أي مسألة فقهية لا بد من الوقوف على كل الآراء التي قيلت فيها، وابن تيمية حالة من هذه الحالات.. لكن هل معنى ذلك أن كتبه تدرس في الأزهر؟
الدكتور مبروك عطية، أستاذ الفقه المقارن، عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، إن فكر «ابن تيمية» ليس مذهبًا فقهيًا معترفًا به، كالمذاهب الأربعة المعروفة، وليس مذهبًا سنديًا، يستند بآرائه، كمذهب الأوزاعي، ومذهب الظاهرية.
وأوضح عطية، في تصريحات صحفية، أن ابن تيمية صاحب «فكر متشدد»، ولهذا لا يأخذ به الأزهر، ولا يعتد به مذهبًا فقهيًا، ولكنه ينظر إليه على أنه مفكر مجتهد وعالم إسلامي، تلميذ من تلاميذ الإمام ابن حنبل، ولكنه ليس من فقهاء الحنابلة المعتمدين، مبينا أنه فكره كان مستقلًا، ومجتهدًا، ولذلك فتاواه كثيرًا ما تخالف المعتمد.