الفتنة الكبرى مستمرة.. عمرو بن العاص يوقف القتال و70 ألف قتيل حصيلة معركة صفين (1)

الأحد، 17 مايو 2020 04:00 ص
الفتنة الكبرى مستمرة.. عمرو بن العاص يوقف القتال و70 ألف قتيل حصيلة معركة صفين (1)
معركة صفين
محمد الشرقاوي

لا أستبعد أن أحد من المسلمين تمنى عدم مقتل عثمان بن عفان، ليس لكونه أحد الصحابة الكبار، فهذا لا خلاف فيه، لكن لوقف المقتلة العظيمة التي وقعت بعده واستمرت لسنوات.

فمروراً بتداعيات خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مروراً بموقعة الجمل والتي راح فيها نحو 10 آلاف من الصحابة والتابعين، وانتهاءً بموقعة صفين، التي راح فيها نحو 70 آلفاً من المسلمين.

تداعيات الفتنة الكبرى استمرت حتى بعد مقتلة "صفين"، في شهر صفر من السنة السابعة والثلاثين للهجرة، وكانت هذه المعركة بعد موقعة الجمل بعام واحد تقريبًا، لكن خلالها كانت تفاصيل هامة وجب التعرف عليها.

موقعة صفين، دارت رحاها بين جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وجيش معاوية بن أبي سفيان، في منطقة "صفين"، وهى منطقة تقع بين سوريا والعراق حاليًا، وشارك فيها خيار الصحابة كعبد الله بن عباس وعمار بن ياسر وعمرو بن العاص رضوان الله عليهم جميعاً.

المتتبع للتاريخ الإسلامي، يرى أن عصبية الجاهلية التي ساقت لكافة تلك الأمور، حين طالب معاوية بن أبي سفيان ومن معه بالثأر لدم عثمان بن عفان، في حين طالب علي بن أبي طالب بأخذ البيعة له حتَّى يجتمع المسلمون على كلمة واحدة، ثمَّ يتمُّ البحث في قضية مقتل عثمان بن عفان والقصاص من قتلتهِ.

كان من الممكن أن تنتهي كل تلك الدماء، ببيعة علي والصفح عن قتلة عثمان أو القصاص منهم وحدهم دون أحد أخر، لكن كان للقدر رأي أخر.

وفق المراجع التاريخية، تلخصت أسباب معركة صفين، في امتناع معاوية بن أبي سفيان عن بيعة علي بن أبي طالب، وأهل الشام أيضًا، فأرسل علي بن أبي طالب جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية بن أبي سفيان ليدعوه لمبايعة علي، وعندما سمع معاوية من جرير رسول علي، استشار عمرو بن العاص فأشار عليه أن يجمع أهل الشام ويسير بهم إلى العراق للقصاص ممن تورطوا في دم عثمان بن عفان رضي الله عنه، والله تعالى أعلم.

ظهور عمرو بن العاص في مواقف كثيرة نذكرها فيما يأتي، كان سبباً في تفاقم الأمور وليس حلها، بداية من تأليب معاوية على الخليفة الرابع، مرورا بواقعة التحكيم، ما جعله البطل الأبرز في تلك المقتلة العظيمة.

بداية معركة صفين

في بلدة صفين التي بناها الروم، استمرت المعركة 9 أيام من القتال وتساقط المئات من الجانبين، حتى انتهت بواقعة التحكيم التي أنهت هذه المواجهة الدامية بين جيوش المسلمين، لكن كانت لها تداعيات أخرى كبيرة.

في الأول من شهر صفر، كان أول أيام المعركة بين جيش علي بقيادة الأشتر النخعي، وحبيب بن مسلمة قائد جيش معاوية، واستمرت من الصباح حتى المغرب، وقُتل الكثير من الفريقين، وفي اليوم الثاني أخرج علي بن أبي طالب، هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وأخرج معاوية، أبا الأعور السلمي، لقتال كان شديداً بين الجيشين، لكن لم ينتصر أحدهما على الآخر.

وقاد عمرو بن العاص جيش معاوية في اليوم الثالث، بينما قاد عمار بن ياسر جيش علي، وكان عمره أكثر من تسعين عاماً، وهكذا حتى اليوم التاسع من صفر، إلى أن توقف القتال.

وفي اليوم الأخير، توجه عليّ بن أبي طالب بعد صلاة الصبح لساحة القتال، وكان على الميمنة عبدالله بن بديل، والميسرة عبدالله بن عباس، أما على ميسرة معاوية فكان حبيب بن مسلمة، وتقاتل الفريقان فكان النصر بداية لعلي، وبعد ذلك مالت كفة النصر لمصلحة معاوية، ثم سرعان ما أعاد جيش علي لملمة صفوفه، بعدما أمر على، الأشترَ النخعي لينقذ الجانب الأيمن من الجيش، واستطاع رد الأمر إلى نصابه، فتمكنت ميمنة الجيش من السيطرة مرةً أخرى على أماكنها التي كانت قد انسحبت منها، وقتل في هذا اليوم عبد الله بن بديل.

وقُتل من جيش علي وجيش معاوية في صفين بحسب الروايات التاريخية وبخاصة تاريخ الطبري سبعون ألفاً، بينهم خمسة وأربعون ألفاً من أصحاب معاوية بن أبي سفيان، وخمسة وعشرون ألفاً من أصحاب علي بن أبي طالب.

لمّا رأى معاوية بن أبي سفيان انتصارات جيش علي، دعا عمرو بن العاص إلى خطّة للوقوف أمام هذه الانتصارات، فقام عمرو بن العاص بخدعة، حيث دعا جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكم بينهم، لجعل جيش علي يتوقف عن القتال، ويدعوا علياً إلى حكم القرآن، وبالفعل نجحت حيلة أبن العاص، حيث وقف جيش على صامتاً أمام المصاحف، ولم يجد على من مفر سوى الموافقة على التحكيم، رغم رفضه في البداية، لعلمه أنها خدعة من عمرو ابن العاص.

هؤلاء حضروا التحكيم

تم الاتفاق على التحكيم وبدأ كل فريق يختار من يخرج لهذه المهمة، فاختار معاوية، عمرو بن العاص رضي الله عنه، والذي كان بمثابة الوزير الأول لمعاوية رضي الله عنه في كل هذه الأحداث، وكان عمره رضي الله عنه في هذا التوقيت سبعة وثمانين سنة، وأراد على بن ابى طالب أختيار الأشتر، لكن لاقى اعتراضاً كبيراً من بعض أنصاره الذين فرضوا عليه أبو موسى الأشعري، الذى تشكك فيه على، لأنه سبق وخلعه من ولاية الكوفة، لكن أذعن على لرغبة من حوله، على أمل أن يكون الأشعرى عادلاً، خاصة أنه رفض الدخول في القتال من بداية الأمر مع يقينه أن عليًا رضي الله عنه على الاجتهاد، وكان رضي الله عنه قاضيًا للكوفة، واعتزل القتال.

وكان قرار التحكيم، الذى شهد عليه من جيش علي: عبد الله بن عباس، والأشعث بن قيس الكندي، وسعيد بن قيس الهمداني، وعبد الله بن الطفيل المعافري، وحجر بن يزيد الكندي، وورقاء بن سمي العجلي، وعبد الله بن بلال العجلي، وعقبة بن زياد الأنصاري، ويزيد بن جحفة التميمي، ومالك بن كعب الهمداني، فهؤلاء عشرة.

وأما من الشاميين فعشرة آخرون وهم: أبو الأعور السلمي، وحبيب بن مسلمة، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، ومخارق بن الحارث الزبيدي، ووائل بن علقمة العدوي، وعلقمة بن يزيد الحضرمي، وحمزة بن مالك الهمداني، وسبيع بن يزيد الحضرمي، وعتبة بن أبي سفيان أخو معاوية، ويزيد بن الحر العبسي.

 التقى أبو موسى الأشعري، وعمرو بن العاص رضي الله عنهما في مكان (صفين)، وبدآ يفكران في كيفية إيجاد حلٍ لهذه المعضلة التي ألمّت بالمسلمين، فاتفقا ابتداءً على كتابة كتابٍ مبدئي يضع أسس التحكيم، ولن يكون هو الكتاب النهائي، فكتبوا: هذا ما تقاضي عليه علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان أننا نزل عند حكم الله، وكتابه، ونحيي ما أحيا الله، ونميت ما أمات الله، فما وجد الحكمان في كتاب الله عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله، فالسنة العادلة الجامعة غير المتفرقة.

ثم ذهب كل من الحكمين إلى كل فريق على حدة، وأخذا منهما العهود والمواثيق أنهما أي الحكمان آمنان على أنفسهما، وعلى أهليهما، وأن الأمة كلها عونٌ لهما على ما يريان، وأن على الجميع أن يطيع على ما في هذه الصحيفة، فأعطاهم القوم العهود والمواثيق على ذلك، فجلسا سويًا، واتفقا على أنهما يجلسان للحكم في رمضان من نفس العام، وكان حينئذ في شهر صفر سنة 37 هـ، وذلك حتى تهدأ نفوس الفريقين ويستطيع كل فريق أن يتقبل الحكم أيًا كان.

وشهد هذا الاجتماع عشرة من كل فريق، وممن شهد هذا الاجتماع عبد الله بن عباس، وأبو الأعور السلمي، وحبيب بن مسلمة، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد.

وخرج الأشعث بن قيس، والأحنف بن قيس رضي الله عنهما، وهما من فريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقرأ الأشعث بن قيس الكتاب على الفريقين، فوافق الجميع على هذا الأمر، وبدءوا في دفن الشهداء، والقتلى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق