الاعتراف ليس كافياً للإدانة.. هناك شروط ترد «سيد الأدلة»
الجمعة، 15 مايو 2020 07:00 م
ليس الاعتراف دائما سيد الأدلة، ورغم كونه الاعتراف دليل الإثبات الأول في القانون الجنائي، حتى لو توافرت له كل شروط الاعتراف القضائي الصحيح، فقد لا يكون صادقاَ ممن أقر به.
وقد يكون الاعتراف صادرا عن دوافع أخرى ليس من بينها قول الحقيقة، مثل الفرار من جريمة أخرى، أو تخليص الفاعل الحقيقى من العقوبة مقابل المال، أو لوجود صلة قرابة معينة، وغيرها من الأسباب.
هل الإعتراف سيد الأدلة؟ يجب على القاضي الجنائي، التبين من قيمة الاعتراف وصحته، عن طريق المطابقة بينه وبين الواقع من جهة، وبينه وبين الأدلة المادية والقولية من جهة أخرى، عندها إما أن يأخذ به أو يلقيه جانباَ، استناداَ إلى القناعة الوجدانية للقاضى الجنائى، وله أن يجزأ اعتراف المتهم، على خلاف عدم جواز ذلك بالنسبة للإقرار المدني.
ويجوز له أن يأخذ منه ما يطمأن له، ويعتبره صحيحاَ، ويلقى ما يراه منها غير صحيح، والاعتراف من المسائل الموضوعية، التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير حجيتها، وقيمتها التدليلية على المعترف.
وهناك إشكالية قانونية للاعتراف فى الإثبات الجنائي من حيث تحقق شروط سلامته وصدوره من المتهم على نفسه بحرية وإرادة واعية، لذلك لا يعتبر قول المتهم على المتهم الأخر اعترافاَ، بل يعتبر من قبيل الشهادة.
وتجدر الإشارة إلى أن الاعتراف في السابق كان سيد الأدلة، وذلك في عصر أدلة الإثبات القانونية، إذ كانت الجريمة لا تثبت فى حق المتهم، إلا عن طريق الاعتراف.
ويكون الاعتراف إما شفهيا أو مكتوبا وأى منهما كاف فى الإثبات، ويمكن أن يثبت الاعتراف الشفوى بواسطة المحقق أما الاعتراف المكتوب فليس له شكل معين، والاعتراف أمر متروك لتقدير المتهم ومشيئته، فإذا رأى أن الصمت أحسن وسيلة يدافع بها عن نفسه ضد الاتهام الموجه له، فله الحق في عدم الإجابة على الأسئلة التى توجه إليه.
وبحسب المشرع، لا يجوز تحليف المتهم اليمين القانونية قبل الإدلاء بأقواله وإلا كان الاعتراف باطلا وإذا تضمن الاعتراف أقوالا غير صحيحة فلا يعد تزويرا ولا يعاقب عليه، والاعتراف لا يعد حجة فى ذاته، وإنما يخضع دائما لتقدير قاضى الموضوع ولا يعفى سلطة الاتهام والمحكمة من البحث فى باقى الأدلة وللمتهم أن يعدل عن اعترافه في أى وقت دون ان يكون ملزما بإثبات عدم صحة الاعتراف الذي عدل عنه، وهذا الأمر يخضع لتقدير المحكمة.
شروط صحة الاعتراف
لابد من توافر عدة شروط لصحة الاعتراف: أولها أن يكون من المتهم على نفسه، فيشترط فى الاعتراف الذى يعتد به أن يكون من المتهم وقبل سماع الشهود وأن يكون من المتهم على نفسه.
وثانيها توافر الأهلية الإجرائية للمعترف، ولها شرطان: أن يكون المعترف متهما بارتكاب الجريمة التى يعترف بها، وأن يتوافر لديه الإدراك والتمييز وقت الإدلاء بهذا الاعتراف، ويقصد بالإدراك والتمييز، قدرة الشخص على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها وتوقع آثارها وليس المقصود فهم ماهية التكييف القانوني للفعل.
ثالث الشروط: أن يكون الاعتراف قضائيا، وهو الذي يصدر من المتهم أمام إحدى الجهات القضائية أي يصدر أمام المحكمة أو قضاء التحقيق، وهذا الاعتراف يكفى ولو كان هو الدليل الوحيد فى الدعوى لتسبيب حكم الإدانة مادامت قد توافرت شروط صحته.
ورابعا: يشترط لصحة الاعتراف الصراحة والوضوح، إذ أن غموض أقوال المتهم من حيث دلالتها على ارتكابه للجريمة محل الاتهام المنسوب إليه ينفى عنها صفة الاعتراف بالمعنى الدقيق لأنها تحتمل أكثر من تأويل، ولذلك لا يجوز أن يستنتج الاعتراف.
خامسا: صدور الاعتراف عن إرادة حرة للمتهم، ويقصد بها، بالإرادة الحرة قدرة الإنسان على توجيه نفسه إلى عمل معين أو الامتناع عنه وهذه القدرة لا تتوافر لدى شخص إلا إذا انعدمت المؤثرات التي تعمل فى إرادته وتفرض عليه إتباع أمر معين. صور الإكراه المادي في الاعتراف: ويعد العنف من أهم صور الإكراه المادي، وهو عبارة عن فعل مباشر يقع على الشخص، وفيه مساس بجسده ويمثل اعتداء عليه ويكون من نتيجته أن يسلب الإرادة نهائيا، بحيث يشل حرية الاختيار أو يؤثر فيها نسبيا، فيترك لها فرصة للتعبير ولكن على غير رغبتها وفى كلتا الحالتين يصبح الإجراء باطلا، وبالتالي فإن الاعتراف الذي يتمخض عنه يصبح باطلا ولا يمكن التعويل عليه فى الإثبات.
ويعتبر الوعد أحد الوسائل التقليدية لحمل المتهم على الاعتراف وهو كل ما من شأنه إيجاد الأمل لدى المتهم بتحسين ظروفه إذا اعترف بجريمته مثل وعد المتهم بالعفو عنه أو اعتباره شاهد ملك أو بعدم محاكمته أو بالإفراج عنه أو عدم تقديم الاعتراف ضده فى المحكمة أو بتخفيف العقوبة عنه، ويعتبر كذلك في حكم الإكراه الأدبي تحليف المتهم اليمين والحيلة والخداع.
وعن سادس شروط صحة الاعتراف، مطابة الاعتراف للحقيقة، فقد يكون مصدره مرضا عقليا أو نفسيا يعانى منه المتهم، وقد يصدر نتيجة للإيحاء أو للرغبة فى التخلص من الاستجواب المرهق أو من أجل التضحية وإنقاذ المتهم الأصلي بسبب ما يربطه به من علاقة قرابة أو صداقة أو محبة أو أسباب أخرى، وفى كل هذه الصور لا يعد الاعتراف مطابقا للحقيقة ولا يعتد به.
وسابعا أن يكون الاعتراف وليد إجراءات صحيحة، لأنه إذا كان الاعتراف ثمرة إجراءات باطلة وقع باطلا ومثال ذلك أن يصدر الاعتراف بسبب استجواب باطل لتحليف المتهم اليمين أو بسبب عدم دعوة محامى المتهم إلى الحضور قبل استجوابه في جناية في غير حالتي التلبس والاستعجال، كذلك الاعتراف الذى يأتي نتيجة قبض أو تفتيش باطلين وكذلك يقع الاعتراف باطلا إذا جاء وليد تعرف المجنى عليه على المتهم فى عملية عرض باطلة أو نتيجة لتعرف الكلب البوليس فى عرض باطل ويشترط لبطلان الاعتراف فى هذه الأحوال توافر رابطة سببية بين الإجراء الباطل والاعتراف ويستوي أن يكون الإجراء الباطل سابقا أو معاصرا للاعتراف أما اذا كان تاليا ومستقلا عنه تماما يبقى الاعتراف صحيحا.
ويخضع الاعتراف فى تقدير قيمته كدليل إثبات لسلطة المحكمة التقديرية شأنه فى ذلك شأن سائر أدلة الإثبات الأخرى ولا يعنى اعتراف المتهم بالتهمة المنسوبة إليه أن تكون المحكمة ملزمة بالحكم بالإدانة، بل من واجبها أن تتحقق من أن الاعتراف قد توافرت شروط صحته ثم تبدأ بعد ذلك مهمتها فى تقدير هذا الاعتراف بهدف التحقق من صدقه من الناحية الواقعية ولا تأخذ به المحكمة إلا إذا كان مطابقا للحقيقة أما إذا كان متناقضا معها فلا يصح التعويل عليه، واعتراف المتهم لا يضع نهاية لإجراءات التحقيق الابتدائي أو النهائي بل للمحكمة أن تواصل السير في الدعوى بحثا عن أدلة أخرى رغم صدور اعتراف المتهم أمامها.
ويكفى أن تتشكك المحكمة فى مدى صحة إسناد التهمة إلى المتهم فتقضى بالبراءة ولو كان قد اعترف، وسلطتها فى ذلك مطلقة مادامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وقد تتوافر كل شروط الاعتراف القضائي ومع ذلك لا يكون صحيحا بل صادرا عن دوافع متعددة ليست من بينها الرغبة فى قول الصدق مثل رغبة استدراك العطف فحسب أو الفرار من جريمة أخرى يهم المتهم كتمانها أو إنقاذ الفاعل الحقيقى بحكم صلة من الصلات وتضامنا معه أو نتيجة خداع من شخص أو خوف من بطش شخص ذي بطش أو سلطان، ومن المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة فى الأخذ باعتراف المتهم في اى دور من أدوار التحقيق وان عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع.