لماذا أنا مُلْحِدٌ؟
الخميس، 14 مايو 2020 04:02 م
لم أنشغلْ يومًا بدين أحد أو مُعتقده أو فكره. ولا أعامل أحدًا حسب دينه أو معتقده أو فِكره. وأكرهُ الكتاباتِ المؤدلجة دينيًا أو سياسيًا، ولا أجهد نفسى فى قراءتها؛ لأنها غيرُ صادقة، وتكون مدفوعة دائمًا، وقابلة للتغيير مع تغيُّر المصلحة واختلاف الهدف. معظم الذين يدافعون عن الأديان فى بلادى ويتحدثون باسمها أكثرُهم بُعدًا عنها، ولكنهم وجدوها بابًا سهلاً للاسترزاق وارتقاء المناصب والحصول على الوجاهة والصدارة، بحسب أحدهم!! رجالُ الدين ليسوا هم القدوة الحسنة ولا النموذجَ الأمثلَ الذى يجبُ اتباعه، فكلَّ يوم تتكشفُ لنا الحقائق الخجلى. وكما يسترزقُ المتدينون من ادعاء الدفاع عن دينهم، فإنَّ الملحدين أيضًا يسترزقون من التطاول على الأديان والغمز واللمز والتجريح فيها بالباطل، واستخدام خطاب غير مُهذب وانفعالى وساذج وردئ فى كتاباتهم وأحاديثهم وكتبهم ومنشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعى، بما يعكس ضآلة أفكارهم وهشاشتها وتهافتها. ألم تتابع سعادتهم الغامرة بغلق المساجد فى رمضان، على وجه التحديد، بغض النظر عن أن الضرورة الصحية تفرض ذلك فرضًا؟! لم أتعمد يومًا الكشف عن معتقدى الدينى، ليس خوفًا أو قلقًا؛ ولكن كنتُ أؤمن دائمًا وأبدًا بأن هذا أمر شخصى، لا يهم أحدًا سواى، ولكن أكثر ما يُحزننى المُساجلاتُ الدينية أو التى تنطلق من أساس دينى أو مذهبى؛ لأنها تنبىء عن مجتمع مراهق فكريًا وضئيل أخلاقيًا ومتراجع حضاريًا، غيرَ أنَّى اضطررتُ إلى كتابة هذه الكلمات اضطرارًا، على خلفية اتهامات مُتجددة لى من ميلشيات ألكترونية تابعة لمسؤولين دينيين حاليين وسابقين بأننى "مُلحد مأجور"، وأننى أقتاتُ على لحوم العلماء "المسمومة" -على حد وصفهم- وأن مصيرى وأمثالى فى الدرك الأسفل من النار، يومَ يقومُ الناسُ لرب العالمين، فضلًا عن وصلات من الشتائم والردح "النسائى" المختوم بالدعاء علىَّ بكل سوء!! وأصدقك القولَ.. بأنى لم أندهش لاتهامى بالإلحاد من جانب مرتزقة هؤلاء المشايخ الذين يأمروننا على المنابر قبل تأميمها وتجميدها إلى أجل غير مُسمى، وعبر برامجهم الإذاعية والمتلفزة المدفوعة والمدعومة بسخاء، بالالتزام بمكارم الأخلاق، وأن نقول للناس حُسنًا، وألا نسيئ بهم الظنون، إنهم يقولون ما لا يفعلون، ولكنى كنتُ أنزعج كثيرًا من أن يكون هذا هو المستوى الأخلاقى لمن ينافحون عن الدين ويتكلمون باسمه. بطبيعة الحال لم يتوقف الأمر عند وصمى بـ "الملحد الكافر عدو الله"، ولكنه وصل إلى التدخل المباشر بحظر مقالاتى وكتاباتى بشكل كامل فى عديد من المنصات الصحفية!!
فى مقابل اتهامى المستمر بـ"الإلحاد والخروج من ملة الإسلام"؛ جراء انتقاد مواقف بعض رجال الدين، كنتُ أتلقى من الفريق المحسوب ظلمًا وزورًا وبهتانًا على التنوير والتنويريين اتهامات بأن كتاباتى تُحرض على العنف والتطرف "آه والله"، لأننى تصديتُ لأفكارهم الضالة وتدليسهم الشيطانى، فضلًا عن سرقاتهم الأدبية والفكرية، فمعظم المنتسبين قسرًا إلى التنويريين –حاليًا- ليسوا أكثر من مجموعة من اللصوص الذين لا يأتون بجديد، وإنما يقتاتون على أفكار سابقيهم، مع تحريفها عن مواضعها فى كثير من الأحيان، أو على كتابات مستشرقين غربيين كارهين للإسلام، ورحلوا عن عالمنا منذ سنوات طويلة. وهذه الفئة وجدت فى هذه اللعبة طريقًا للاختلاف والخلاف والوصول بأقصر السبل إلى وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية التى تحتفى بكل ما هو مناوئ للأديان والأعراف والثوابت الأخلاقية، فضلًا عن الحصول على المكتسبات المالية والمعنوية من الجهات الخارجية المعادية للإسلام، والأمثلة كثيرة ومتعددة، ولا يستطيع أحدٌ إخفاءها أو إنكارها. وخلال السنوات السابقة.. لم أفكر مرة واحدة فى الرد على اتهامى الباطل بمناهضتى للتنوير والتنويريين؛ اعتمادًا على أرشيف صحفى كبير يُفندُ هذا الاتهام تفنيدًا، ويكشف فى الوقت ذاته التنويريين الحقيقيين من الكاذبين والمدلسين الذين يقولون ما لا يفعلون، ويطالبون لأنفسهم بالحرية التى يمنعونها عن غيرهم. وكتاباتى ومقالاتى التى سعيتُ من خلالها إلى إنصاف "نصر أبو زيد" و"فرج فودة" وغيرهما مُتاحة لمن يريد الاطلاع عليها. والمُريبُ أن دعاة الليبرالية والحرية لم يخجلوا أيضًا من التدخل لحظر ومنع مقالاتى، والتزمتُ الصمتَ حينئذٍ ولم أزايد ولم أدعِ المطلومية، كما يفعلون، ولله فى خلقه شؤون!
لقد خرجتُ من هذه الإشكالية المُعقدة بأنه لا خيرَ يُرتجى من رجال دين يروَن أنفسهم فوق مستوى الشبهات وأكبر من أن يُنتقدوا أو يُلاموا، ويفرضون على أنفسهم وآرائهم هالة من القداسة الزائفة، ومن أدعياء التنوير الذين لا يملكون أيًا من أدواته ومقوماته، فالفريقُ الأولُ يرى نفسه حامى حمى الدين، والثانى يتخذ الدين عدوًا وسِخريًا، وكلا الفريقين يرفع شعار: "مَن ليس معنا فهو ضدنا.. ومن ثمَّ.. فهو مُلحدٌ وكافرٌ وعليه مِن الله ما يستحق"، والثانى يرفعُ شعار: "مَنْ ليس معنا فهو ضدنا.. ومن ثمَّ.. فهو متطرفٌ ومتشددٌ". والحقَّ أقولُ: إن كلا الفريقين عبءٌ ثقيلٌ على الدين والإنسانية بشكل عام.. والحياة سوف تكونُ أكثرَ نقاءً وصفاءً بغيابهما. أما لماذا أنا مُلحد؟ فذلك لأننى لا أسبحُ بحمد مشايخ زائفين مخادعين مناورين لا أثر لهم ولا اجتهاد فى الدين، ولا أدور فى أفلاكهم، وهذا شرفٌ لا أدعيه. أما ردِّى على مَن يصموننى بالتشدد ومكافحة تنويرهم الظلامى فلا ردَّ لهم عندى، فإنك لو ألقمتَ كلَّ كلبٍ عوى حجرًا، لأصبحَ الحجرُ بـ "جنيه إسترلينى أو دينار كويتى"!!