الصحابة يشعلون نار الفتنة بين عائشة وعلى.. "قتلة عثمان" يتسببون في مقتل 10 آلاف مسلم في موقعة الجمل (1)
الأحد، 10 مايو 2020 07:00 صمحمد الشرقاوي
الزبير قاتل علي بن أبى طالب وهو ظالم له.. وطلحة قتله عبدالملك بن مروان
استعرضنا في الحلقة الماضية، كيف كان الطريق إلى موقعة الجمل، ضمن أحداث الفتنة الكبرى التي تلت مقتل الصحابي الجليل عثمان بن عفان، والتي تورط فيها صحابة وتابعين كل بموقفه، وعرضنا ماذا فعل فريق علي بن أبي طالب من جهة، وفريق السيدة عائشة وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وأثناء مسير كلا الجيشين كادت الجهود الدبلوماسية أن تنجح لولا بعض المنافقين وأصحاب الفتنة من قتلة عثمان، وللأسف انصاع لهم الصحابة والتابعين الكرام، حتى وقعت المقتلة.
أمور عدة أخطأ صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، في تقديرها، خلال تلك الفتنة، بداية من تصديق نبأ الفاسقين، نهاية بتغافل قول الله تعالى: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها".
أبن أبي طالب لا يريد إلا الإصلاح
في الحلقة الماضية انتهينا عند مسيرة علي بن أبي طالب إلى البصرة، قاصدا الصلح ومنع القتال، لأنه يدري لو وقعت معارك بين رجاله ورجال أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها، ستكون فتنة في الأرض وفساد كبير، وهو ما ورد في كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير، وهو من أصح كتب السيرة العدول، حيث يقول بن كثير إنه لما عزم بن أبي طالب على المسير من "الربذة"، قام إليه ابن أبي رفاعة بن رافع فقال: "يا أمير المؤمنين، أي شيء تريد؟ وأين تذهب بنا؟" قال: أما الذي نريد وننوي، فالإصلاح إن قبلوا منا وأجابوا إليه"، وقال: فإن لم يجيبوا إليه؟، قال: ندعهم بغدرهم ونعطيهم الحق ونصبر، قال: فإن لم يرضوا؟. قال: ندعهم ما تركون، قال: فإن لم يتركونا؟، قال: امتنعنا منهم، قال: فنعم إذا، فقام إليه الحجاج بن غزية الأنصاري، وقال: لأرضينك بالفعل كما أرضيتني بالقول، والله لينصرني الله كما سمانا أنصارا".
اقترب علي بن أبى طالب من الكوفة وبلغه ما وقع فيها من معركة "فم السكة"، حين وقع القتال بين جيش عثمان بن حنيف وجيش عائشة، وطرد بن حنيف منها، فأنكر ما وقع خاصة أخذهم أموال بيت المال، وجعل يقول: اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير.
وبحسب ما ورد في سير الصحابة والتابعين ومنهم بن كثير، فإن جيش أم المؤمنين، استولى على بيت المال في البصرة، وولوا عليه عبدالرحمن بن أبي بكر، وقسّم طلحة والزبير أموال بيت المال في الناس، وفضلوا أهل الطاعة وأكب عليهم الناس يأخذون أرزاقهم وأخذوا الحرس، واستبدوا في الأمر بالبصرة، فحمى لذلك جماعة من قوم قتلة عثمان وأنصارهم.
محاولات إخماد الفتنة وظهور أبي موسي الأشعري
لما قدم عثمان بن حنيف إلى علي بن أبي طالب، وتحديداً في منطقة "ذي قار"، وكانت أم المؤمنين قد أطلقت سراحه بعدما نتف جيشها شعر لحيته، حاول علي امتصاص غضب بن حنيف، وبالفعل نجح في ذلك، ودعا لطلحة والزبير: اللهم احلل ما عقدا، ولا تبرم ما أحكما في أنفسهما، وأرهما المساءة فيما قد عملا.
وفق بن كثير، انتظر علي جواب ما كتب به مع محمد بن أبي بكر وصاحبه محمد بن جعفر، وقدما بكتاب علي لأبي موسى الأشعري، ولم يجابا في شيء، وحاولوا مرة أخرى، ودخل أناس من ذوي الحجبى على أبي موسى يعرضون عليه الطاعة لعلي، فقال: كان هذا بالأمس فغضب محمد ومحمد فقالا له قولا غليظا، فقال لهما: والله إن بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما، فإن لم يكن بد من قتال فلا نقاتل أحدا حتى نفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا ومن كانوا، فانطلقا إلى علي فأخبراه الخبر وهو بذي قار، فقال للأشتر: أنت صاحب أبي موسى، والمعرض في كل شيء، فاذهب أنت وابن عباس فأصلح ما أفسدت، فخرجا فقدما الكوفة وكلما أبا موسى واستعانا عليه بنفر من الكوفة، فقام في الناس.
رفض الأشعري الانضمام في تلك الحشود، وقال مقولة شهيرة، سردها بن كثير في كتابه: أيها الناس، إن أصحاب محمد ﷺ الذين صحبوه أعلم بالله ورسوله ممن لم يصحبه، وإن لكم علينا حقا وأنا مؤد إليكم نصيحة، كان الرأي أن لا تستخفا بسلطان الله وأن لا تجترئوا على أمره، وهذه فتنة النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان خير من القاعد، والقاعد خير من القائم، والقائم خير من الراكب، والراكب خير من الساعي، فاغمدوا السيوف وانصلوا الأسنة، واقطعوا الأوتار، وأووا المضطهد والمظلوم حتى يلتئم هذا الأمر، وتنجلي هذه الفتنة.
حاول علي بن أبي طالب للمرة الثالثة مع أبي موسى، بعدما رجع عبدالله ابن عباس والأشتر إلى علي، فأخبراه الخبر، فأرسل الحسن بن علي وعمار بن ياسر، وقال لعمار: انطلق فأصلح ما أفسدت فانطلقا حتى دخلا المسجد، فكان أول من سلم عليهما مسروق بن الأجدع.
عزل أبي موسى الأشعري
ورد في السير، أنه رغم محاولات علي بن أبي طالب لأخذ بيعة أبي موسى، ورفضه المتكرر، حاول الحسن بن علي وعمار بن ياسر دعوة الناس إلى النفير لكن أبي موسى كان يمنعهم، وورد في ابن كثير: يقال إنه لما وقع من أبي موسى ما فعله من منع الناس عن الاحتشاد لجيش علي، تم عزله من الكوفة، بعدما بعث علي "الأشتر"، وأخرجه من قصر الإمارة، واستجاب الناس للنفير، فخرج مع الحسن تسعة آلاف في البر، وفي دجلة. ويقال: سار معه اثني عشر ألف رجل ورجل واحد، وقدموا على أمير المؤمنين.
صلح مؤقت وفتنة تشتعل
لما قدم جيش الكوفة إلى "ذي قار"، وكان من المشهورين منهم: القعقاع بن عمرو، وسعد بن مالك، وهند بن عمرو، والهيثم بن شهاب، وزيد بن صوحان، والأشتر، وعدي بن حاتم، والمسيب بن نجية، ويزيد بن قيس، وحجر بن عدي وأمثالهم، وكانت عبد القيس بكمالها بين علي وبين البصرة ينتظرونه وهم ألوف، فبعث علي القعقاع رسولا إلى طلحة والزبير بالبصرة يدعوهما إلى الألفة والجماعة، ويعظم عليهما الفرقة والاختلاف، فلما قدم البصرة، بدأ بعائشة أم المؤمنين فقال: أي أماه! ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني! الإصلاح بين الناس، فسألها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضرا عندها فحضرا، فقال القعقاع: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها؟ فقالت: إنما جئت للإصلاح بين الناس. فقالا: ونحن كذلك، قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ وعلى أي شيء يكون؟ فوالله لئن عرفناه لنصطلحن، ولئن أنكرناه لا نصطلحن. قالا: قتلة عثمان، فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن، فقال: قتلتما قتلته من أهل البصرة، وأنتما قبل قتلهم أقرب منكم إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائة رجل فغضب لهم ستة آلاف فاعتزلوكم، وخرجوا من بين أظهركم.
ودار بينهما حوار ذكره بن كثير في البداية والنهاية، انتهى إلى صلح بعد توافق عائشة وطلحة والزبير ووافقه علي بن أبي طالب، واستجاب الجميع للصلح رغم وجود من كرهه ممن يريدون وقوع المقتلة العظيمة، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، وقام علي في الناس خطيبا: فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها، وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، وأن الله جمعهم بعد نبيه ﷺ على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان، ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الأمة، أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي من الله بها، وأرادوا رد الإسلام والأشياء على أدبارها، والله بالغ أمره. ثم قال: ألا إني مرتحل غدا فارتحلوا، ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس.
إلى الحلقة الثانية .....