التوقيع على بياض.. كيف تصدى القانون للظاهرة؟
الإثنين، 04 مايو 2020 02:00 م
بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم أجمع، نتيجة ظهور فيروس كورونا المستجد – كوفيد 19، حيث يلجأ من يقترض مالا أو يشترى شيئا بالتقسيط إلى التوقيع على إيصال أمانة فارغ أى «على بياض» للدائنين، وعلى ما يبدو أن مسألة ظهور الفيروس لن تتوقف عند عملية تفشيه فحسب بل ستؤدى أيضاَ إلى تفشى أمور أخرى فى المجتمعات.
ومن المعلوم أن مسألة التوقيع على بياض قد يستغله الدائن إذا تأخر المدين عن دفع الدين بكتابة مبالغ طائلة قد تدخله السجن، والتوقيع على بياض حيلة يلجأ إليها الدائنون، فيوقع صاحب الحاجة أو المدين على بياض فى الأعم والأغلب على إيصال دون ذكر لأى بيانات أخرى بالورقة، ولكن قانونًا وبحسب المادة 341 من قانون العقوبات فلا يجوز إدانة المتهم بجريمة خيانة الأمانة، لأنه لكي تقع جريمة خيانة الأمانة فيجب ثبوت عقد الأمانة، وليس التوقيع على بياض فقط، خصوصًا إن تلك الأدلة قد لا تقنع القاضي، وبالتالي لا يجوز إدانة المتهم أو تبرئته أيضًا.
هل التوقيع على بياض إجراء صحيح؟
يلقي التقرير التالي الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية بالنسبة لمسألة التوقيع على بياض حيث يظن الكثيرين أن هذا التوقيع غير صحيح من الناحية القانونية، ما يجعلهم في مأمن حال إقامة دعاوى قضائية عليهم وأن مصيرهم فى النهاية سيكون البراءة هذا من ناحية المدين أما من ناحية الدائن يظن الكثيرين منهم أيضاَ أن الأمور متروكة حسب الأهواء من خلال وضع الرقم المناسب فى الإيصال أو الشيك أو الفاتورة دون أن تصل جهات التحقيق إلى الحقيقة، وهنا يبقى السؤال.. هل التوقيع على بياض إجراء صحيح؟ وهل يمكن الطعن عليه بالتزوير؟ وما هو دور محكمة النقض فى تلك الأزمات؟
وبحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض، أشرف فرحات، يجب أن نعلم جيداَ أن التوقيع على بياض هو توقيع صحيح من شأنه أن يكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية الورقة العرفية - مثال في دعوى صحة التوقيع - وإدعاء تغيير الحقيقة فيها ممن استؤمن عليها نوع من خيانة الأمانة متى كان من وقعها قد سلمها اختياراً، إلا إذا كان من استولى على الورقة قد حصل عليها خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية أو بأية طريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري فعندئذ يكون تغيير الحقيقة فيها تزويراً و يعتبر التوقيع نفسه غير صحيح، وهو ما ورد فى الطعن رقم 1214 لسنة 56.
وهناك حزمة من التحذيرات والإجراءات يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار، فيجب الحذر كل الحذر من التوقيع أو البصم على أية ورقة على بياض، كإيصال الأمانة أو الكمبيالة أو الشيك أو أي ورقة بيضاء، وذلك لأنه من المحتمل أن يكتب عليها أي شيء، وحتى لا تكون عرضة للحبس أو منعك من السفر أو الحجز على أموالك أو ممتلكاتك، من أثاث أو مركبات، ويصعب إثبات أنها ورقة ضمان فقط.
فقد ظهر في الآونة الأخيرة من يقوم بشراء بعض الأدوات الكهربائية أو المنزلية، من بعض المتاجر بنظام الأقساط الشهرية، وضمانا من التاجر يلزمك بأن توقع له على إيصال أمانة أو كمبيالة أو شيك على بياض، وذلك حتى لا تتهرب من سداد الأقساط، وبتوقيع المشترى على هذه الورقة على بياض يعرض صاحبها لأخطر أنواع التهديد، حيث من الممكن أن يقوم التاجر صاحب النفس الضعيفة بكتابة أي مبلغ بهذه الورقة، ويقوم بتحريكها أمام القضاء ليساومك الكلام لـ «فرحات».
من يقوم بشراء أدوات كهربائية أو منزلية - إذا اضطرته الحاجة الى ذلك - بأن يكتب في إيصال الأمانة أو الكمبيالة أو الشيك أو أي ورقة المبلغ الذى يضمن به التاجر سدادك للأقساط، ويجب أن يتم كتابة المبلغ باللغة العربية، لا بالأرقام فقط ، ويقفل الإيصال بأن لا تترك مكانا خالياً للكتابة، كما أن قانونًا وبحسب المادة 341 من قانون العقوبات فلا يجوز إدانة المتهم بجريمة خيانة الأمانة، لأنه لكي تقع جريمة خيانة الأمانة فيجب ثبوت عقد الأمانة، وليس التوقيع على بياض فقط.
وفى تلك الحالة يلجأ القاضى إلى تقرير الطب الشرعى المؤرخ، للتأكد من سلامة البيانات وظروف كتاباتها، والتى تثبت غالبًا أن الورقة كتبت على بياض، وبالتالى المبلغ المكتوب لم يسلم للمتهم من أساسه، هنا ينتفى الشق الجنائى فى الواقعة، وبناء عليه تقضى المحكمة عادة ببراءة المتهم، كما أن الحكم فى تلك القضية كجنحة لو حكم بثبوت الأدلة لخيانة الأمانة يكون من 6 أشهر لسنة بحسب القاضى وتقديره لكل حالة على حدى، وهو ما قد يدمر مستقبل المدين ويمنعه من العمل فى بعض الجهات.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
وفى هذا الشأن سبق لمحكمة النقض المصرية التصدى لعملية التزوير على صلب المحرر في صحة التوقيع بالطعن حيث قالت فى الطعن رقم 111 لسنة 65 ق – جلسة 28 يونيو 2005: "إذا كانت الدعوى صحة التوقيع المنصوص عليها في المادة 45 من قانون الإثبات سالف البيان ليست إلا دعوى تحفظي شرعت ليطمئن من بيده سند عرفي على آخر إلى أن الموقع على ذلك السند لن يستطيع بعد صدور الحكم بصحة توقيعه أن ينازع في صحته أو ويمتنع على القاضي أن يتعرض فيها للتصرف المدون في الورقة من جهة صحته أو بطلانه ونفاذه أو توقفه وتقري الحقوق المترتب عليه.
إلا أن ذلك لا يسلب القاضي حقه – في حالة الطعن بالتزوير على طلب صلب الورقة العرفية وبياناتها المرفوع بشأنها دعوى صحة التوقيع – في أن يحقق الطعن بالتزوير ويقول كلمته فيه وذلك قبل الفصل في طلب صحة التوقيع على ذات الورقة، لأن التوقيع على الورقة في هذه الحالة لا ينفصل عن صلبها وبياناتها المطعون عليها بالتزوير ولا يحتملان غير حل واحد، ولأن المحرر يستمد حجيته في الإثبات من ارتباط التوقيع بما ورد بصلب المحرر من بيانات تتصل به وتتعلق بالعمل القانوني موضع المحرر".