يبدو أن الاقتصاد الأمريكي دخل في سيناريوهات قاتمة في ظل التداعيات الاقتصادية القاسية التي خلفها انتشار وباء كورونا القاتل، وخروجه عن السيطرة.
وأكد خبراء اقتصاد أن "الأسوأ لم يأت بعد"، في ظل موجة الديون غير المسبوقة بين الحكومة والشركات، وحالة الاقتراض الاستثنائية في تاريخ الاقتصاد الأمريكي.
وفى الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دعمه الصريح للاحتجاجات التي شهدتها ولايات عدة ضد قيود التباعد الاجتماعي، والمطالبة بإعادة فتح البلاد والشركات وعودة الحياة إلى طبيعتها، يرى مراقبون أن موقف ترامب يأتي لقناعاته بضرورة العودة إلى العمل، لوقف نزيف الاقتصاد الحاد والذي خرج عن السيطرة رغم خطة التحفيز التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية بأكثر من 3 تريليونات دولار، مخصصة للشركات والأفراد المتعثرين.
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إن الولايات المتحدة تبدأ تجربة سريعة في الاقتراض بدون سابقة، مع حصول الحكومات والشركات على تريليونات الدولارات من الديون لتعويض الأضرار الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا.
وأوضحت الصحيفة أن الحكومة الفيدرالية الأمريكية فى طريقها هذا العام لإنفاق ما يقرب من 4 تريليون دولار أكثر مما جمعته من الإيرادات، وفقا للمحللين، وهو عجز للموازنة يبلغ ضعف حجم الاقتصاد تقريبا، في أي عام منذ عام 1945.
كما أن الاقتراض التجارى يسجل أيضا مستويات قياسية. فالشركات العملاقة مثل أكسون موبيل ووالجرينز التى تعثرت فى الدين فى العقد الماضى، تستنفذ الآن خطوط الائتمان الخاصة بها وتنتقى حاملى السندات لمزيد من الأموال النقدية.
ولدعم هذا الاقتراض، خفض الاحتياطى الفيدرالى معدلات الفائدة إلى صفر، وأضاف أكثر من 2 تريليون دولار من القروض لمحفظته فى الأسابيع الستة الماضية، وهو نفس المقدار الذى حدث فى السنوات الأربع التالية للكساد الكبير فى ثلاثينيات القرن الماضى.
وتشير الصحيفة إلى أن كل هذا الاقتراض مطلوب لسد الثغرة الكبيرة التى أحدثها وباء كورونا فى الاقتصاد، حيث وصلت البطالة إلى مستويات غير مسبوقة منذ الكساد الكبير. ولم يعارض أيا من المشرعين أو خبراء الاقتصاد البارزين فتح صنابير الحكومة المالية فى ظل حالة الطوارئ الاقتصادية الحالية. ووافق مجلس الشيوخ الشهر الماضى على إنفاق 2 تريليون دولار دون أى معارضة.
ومع ذلك، فإن عبء الديون المرتفع يجهد بالفعل العديد من الشركات والتى قد تضطر إلى الاختيار بين تخطى دفع القروض أو تسريح العاملين. كما أن الملايين من المستهلكين أيضا يواجهون فواتير شهرية كبرى لقروض الطلاب والبطاقات الائتمانية، وهو العبء الذى قد يؤثر على أى إنعاش اقتصادى.
وتذهب الصحيفة إلى القول بأن الاعتماد على هذا القدر الهائل من الديون يترك مخاوف بعد انتهاء الوباء، وفقا لتقدير خبراء الاقتصاد، مما يصعب على صناع القرار سحب الدعم وترك الاقتصاد أكثر ضعفا عما كان عليه قبل الأزمة.
ويقول عاطف ميان، ـستاذ الاقتصاد بجامعة برينكتون إنه يجب على الجميع أن يشعروا بقلق بالغ، فنحن نتحدث عن مستوى من الديون سيكون بالتأكيد غير مسبوق فى التاريخ الحديث أو فى فترة تاريخية، فنحن بالتأكيد فى نقطة تحول.
وتشير الصحيفة إلى أن الاقتصاد الأمريكى قبل الوباء كان نشطا، ويرجع الفضل فى ذلك جزئيا إلى هزة جراء تخفيض الضرائب عام 2017، والإنهاء اللاحق لحدود إنفاق الكونجرس. لكن الكونجرس اتخذ هذه الإجراءات دون أى خطط لدفع مقابلها.
وغالبا ما تلجأ الحكومات والشركات إلى المقرضين فى الأوقات غير المتوقعة. لكن هذه الموجة الجديدة مختلفة لانها جاءت بعد عصر من الاقتراض الثقيل.
وتوضح واشنطن بوست أن الدين بالنسبة للرئيس ترامب أداة مألوفة. فالرئيس، الذى عمل فى مجال العقارات قبل دخوله البيت الأبيض تفاخر سابقا بأنه ملك الدين، واقترح المساومة مع حاملى سندات الخزانة الأمريكية بشأن شروط السداد.
وكان وزير لخزانة الأمريكى ستيفين منوتشين قد قال الشهر الماضى إن هذا ليس الوقت المناسب للقلق بشأن عجز الموازنة، وقال إن البعض يجادل بأن هناك حاجة لمزيد من الإنفاق لإنقاذ الاقتصاد. وقال الخبير الاقتصادى الحاصل على جائزة نوبل جوزيف سايجليتز أن الحكومة الأمريكية يجب أن توفر أموال للعمال وتمنع عمليات الإخلاء أو حبس الرهن، فيما قال آخرون أن هناك حاجة إلى تريليون دولار إضافية للشركات الصغيرة.