"يعض الإيد التي امتدت له".. أوقفوا التنمر على الأطباء
السبت، 18 أبريل 2020 07:00 مكتب – طلال رسلان
على مدار الأيام الماضية ومع اشتداد أزمة كورونا في البلاد ومعها الإجراءات الاحترازية على المواطنين بقرارات حازمة، انفجرت أزمة أخرى مع ظهور إحدى الطبيبات تصرخ من تنمر محيطاها عليها بعدما تطوعت لعلاج المصابين في كورونا والخاضعين للحجر الصحي.
الأزمة انفجرت عندما نشرت الطبيبة دينا مجدي عبدالسلام التي تعمل في مستشفى حميات الإسماعيلية مقطعًا مصورًا على مواقع التواصل الاجتماعي، تشكو فيه أن جيرانها هاجموها وطالبوها بترك المنزل بعد علمهم بعملها في مستشفى الحميات، وتقول الطبيبة إنها قررت حينها الانتقال من بيت عائلتها لتعيش وحدها في منزل قريبة لها، حماية لعائلتها من احتمالية انتقال الفيروس، إلا أنها بعد خمسة أيام من انتقالها للبيت الجديد، فوجئت بجلبة وتجمع للجيران ورجال الأمن المسؤولين عن حراسة العقارات في الحي، يتهمونها بأنها ستأتي لهم بالمرض ويطالبونها بالرحيل من المنزل.
على خلفية قصة الطبيبة المؤلمة نتيجة التنمر عليها من محيطها انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي سخطا في وجه الفعل الذي وصفوه بالخارج عن المجتمع المصري، وتدخل أعضاء من مجلس النقابة العامة للأطباء معلقين على الواقعة بأنها مؤسفة وتنم عن جهل البعض بشكل مبالغ فيه.
قصة الطبيبة التي تنمروا عليها بسبب تطوعها لمساعدة مصابي كورونا لم تمثل من الألم والأسف غير واحد في المائة من قصة طبيبة الدقهلية التي رفض عناصر من أهل بلدة زوجها شبرا البهو دفن جثتها في مقابر البلدة خوفا من العدوى، ولم تمر سوى دقائق على واقعة أهالي قرية "ميت العامل" مركز أجا بمحافظة الدقهلية، مسقط رأس طبيبة توفيت بفيروس كورونا في مستشفى العزل بالإسماعيلية، رفضوا دفنها، بعد أن رفضت أيضا قرية زوجها "شبرا البهو" دفنها لديهم في مقابرهم.
وتجمع عدد من أهالي قرية شبرا البهو بالدقهلية لمنع دفن جثة طبيبة توفيت جراء فيروس "كورونا" بمقابر القرية، حتى تصدر المشهد موجة سخط عارمة ضد موقف أهالي القرتين.
الواقعة بدأت عندما اعترض أهلي قرية شبرا البهو سيارة الإسعاف التي تنقل جثمان الطبيبة؛ لمنع دخولها إلى المقابر الخاصة بأهل زوجها؛ لدفنها، ومطالبتهم بأن يوارى الجثمان الثرى بمقابر عائلتها الموجودة في قرية أخرى مجاورة، لكن الشرطة تدخلت وجرى إتمام الدفن وتفريق المعترضين.
من هي طبيبة الدقهلية؟
ووفقا للمعلومات فإن طبيبة الدقهلية تدعى "سونيا عبدالعظيم عارف" تبلغ من العمر ٦٤ عاما، وكانت تعاني من مشاكل صحية مزمنة، وأصيبت بفيروس كورونا، وتم نقلها لمستشفى العزل بالإسماعيلية يوم 14 مارس الماضي، وأصيبت الطبيبة، بالعدوى من ابنتها العائدة من اسكتلندا التي سافرت يوم 25 فبراير، وعادت لمصر يوم 11 مارس الماضي، هي أول إصابة ظهرت بمدينة المنصورة بفيروس كورونا وتم استقبالها بمستشفى الصدر بالمنصورة للاشتباه في إصابتها .
قصة الطبيبة على فجاعتها صدمت الأوساط الاجتماعية بما حملته من تجرد من كل المعاني الإنسانية، قبل فعل التنمر في أبهى صوره، وخرجت مطالبات بسرعة إقرار قوانين تجرم وتعاقب هذا الفعل ومرتكبيه، وفي تدارك للأزمة التي احتلت عناوين وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تدخل محافظ الدقهلية أيمن مختار بعزاء أسرة الطبيبة المتوفاة ومواساتهم وإعلان إطلاق اسم الطبيبة على إحدى مدارس القرية التي حدثت بها الواقعة الأليمة.
لكن يبدو أن تدخل المحافظ لم يخمد نار موجة الغضب المشتعلة على مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات وهاشتاجات تطالب بردة فعل أقوى يرونها أقل ما يمكن فعله لتكريم الطبيبة وتشفيا لأهلها، في جانب من القصة المتداولة برز نداء إلى محافظ الدقهلية بتغيير اسم القرية الحالي إلى اسم الطبيبة، كنوع من التضامن القوي حتى يظل يتذكر حكايتها الأجيال التي ستحمل بالطبع بطاقاتهم الشخصية اسم الطبيبة.
مطالب بتفعيل ودعم مبادرة صوت الأمة
وسط تفاصيل القصة المتداولة طالب قراء صوت الأمة بالمشاركة والتفاعل على نطاق واسع في مبادرة الصحيفة التي أطلقتها في وقت سابق بعنوان "الإصابة بكورونا مش جريمة.. أوقفوا التنمر"، كحملة توعية مجتمعية، لوقف التنمر ضد مصابي فيروس كوفيد 19 (كورونا المستجد)، واعتبار من تسلل إليهم المرض موصومين اجتماعياً، ما يدفع البعض إلى إخفاء مرضه، أو إصراره على عدم التوجه لأماكن العزل، خشية أن يفضح أمره وكأنه مرتكب جريمة.
وشارك في حملة صوت الأمة عدد من الكتاب الصحفيين والإعلاميين والسياسيين ورجال الأعمال ورموز المجتمع، الذين يؤمنون بضرورة توعية المواطن بخطورة المرض وعدم تمييز صاحبه، لأن الإخفاء قد يتسبب في كارثة محققة، نسأل الله عز وجل أن يجنبنا إياها.
وفي تحرك بشأن واقعة طبيبة الدقهلية، أمر النائب العام المستشار حمادة الصاوي، بحبس العناصر المتورطة في واقعة تجمهر البعض، ومنعهم دفن طبيبة متوفاة بمحافظة الدقهلية بسبب "كورونا".
كما دخلت المؤسسات الدينية على خط الأزمة، وعبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في رسالة تليفزيونية للشعب المصري، عن رفضه لمظاهر التنمر والسخرية من مصابي فيروس كورونا المستجد وضحاياه، مؤكدًا أنه "لا يجوز أبدا ولا شرعًا ولا مروءة أن يسخر إنسان من إنسان آخر أصيب بهذا الوباء أو مات به أو يتنمر ضده، والواجب هو أن يدعوَ الإنسان لأخيه الإنسان، وأن يتضامن معه، وألا يسخر منه بكلمة أو نظرة أو فعل أو قول يؤذي المصاب ويؤذي أهله".
وأضاف فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، أنه "أحزنني كثيرًا كما أحزن جموع المصريين أن نرى بعض أبناء وطننا يرفضون استلام جثث ذويهم ممن ماتوا بهذا الوباء، أو دفنهم في مقابرهم، وهو أمر محرم شرعًا ومجرم أخلاقًا وإنسانية"، في إشارة إلى احتجاج عدد من أهالي إحدى القرى في مصر على دفن طبيبة توفت نتيجة الإصابة بفيروس كورونا.
وتابع شيخ الأزهر في كلمته، "كان على هؤلاء المسيئين أن يعلَموا -بل يتعلموا- أن للموت مهابة وجلالاً، وله عظة عملية بالغة يجب أن يستحضرها كل إنسان حين يطرق سمعه حديث عن الموت، أو كلما رأى جنازة ميت، وأن يتذكَر أن النبي كان يهب واقفًا حين تمر به جنازة، احترامًا للميت وإجلالًا لأول منزل من منازل الآخرة، كما يجب أن يعلم هؤلاء أنهم صائرون لا محـالة إلى نفس المصير، وعلى المسلمين أن يذكروا أن شريعة الإسلام تطالبهم بالإسراع في تجهيز الميت والتعجيلِ بدفنِه، وأن من إكرام الميت دفنَه والدعاءَ له والترحم عليه"، حسبما ورد في نص كلمته.
واختتم شيخ الأزهر الشريف، والذي يعد أهم مؤسسة دينية إسلامية سنية في العالم، كلمته، بالتأكيد على أن "المصابين بهذا الوباء والمتضررين بسببِه هم جزء منا، وعلينا دعمهم ومعاونتهم، ولكل متوفى في هذه الأيامِ ولأهله علينا واجب تقديم كل الحقوق الشرعية والاجتماعيةِ، فالمصريون كلهم نسيج واحد وينتمون إلى تراب واحد".
ربما تكون حملة صوت الأمة ساهمت ولو بجزء بسيط في توعية البعض بخطورة التنمر وهو ما ظهر صباح الأحد لأهالي في عدة قرى مصرية يمكن أن نطلق عليهم "جيران الهنا"، هؤلاء اللذين استقبلوا جيرانهم المصابين بكورونا والأطباء بالورود والترحيب.
وفي المنوفية انتشر مقطع فيديو منسوب لشباب كفر فيشا الكبرى بمحافظة المنوفية وهم يستقبلون أحد العاملين بمعهد الأورام وقد عزل نفسه حين شعر بأعراض كورونا وأنقذ أهله وقريته ورجع بعدما تماثل للشفاء فكان هذا سلوك أهل البلد فى استقباله، فقد اصطف أحد جيران الممرض في ممر شرفي في شارع ضيق ملتزمين بالتباعد الاجتماعي بينهما ويرتدى كلاً منهم أساليبه الواقية من كورونا مرحبين به في موجة تصفيق حدا إشادة به، وأعطوه شهادة تقدير لدوره هو وزملاءه في مواجة الوباء.
وفي قرية شباس عمير، التابعة لمركز قلين في محافظة كفر الشيخ وقف الأهالي استعدادًا لدفن سيدة من أهالي القرية نتيجة إصابتها بالفيروس نفسه، "الشهيدة ليست أم لأبنائها فقط ولكنها أم لكل أبناء القرية".. كانت الرسالة الأبرز في تعليقات الأهالي على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك مصحوبة بتأكيد آخر "ما حدث في الدقهلية لا يمكن أن يحدث في بلدتنا".
بدأت الحكاية عندما اجتمع أطباء من أبناء القرية، وكانوا حلقة الوصل بين مسؤولي وزارة الصحة من جانب وأهالي البلدة من جانب آخر في الإشراف على المشهد العام لتشييع الجثمان، حيث تضمن إعلان أسرة المتوفاة عن حالة الوفاة رفعًا للحرج عن الأهالي "اللي هيحضر صلاة الجنازة مقدرين عزاءه، واللي مش هيحضر نلتمس له العذر وندعوه لصلاة الغائب على روحها".
الدعوة قابلها أبناء القرية بإصرار على استقبال الجثمان، ولكن في ظل تنسيق كامل من لجنة شكلها أطباء القرية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك لتوعية أهالي القرية بإجراءات مواجهة فيروس كورونا، ونصائح لدفن المتوفاة.
وفي لفتة رائعة أخرى الأسبوع الماضي كشفت عن مدى حب وتقير المواطنين للأطباء على ما يبذلونه من جهود لإنقاذ حياة المواطنين ، في ظل انتشار وباء كورونا انتشر فيديو يوضح استقبال جيران الدكتور سامح سمير، أخصائي الحميات بأسوان، بالتصفيق والزعاريد فور عودته من العمل في المستشفى العزل الصحى بأسوان، في ساعة متأخرة من الليل تقديرا له وزملائه من أطباء مصر خط الدفاع الأول ضد فيروس كورونا.
ما فعله أهالي أسوان في لفتة رائعة يمكن تسميتهم بـ "جيران الهنا"، حيث وجهوا له من شرفات المنازل، بينما انتشرت الفيديوهات عبر السوشيال ميديا بكثافة ولاقت ترحاب شديد، الأهم من ذلك هو الأثر النفسي على الطبيب، الذى روى حكاية وتفاصيل استقبال أهالى منطقته له بقوله أن من قام بتجهيز هذا الاستقبال له زوجته، "زوجتى قبل وصولى إلى المنزلى اتصلت بي وقالتلى لما تقرب تجي على البيت ابقى كلمنى، تواصلت معها بالفعل قبل الوصول بساعين ، حيث قضيت أكثر من 14 يوما بمستشفى العزل".
وأضاف أن استقبال أهالى المنطقة منحه دفعة معنوية كبيرة للغاية قائلا:" والله نسيت كل الآلم واللى شوفته مع مرضى كورونا، بعد الاستقبال ده"، قائلا:" كنت داخل المنطقة رافع رأسى، كنت حاسس أنى عامل شيء جميل للبلد دى، والحمد لله حسيت به في شعور الناس وأهالى منطقتي، اللى وقفوا كلهم يحيونني على ما اقدمه".