محمود الجندي.. عاش بشغف ومات في صمت
الأحد، 12 أبريل 2020 12:00 مهبة جعفر
"ربنا يخرجنا منها علي خير" جملة واحدة لازمت لسان الفنان الفقير محمود الجندي خلال اداء دوره الاخير في مسلسل "رمضان كريم" وكأن لسان حاله يقول أن نهايته اقتربت ويتمني أن يغادر الدنيا بالخير كما قدم إليها، ففي ايامه الاخيرة حرص الجندي علي التقرب إلي الله بعد سنوات من البعد تحت وطأة الشيوعية التي قلبت ميزان حياته رأسا علي عقب.
عاني الجندي في ايامه الأخيرة من الانكار لمسيرته المهنية الكبير في عالم الدراما والسينما فلم ينل التقدير الذي يستحقه من أهل الفن الامر الذي دفعه الي اعتزاله تاركا خلفه ميراثا كبير من الاعمال الفنية تجاوزت 350 ما بين المسلسلات والمسرحيات والافلام السينمائية، ولكن أهل الصنعة انكروا خبرته وتجاهلوا وضع اسمه وصورته علي البوسترات الدعائية للمسلسل رغم انه كان يجسد شخصية رئيسية يقوم عليها العمل، مما أثار غضبه كثيرا، ووجد الجميع يتهرب من تلك الواقعة، بل ويلقون المسؤولية على بعضهم البعض فأثر الموقف علي نفسيته وشعر بالحزن بسبب الموقف الذي حدث معه وقرر الاعتزال بعد الانتهاء من تصوير مشاهده الاخيرة في مسلسل " حكايتي" والتي وفاته المنية قبل أن يشاهده في رمضان الماضي.
لم تكن حياة الجندي مرفهة مثل باقي الفنانين فهو أبن الاسرة البسيطة فوالده رغم عشقه للفن ولكنه كان موظف بسيط وخلال دراسة الجندي في المرحلة الإعدادية ساءت ظروف والده المادية فالتحق بمدرسة الصنايع قسم النسيج، كى يستطيع الحصول على عمل بعد التخرج مباشرة لمساعدة أسرته، وبالفعل عمل الجندى بعد تخرجه لفترة قصيرة كعامل في أحد المصانع، ثم دفعه شغفه بالفن للانتساب بالمعهد العالي للسينما بالقاهرة ولكنه اخفي الامر عن والده خشية رفضه دخول المجال
رغم أن فترة شبابه كانت مختلفة فقد لمع نجمه في فترة السبعينات ولعب عدة ادوار هامة بعد أن وقف في 1979 أمام فؤاد المهندس في مسرحية (إنها حقا عائلة محترمة)، وبعدها ثبت أقدامه في عالم الفن بمسلسل (دموع في عيون وقحة) عام 1980 أمام عادل إمام.
وكانت انطلاقته القوية عام 1983 مع مسلسل (الشهد والدموع) تأليف أسامة أنور عكاشة وإخراج إسماعيل عبد الحافظ، والذي قدم فيه الجندي دوري الأب والابن ، لتستمر ادواره في التالق وووصل نجمه للسماء حيث عاش فترة تمرد وغرور وغليان فكرى خلال مرحلة شبابه، فهي بمثابة مرحلة البحث عن الذات، وبها شبه غرور بأن كل حاجة أنا اللى بعملها بمجهوداتى، ولحظة الغرور خلتنى اتجه إلى فترة تمرد، وأن مكتبته كانت مليئة فى هذه الفترة بكتب تدفع الي الإلحاد، الغرور الذي عاشه ابعده كثيرا عن الطريق الصحيح حتي افاق في لحظة فارقة اغمض عين الدنيا ليفيق علي حقيقة الاخرة، فمنذ اندلاع الحريق في شقته ووفاة أم ابناءه وزوجته الاولي ضحي حسن اثر اندلاع الحريق حتي تحولت حياته رأسا علي عقب فيقول الجندي عن هذا الموقف توفي صديق عمري مصطفى متولى، قبل الحريق بفترة فالحادثتين خلونى أشوف إن الدنيا مش مستمرة وسألت نفسى أنا عملت إيه وأنا ماشى صح ولا غلط، لكن مش الحادثة بس اللى خلتنى أرجع للإيمان، وأنا بطفى فى الحريق بصيت على مكتبتى لقيت الكتب والجرايد اللى كتبت عنى وكل شغلى بيولع، لكن الجزء اللى فيه الكتب الإلحادية كانت بتولع بشكل فيه تحدى وأدركت إنها رسالة من ربنا، وهنا قلت أنا راضى باللى ربنا يكتبه".
تحولت حياة الجندي بعد هذا الموقف وتحولت ادواره ليصبح بمثابة المرشد الديني في كافة ادواره فلا يمكن ان تنسي دوره في فيلم " واحد من الناس" والذي كان. بمثابة البوصلة لنجله في الاتجاة نحو الله والصلاة وكذلك دوره في مسلسل رمضان كريم حيث دور امام المسجد والذي كان صوته منفرا لا يشجع الناس علي الصلاة ولكنه تعلم وتدبر الامر واستطاع ان يعدل من نفسه ليتحمل المسئولية الدينية الصحيحة، لتكن ادواره هذه بمثابة الختام المسك لمسيرته الفنية
وفي (11 إبريل) استيقظ المصريين علي خبر وفاة ابن مركز ابو المطامير بالبحيرة، عن عمر ناهز 74 عاما، بأحد مستشفيات مدينة السادس من أكتوبر، وتشيع الجنازة من مسجد الشيخ عبد الحكم بمسقط رأسه بمركز أبو المطامير بالبحيرة.
وبعيدا عن المسلسلات والسهرات التلفزيونية والمسرحيات، كان معروف الجندي بصوته العذب وغناء المواويل، الأمر الذي شجعه على تقديم ألبوم غنائي باسم (فنان فقير) عام 1990، لكنه لم يستثمر في ،موهبته الغنائية، وكانت فرقة ابو المطامير لاكتشاف المواهب الفنية هي الاستثمار الحقيقي للفنان الفقير وهي مشروعه المربح مع الدنيا ليرحل في صمت بعد ازمة قلبية هاجمته لتكتب نهاية قصته مع الدنيا.