من الملاريا والكوليرا إلى كورونا.. تاريخ مصر في مواجهة الأوبئة
الأربعاء، 08 أبريل 2020 03:55 مأمل عبد المنعم
مرت مصر بالعديد من الأوبئة على مر التاريخ وقامت بمواجهتها، وكان أخر هذه الأوبئة المعدية فيروس "كورونا"، الذي أعطى الرئيس عبد الفتاح السيسي لصحة المواطنين الأولوية القصوى لحمايتهم من الوباء والمتابعة الموقوتة لإجراءات مكافحة انتشار فيروس كورونا، وذلك بإعلانه على صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وبعدها أصدر رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 768 لسنة 2020 متضمنا العديد من الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية لمواجهة هذا الوباء العالمى، فأمر الرئيس السيسي بشن حملات التوعية المستمرة للمواطنين من مختلف الفئات، بهدف الإرشاد وتوفير المعلومات والبيانات الحقيقية بدقة، فضلاً عن العمل على الاكتشاف المبكر لأي حالات مشتبهة، وغلق كافة المطاعم و النوادي الليلية والصحية وحمامات السباحة الموجودة بجميع الفنادق.
كما تقرر تعليق جميع الفاعليات والحفلات والمناسبات الاجتماعية داخل عموم فنادق البلاد حتى 15 أبريل المقبل، على أن يتم خلال هذه الفترة استكمال أعمال تعقيم وتطهير كافة المتاحف والمناطق الأثرية والفنادق على مستوى الجمهورية.
وتعليق الصلوات والتجمعات بالمساجد، والأنشطة الرياضية في مصر، و تعليق الدراسة بالمدارس والجامعات، و قرار بتخفيض عدد الموظفين في الدولة، بالإضافة إلى فرض حظر التجوال.
وخلال السطور القادمة نقدم أبرز الأوبئة التي انتشرت في مصر وطرق مواجهتها عبر الفترات الزمنية من التاريخ:
الملاريا
أكد مجدي شاكر كبير الأثريين المصريين، أن الملاريا دخلت في مصر القديمة عبر الغزوات العسكرية، حيث يرجح إصابة الملك توت عنخ آمون أحد ملوك الأسرة الـ18 بهذا المرض، كما توفيت إحدى زوجات الملك رمسيس الثاني أحد ملوك الأسرة الـ19 لإصابتها بوباء الملاريا".
وأشار الخبير الأثري إلى أن الفراعنة بدأوا ممارسة ما يسمى بـ"الطب الوقائي" للحماية من الأمراض المعدية، خاصة بعد إصابة ووفاة عدد كبير من سكان مدينة تل العمارنة بالمنيا صعيد مصر وقتها بمرض الملاريا.
ونجح الطبيب "الكاهن سخمت" في وضع علاج لأمراض الملاريا والجدري كما تشير بردية إيبرس والممارسات الطبية التي تعد أقدم وثيقة علاجية في التاريخ يعود عمرها لأكثر من 3500 عام.
طرق الوقاية
ولجأ المصري القديم إلى المياه كوسيلة تحميه من الإصابة بالأمراض؛ ما جعل نهر النيل شيئا مقدسا والحفاظ عليه جزءا من العقيدة الفرعونية.
ويسرد شاكر قائلا: "كانت النظافة طقسا يمارسه المصري القديم باستخدام المياه في التطهير من الأمراض، وأصبح غسل الأيدي والملابس والمأكولات درعا أولى للحماية من الأوبئة؛ لذا قدس نهر النيل وأطلق عليه اسم "حابي."
وامتد استخدام المصري للمياه لتعقيم المعبودات والملوك ونثرها أمام المنازل والبيوت كرمز للحياة بصحة جيدة دون أمراض معدية.
وتدريجيا أصبح السلام برفع اليد لأعلى فقط دون تلامس، التحية السائدة للمعبودات والملوك، بعد إدراك المصريين أن السلام بالأيدي وسيلة لنقل الأمراض.
كما برع في تصميم منازل للطبقة العامة بحمامات مخصصة للاغتسال وأخرى لقضاء الحاجة، وحرص على تشييدها في نهاية ممر بالمنزل، بينما في منازل وقصور طبقة الأغنياء شيد بركة المياه، بحسب وصف الخبير الأثري.
التعقيم
وعلم المصريون القدماء أن الحشرات الضارة وروث الحيوانات مصدر لنقل البكتيريا والفيروسات؛ لذا اهتموا بتعقيم منزلهم بالأعشاب والبخور، إضافة لتعقيم الصناديق الحافظة لأحشاء المتوفى بعد تحنيطه.
اتبع المصري القديم كل طرق الوقاية من الفيروسات والبكتيريا، بتخصيص 3 مرات للنظافة والاستحمام للطبقة العامة، و5 مرات للكهنة باستخدام ملح النطرون والزيوت المستخرجة من النباتات، إضافة لعادة حلق شعر الرأس والجسم للعامة مرة واحدة في الأسبوع وكل يومين للكهنة؛ ما يفسر وجود البحيرات بالمعابد".
ومن النباتات والأعشاب استخرجت مواد التعقيم مثل نترات البوتاسيوم وملح النطرون، التي استعانت به المرأة المصرية لتطهير الملابس والقصور الملكية، كما استخرج اللافندر من أوراق الأشجار لتنظيف الأسنان وعلاجها.
وأوضح شاكر أن نصيحة غسل الأيدي بالماء والصابون قبل وبعد تناول الطعام نصيحة فرعونية قديمة، واعتاد المصري القديم على عدم إلقاء نفايات منزله، بل كان يمنح بقايا الطعام للحيوانات والطيور التي يعتني بها، واستخدم بعضها في إشعال أفران طهو الطعام، ودفن غير الصالحة للاستخدام في الرمال.
الكوليرا
أصبحت الكوليرا خطرا على مصر أثناء القرن التاسع عشر حينما وسع العبور المتزايد للملاحة عبر المحيط الهندي من تسارع مرور الحجاج عبر السواحل المصرية، على الأقل نصف الأوبئة العشرة التي ضربت مصر بين 1831 و 1902 يمكن تعقب مسارها إلى عودة الحجاج، و لكن هذه الصلة لم تكتشف إلى في عام 1865، كان هناك علاقة مشتركة ما بين انتشار الكوليرا و الفقر، فلقد ارتبطت الكوليرا بمياه الشرب الملوثة، و الفقر و تدني مستوى المعيشة بشكل عام.
حيث كان أشدها فتكا عام 1831، حيث حصدت أرواح 150 ألف من المصريين ( من ثلاثة ملايين نسمة ) ، و عندما انتشر وباء الكوليرا عام 1848 تبنت الدولة إجراءات صحية، كان أبرزها إنشاء مؤسسة متكاملة للحجر الصحي، و مع ذلك قد بلغت الوفيات نحو 30 ألف حالة، و عندما ضربت الكوليرا مصر عام 1865 حصدت أرواح 65 ألف من الناس، و قد هرب الخديو إسماعيل و حريمه و حاشيته إلى اسطنبول انذاك.
الجدري
فوض محمد علي عددا من الأطباء الفرنسيين عام 1824 بالتنقل في الريف لتطعيم الأطفال و تدريب الحلاقين على ممارسة التطعيمم، و أصدر أوامره في عام 1824 بجعل التطعيم إجباريا في المطاعم و المدارس و المصانع و مختلف المشروعات و الهيئات الحكومية التي تضم أعدادا من العمال .
و من الطريف أنه انتشر بين الفلاحين أن التطعيم يعد حيلة من الحكومة " لوضع علامة " على أبنائهم لتجنيدهم في المستقبل، و رغم المقاومة من الأهالي في البداية، إلا أنه مع استمرار الجهود الحكومية في تأسيس مراكز للتطعيم في الأقاليم، يقوم على هذه المراكز حكيمات لتشجيع النساء و الأطفال على الإقبال على التطعيم، و بإنشاء مركز للتطعيم في القصر العيني عام 1856، لم تلبث هذه المقاومة أن انتهت تدريجيا بعد أن لاحظ الناس نتائج التطعيم ، فصارت النساء يذهبن تلقائيا لتطعيم أطفالهم .
التشريعات
كما ذكرت الدراسة المعدة من المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، أن في عام 1889 صدر الأمر العالي الصادر في 31 يناير سنة 1889 بشأن الرقابة الصحية على الأشخاص القادمين للقطر المصري من جهة موبوءة ببعض الأمراض المعدية، ومن ثم تكون مصر عام 1889 أول دولة في التاريخ الإنسانى للمجتمع الدولى وقبل نشأة المنظمات الدولية تقر نظام الرقابة الصحية على الأجانب القادمين إليها حماية للمصريين من الأوبئة من دول أخرى برا وبحرا قبل اختراع الطائرة من الأخوين أورفيل وويلبر رايت عام 1903، ثم الأمر العالي الصادر في 17 ديسمبر سنة 1890 بشأن التطعيم الواقي من مرض الجدري المعدل الأمر العالي في 6 أغسطس سنة 1897 وبالقانون رقم 9 لسنة 1917.
القرن العشرين
في نهاية القرن التاسع عشر ومع بداية القرن العشرين وقبل الحرب العالمية الأولى التى بدأت 28 يوليو 1914 حتى 11 نوفمبر 1918صدر في مصر القانون رقم 1 لسنة 1906 بشأن نقل الخرق، ثم القانون رقم 15 لسنة 1912 بشأن الاحتياطات الصحية من الأمراض المعدية والقوانين المعدلة له، ثم القرار الصادر من وزارة الداخلية بتاريخ 14 يونيو سنة 1914 بشأن المراقبة على الحجاج.
البستاكوز
ثم القانون رقم 10 لسنة 1917 بشأن الاحتياطات التي يعمل بها للوقاية من الكوليرا، الذى عُدل بالقانون رقم 3 لسنة 1927، وقبل الحرب العالمية الثانية التى بدأت 1 سبتمبر 1939 وانتهت في 2 سبتمبر 1945، صدر القانون رقم 21 لسنة 1920 بشأن جلب فرش الحلاقة للقطر المصري المعدل بالقانون رقم 18 لسنة 1928؛ ثم المرسوم الصادر في 21 مايو سنة 1930 بمنع انتشار مرض الكوليرا البستاكوز بين الإنسان والطيور.
الدفتريا
ثم القانون رقم 109 لسنة 1931 بشأن التطعيم باللقاح الواقي من الأمراض المعدية؛ ثم القانون رقم 24 لسنة 1940 بتاريخ 25/4/1940 بشأن الالتزام بالتحصين بالحقن الواقي من الدفتريا، إلى عُدل بالمرسوم بقانون رقم 307 لسنة 1952، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، صدر القانون رقم 143 لسنة 1947 بتاريخ 6/10/1947 بشأن تخويل وزير الصحة العمومية بعض الاختصاصات المبينة بالمرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين ؛ ثم القانون رقم 144 لسنة 1947 بشأن تداول الطعم الواقي من مرض الكوليرا؛ ثم القانون رقم 149 لسنة 1947 بفرض بعض القيود للوقاية من الكوليرا؛ ثم القانون رقم 150 لسنة 1947 بفرض عقوبة على مخالفة أوامر الاستيلاء والتكاليف الصادرة في سبيل مكافحة وباء الكوليرا؛ ثم القانون رقم 953 لسنة 1947 باتخاذ تدابير للمحافظة على الصحة العامة عند ظهور وباء الكوليرا أو الطاعون.
الدرن
ثم القانون رقم 158 لسنة 1950 بمكافحة الأمراض الزهرية، ثم القانون رقم 123 لسنة 1956 بالتحصين الإجبارى ضد الدرن، ثم القانون رقم 137 لسنة 1958 بشأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية بالإقليم المصري.