هل فيرس كورونا يحل المتعاقدين من شروط التعاقد لاستحالة تنفيذها؟
الوضع الحالي الذي يفرضه انتشار فيروس كورونا المستجد – كوفيد 19- على المعطيات الاقتصادية ليس فقط في وطننا مصر الحبيبة، وإنما على مستوى العالم كله، يتطابق وشرط القوة القاهرة أو الظروف الطارئة التي تحل المتعاقدين من شروط التعاقد لاستحالة تنفيذها، فلكي يسأل المدين عقديا يجب أن يكون قد أخل بالتزامه العقدي، ومن صور ذلك الإخلال، عدم التنفيذ في الوقت المتفق عليه وهو ما يتم وصفه بالتماطل، وهو الأمر الذى سيكون محل نزاع خلال الفترة القادمة بين المتعاقدين أو الملاك والمستأجرين أو أصحاب البيع والشراء فى عملية تنفيذ التزاماتهم تجاه بعضهم البعض.
هل تعفى كورونا المستاجر من التزامه بدفع الايجار فى الميعاد المحدد بالعقد؟
فى التقرير التالى، نلقى الضوء على إشكالية تنفيذ الالتزام العقدى بين البائع والمشترى أو المالك والمستأجر فى ظل أوضاع القوة القاهرة والظروف الطارئة التى يعبشها العالم أجمع خلال هذه الأيام حيث أن المسؤولية العقدية، قد ترتفع عن صاحبها إذا ما تمسك بأحد الأسباب الأجنبية عنه، والتي تمثل في جوهرها كل الظروف والوقائع المادية أو القانونية، التي يمكن للمدعى عليه في دعوى المسؤولية المدنية أن يستند إليها لكي يثبت أن الضرر لا ينسب إليه، ولا دخل له فيه، وإنما هو نتيجة حتمية لذلك السبب، وفق المحامي سامى البوادى.
يقول الخبير القانوني، إنه يجب أن نربط العلاقة بين المالك والمستأجر أو البائع والمشترى وهى ما تعرف بالالتزامات العقدية بنظرية القوة القاهرة وهى صورة من صور السبب الأجنبي الذي ينفي علاقة السببية بين فعل المدعى عليه، وبين الضرر الذي لحق بالمدعي، أي أنه يمثل كل حادث خارجي عن الشيء لا يمكن توقعه، ولا يمكن دفعه مطلقاً، ببعيد عن التطابق والتماثل عما نحن فيه الآن حيث أصبح لفيروس كرورنا – كوفيد 19 - أثر من الناحية القانونية على الوضع الراهن في العالم عامة، وفي البلاد خاصة، وذلك بعد تطوره وسرعة انتشاره، مما أدى إلى قيام الحكومة، باتخاذ جملة من الإجراءات حيال القادمين من بعض الدول، وكذلك على بعض الأنشطة التجارية في البلاد التي تشتد فيها التجمعات كإغلاق المقاهي والمطاعم والصالونات وصالات السينما والأفراح، نتيجة الأحداث الاستثنائية التي وقعت على نحو مفاجئ، مما شكّل حالة يمكن تسميتها بـ "القوة القاهرة" في البلاد – وفقا لـ"البوادى".
الشروط الثلاثة لحالة القوة القاهرة
والإجراءات التي اتخذتها الحكومة حيال هذا الوباء تأتي لمواجهته وخشية انتشاره على نطاق أوسع، حفاظا على الصالح العام، إلا أن هناك مصالح خاصة للأفراد والشركات يجب حمايتها في عدة مجالات، ومنها ما يتعلق بمسألة إعفاء المستأجرين من أداء الأجرة أو تخفيضها إلى حدود تتناسب مع عدم حالة الانتفاع للنشاط التجاري في البلاد، وها نحن نري كل حكومات العالم تطالب مواطنيها بالبقاء بالمنزل وعدم المخالطات ووقف التعامل المباشر مؤقتا، وتنشأ القوة القاهرة إما عن فعل الطبيعة، كالزلازل والصواعق والفيضانات والثلوج، أو عن فعل الإنسان،
وللقوة القاهرة ثلاثة شروط لا بد من توفرها لسقوط المسئولية وهي :
1ـ عدم إمكانية توقع الحادث: ومعيار عدم التوقع معيار موضوعي يتطلب أن يكون عدم التوقع مطلقاً، فلا يكفي فيه أن يكون غير ممكن التوقع من جانب المدين، وإنما أيضاً يجب أن يكون غير ممكن التوقع من جانب أكثر الناس حيطة وحذراً.
ويترتب على ذلك أنه إذا كان الحادث متوقعاً، فإنه لا يعفي من المسؤولية، ومثال ذلك سقوط الثلوج في فصل الشتاء في مدينة معروف عنها حدوث ذلك كل موسم هو أمر متوقع ومن ثمّ لا يعد قوة قاهرة، ويختلف الوقت الذي يجب أن يتوافر فيه عدم إمكانية التوقع تبعاً لنوع المسؤولية، ففي المسؤولية العقدية يجب أن يكون الحادث غير ممكن التوقع لحظة انعقاد العقد، أما في المسؤولية التقصيرية فيجب توافر عدم إمكان التوقع لحظة وقوع الحادث.
2ـ استحالة دفع الحادث فلا يكفي لقيام القوة القاهرة عدم إمكانية توقع الحادث، بل يجب إضافة لذلك أن يستحيل دفعه، ومعنى ذلك أن الحادث يجب أن يؤدي إلى استحالة تنفيذ الالتزام استحالة مطلقة، فإذا استطاع المدين دفع الحادث ولم يفعل، فلا يعفي هذا الحادث المدين من المسؤولية حتى لو كان غير ممكن التوقع.
ولا فرق هنا بين أن تكون استحالة تنفيذ الالتزام مادية، كالزلزال، أو أن تكون الاستحالة معنوية، كما لو التزم شخص بالقيام بعمل معين في يوم محدد، وأخل بذلك نتيجة وفاة والده، ومن ثمّ تعفي من المسؤولية إذا كانت غير ممكنة التوقع أيضاً، وهذا الشرط هو تطبيق للقاعدة القائلة: "لا التزام بمُحال".
3ـ أن يكون الحادث خارجياً: أي إلا يكون هناك خطأ من المدعى عليه، فإذا تسبب المدعى عليه بوقوع الحادث أو ساعد على وقوعه، فلا يعدّ الحادث قوة قاهرة حتى لو توافر فيه الشرطان السابقان؛ ومن ثمّ لا يعفي من المسؤولية، وكذلك إذا كان الحادث داخلياً بالنسبة للشيء.
فيرس كورونا لم يكن ابان التعاقدات والالتزامات
وعليه فإن للوباء العام المنتشر ويشكل عدوي وصفت بأنها – جائحة - مما دعي بالحكومات والقيادات السياسية بوقف بعض الجهات والمصالح والمشاريع وتعليق نشاطها وحث المواطنين واجبار البعض بالتدبير الاحترازية علي البقاء بالمنزل وغلق محالهم حتي زوال هذا الوباء، مما يعدو به أن يكون ظرف استثنائيا وقوة قاهرة لا دخل للأشخاص فيها ولا يمكنهم توقعها أو دفعها ولم تكن موجودة ابان اتفاقهم التعاقدي، مما يؤثر علي المسئولية العقدية ويغير مسار شروطها بما يتناسب مع هذا الظرف الاستثنائي ويساعد في تجاوزه.
خصوصا أن الإجراءات التي قد اتخذتها الحكومه يترتَّب عليها خسارة جسيمة للقطاع لاسيما المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن الجهات الخاصة التي أعلنت الدولة إغلاقها - كالمطاعم والكافيهات والانديه الصحية والصالات الرياضية الخاصة والصالونات والأندية والعيادات والمراكز الخاصَّة وغيرها من الجهات - وأصبح هناك استحالة جُزئية مُؤقَّتة لتنفيذ العقود الخاصَّة لاسيما مع فرض حظر تنقُّل جُزئي.
هل العقد شريعة المتعاقدين فى زمن الكورونا؟
فاذا كانت قاعدة "العقد شريعة المتعاقدين" المعروفة بأن ليس لأحد أن يستقل بإلغاء أو تعديل العقد أو أن يتحلل من التزاماته بطريقة منفردة، أي الالتزامات التي تقررت بمقتضى العقد الذي أبرمه بإرادته الحرة، كما أنه ليس للقاضي التدخل في تعديل العقد أو الغائه من غير رضا المتعاقدين، إلا أنه إذا حال أمر جعل هذا الالتزام صعب التحقيق لسبب خارج عن إرادة الملتزم به ولا يستطيع توقعه أو دفعه عنه اياَ كان هذا الظرف الطارئ يشكل قوة قاهرة تمنعه من الوفاء بالتزامه جاز للقضاء اعفائه من مما التزم به وامهاله الوقت الكافي لتدارك هذا الالتزام بعد زوال هذا الظرف الاستثنائي بما يحافظ علي مقدراته ومقدرات المجتمع بأسره.
وبهذا نري أن حق المُستأجر في التأخُّر عن سداد الأُجرة نظراً لهذه الظروف الاستثنائية وإغلاق الأنشطة العامة وبعض الأنشطة الخاصّة، أو في حال عدم الإغلاق ولكن بوجود تأثُّر مالي بشكل جُزئي نتيجة للظروف القائمة، حيث أنه كأصل عام وفقاً لأحكام القانون المدني وقوانين الإيجارات إذا أثبت المستأجر أن تأخُّره يرجع إلى عُذر قوي تقبله المحكمة، فيجوز للمَحكمة أن تطبق عليه اعفاء المسئولية تبعا لتأثير هذا الظرف الاستثنائي عليه، وبالتالي على المستأجرين الاحتفاظ بكل المستندات التي تُبيِّن حالة الإرهاق الذي تمر به منشأتهم.
حق المستأجر التأخر عن سداد الأجرة فى زمن الكورونا
فامكانية إعفاء المستأجر من الأُجرة أو تخفيضها، أمر يخضع لتقدير القضاء إذ أن المستاجر مُلزَم بالأُجرة مُقابل الانتفاع، وعليه فالأصل إذا لم ينتفع المستأجر بالعين بسبب أجنبي أو ظرف طارئ فهو غير مُلزَم بسداد الأُجرة - بناءً على الاتفاق الودّي أو قضاء المحكمة - وبالرجوع لأحكام القانون المدني، نجدها عالجت مثل هذه الظروف بالإشارة إلى أن قرارات السُلطة العامة التي تُؤدّي إلى نَقْصٍ كبيرٍ في انتفاع المُستأجر تُعتَبر من قبيل القوّة القاهرة وتُجيز للمُستأجِر أن يطلُب إنقاص الأُجرة.
ماذا لو كان النقص فى الانتفاع يسيراَ؟
أما فى حال إذا كان النَقْص في الانتفاع يسيراً، فإنه لا يكون ثمة مُبرر لا للفسخ ولا لإنقاص الأُجرة، وبالرجوع ذات القانون يُستبان أن الإغلاق إذا كان مُؤقتاً فهو حادث طارئ يُجيز معه للمُستأجر اللّجوء للمحكمة لطلب وقف تنفيذ الالتزامات مُؤقّتاً، وذلك في حال عدم مُوافقة المالك رِضاءً، أيّ يقتَصِر وقْفِ الإيجارِ إلى حين زوال الطارئ وتستأنِف الالتزامات المؤجّلة سيرها.
وفي كل الاحوال فإن هذا الأمر خاضعٌ لتقدير المحكمة، فهي لها الرُخصة بإعمال نظرية الظروف الطارئة، وأن وقف الإيجار أو الالتزامات في العموم ليس حقاً مُكتَسباً أو تِلقائياً بل نتيجة ظروف استثنائية تخضَع لتقدير المحكمة التي ستفحص الوقائع حال النزاع وتُقرِّر إعمال نظرية الظروف الطارئة والقوَّة القاهرة من عدمه، ويُنصَح التعاون بشكل ودّي مع المالك، وإن لم يستَجب فالمحكمة هي الفصل.
ماذا عن إمكانية تخفيض الأجرة؟
وحول إمكانية طلب تخفيض الأُجرة، فأنه وفي ظل حث الجهات المعنية الجمهور على عدم الخروج وتعطيل الجهات العامة وبعض الأنشطة الخاصّة في البلاد، مما يؤدي لعدم الانتفاع بالعين المستأجَرة لمُمارَسة النشاط بالشكل المعتاد، فمن الممكن مُطالَبة المالك بتخفيض الأُجرة إلى حين زوال أسباب الظروف الطارئة والقوَّة القاهرة، لافتة في الوقت ذاته إلى أن إعمال حالة - الظروف الطارئة - هو أمر جوازي أيضا ورُخصة تقديرية مُخوَّلة لمحكمة الموضوع في نهاية المطاف، ومناط تقديرها هو توافر وتحقق شروط القوة القاهرة الثلاث التي استعرضناها.
المحامى سامى البوادى
إذ أن القاعدة العامة الأولي بالرعاية والتطبيق منوطه بالعمل أن يبقى كل من المتعاقدين قادراً على تنفيـذ التزاماته من دون ضرر يلحقه وعليه، إذا حل بأحد المتعاقدين عذرٌ أو تغيرت الظروف التي تم فيها إبرام العقد بحيث أصبحت تؤدي إلى اختلال في التوازن الاقتصادي بين الطرفين أو تجعل تنفيذه مرهِقاً أو مضرّاً بأحدهما، يصبح تنفيذ هذه الالتزامات جائراً على الطرف المتضرر، وينبغي تعديل العقد إلى الحد الذي يُرفع به الضرر، أو فسخ العقد حسب طبيعته والظروف التي تغيّرت ووفقاً لمصلحة المتعاقدين.
السؤال الذي يطرح نفسه هو متى يتم تقدير شرط "عدم توقع الحدث" أي فيروس "كورونا" من قبل القضاء؟
مبدئيا يتم ذلك بالنظر إلى تاريخ إبرام العقد وهو ما قررته محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 29/12/2009 بمناسبة قضية تتعلق بوباء "chukungunya" الذي ظهر خلال يناير 2006، معتبرة أن شرط - عدم التوقع - الذي يبرر فسخ العقد لم يتحقق مادام أن الاتفاق تم غشت 2006 أي بعد ظهور الوباء بأشهر.
توجه قضائي نستشف منه أن هذا الإشكال لن يطرح الآن بمناسبة فيروس "كورونا" بالنسبة للعقود القديمة، لكن التساؤل سيطرح بالنسبة للعقود التي أبرمت بعد ظهور هذا الوباء، وهنا أيضا نتوقع حدوث نقاش جاد حول التاريخ الواجب اعتماده لإعلان ظهور فيروس كورونا، هل تاريخ إعلانه بالصين؟ أم بالبلد الذي توجد به الشركة التي تتمسك بالقوة القاهرة؟ أم التاريخ الذي حددته منظمة الصحة العالمية؟
إشكالية تحديد المناطق المصابة بالوباء؟
إن مسألة تحديد المناطق هاته ليست بالسهلة أو اليسيرة لاختلاف المعايير، وقد أثير هذا الإشكال سابقا في نزاعات تتعلق بقضايا الأسفار، حيث تم رفض السفر إلى مناطق قريبة، ومحاذية لأماكن وصفت بالخطيرة لانتشار وباء صحي بها، حيث اعتبرت محكمة باريس أن الخطر الصحي لم يكن قاهرا وموجودا بدولة التايلاند وأنه لم يكن مقبولا اعتبار السفر إلى هذا البلد مستحيلا "حكم بتاريخ 4/5/2004".