بثٌ مباشرٌ لـ"يوم القيامة"!!
الأربعاء، 01 أبريل 2020 05:12 م
"أيها الأخوة المؤمنون، ننتقل الآن إلى إذاعة خارجية على الهواء مباشرة لنقل أهوال يوم القيامة.. الميكرفون مع الزملاء: ......".. هذا باختصار هو محتوى إذاعة القرآن الكريم، منذ بدأ الحديث عن "فيروس كورونا". مَن يتابع الشبكة التى احتفلت بذكرى إنشائها الـ 56 قبل أيام، سوف تتملكه حالة من الهلع والفزع. المذيعون والمشايخ، إلا قليلاً منهم، يتبنون "خطاباً ترويعياً" يُشعرك أن " يوم القيامة على الأبواب"، وما عليك إلا أن تستعد للتعامل مع ملائكة الحساب. ها هو أحدهم يبدأ البث المباشر قائلاً: " أزفت الآزفة، ليس لها من دون الله كاشفة، لقد قامت القيامة، والناس بين إقبال وإدبار، الأمر عظيم جداً، والهول شديد جداً"، فيلتقط زميله الميكرفون تالياً من كتاب الله: " وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ/ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ/ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، ثم مُعقباً: " لقد انتهى كل شئ، والنار تطلب المزيد من العصاة والمذنبين"، قبل أن ينتقل الميكرفون إلى مراسل مرابط أمام جهنم، يسعى إلى إجراء حوار مع خازن النار "مالك"، يستفسر منه عن الأعداد التى دخلت النار، والتى من المقرر أن تلحق بها خلال الساعات القليلة الماضية، وفى الخلفية أصوات تردد: " ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك، قال إنكم ماكثون". ما هكذا تدار الأبل، أيها الأكارم، فى إذاعة القرآن الكريم. فى مثل هذه الظروف الاستثنائية التى تمر بها الإنسانية، فى عموم الدنيا، ما يجب أن يكون الخطاب الغالب على أثير الإذاعة الإسلامية الأقدم، خطاباً منفراً مثيراً للرعب. لا ينبغى أن تكون متابعة إذاعة القرآن الكريم فى مثل هذه الأيام أشبه بمشاهدة فيلم رعب ثلاثى الأبعاد. يبدو أن القائمين على أمر الشبكة تعاملوا مع هذه الأمر بـ "منطق وعظى بليد"، فانتهزوا الفرصة لتصدير شحنة كبيرة من الغضب والخوف لمستمعيها؛ ظناً من عند أنفسهم أنهم على الحق المُبين، ولو فكروا ملياَ لأعدوا للأمر عدته، وتخيروا كلماتهم، ومحتوى برامجهم، بعيداً عن أجواء الحداد والعويل. حتى الأدعية والابتهالات والتلاوات القرآنية كان يمكن اختيار ما يصنع الأمل فى نفوس الناس بزوال الكرب، واقتراب فرج الله، وما أكثر الآيات والأحاديث التى تحث على التفاؤل والأمل وحُسن الظن بالله. يكفى حديث رسول الله: "إذا قامت القيامة، وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، دليلاً على أن الإسلام دين البشرى وليس النذير.
بكل اطمئنان.. يمكن القول: إن إذاعة القرآن الكريم، بما وراءها من تاريخ عريق، وحاضر متكاسل متخاذل، فشلت فشلاً ذريعاً فى "اختبار كورونا"، ويبدو أنه ليس فى الإبداع مما كان، وعلى المتضرر أن يهجرها هجراً جميلاً إلى الإذاعات والفضائيات الدينية العربية التى لا تزال قادرة على الابتكار والإبداع، وهو فشلٌ يُضاف إلى فشلها فى تجديد الخطاب الدينى، وفشلها فى أمور كثيرة. لم تعد الإذاعة مشغولة برفع مستوى كوادرها والتركيز فى تقديم محتوى إعلامى معاصر متميز ومتجدد وحيوى، ولا يبحث القائمون على أمرها، أو كثيرٌ منهم، سوى عن مصالح شخصية، مثل: جلب الإعلانات وتقديمها بأصواتهم، أو كما نرى فى السنوات الأخيرة حِرص المسؤول الأول فيها "رئيس الشبكة" على تقديم برامج وفقرات سطحية لا جدوى منها، وهذا ليس لوجه الله بطبيعة الحال. رئيس الشبكة الحالى يواظب منذ قدومه على تقديم أحاديث نبوية بصوته قبيل كل أذان، وهو عمل يخلو من أى إبداع، ويستطيع أى "مذيع مستجد" أداءه، ربما بصورة أفضل. إذاعة القرآن الكريم تصرُّ إصراراً غريباً على أن تكون ماضياً، مُجرد ماضٍ، أما الحاضر والمستقبل، فقد اختارت، رغم ما تمتلكه من كوادر وأصوات شابة ممتازة، الغياب وترك الساحة لغيرها، ولله الأمر من قبل ومن بعد..