أحباب إمام الغناء.. هكذا آمنّا بالعندليب قبل أن نراه
الإثنين، 30 مارس 2020 02:48 م
للنبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، أصحابٌ وأتباعٌ وأحباب، هؤلاء قال عنهم خير خلق الله – الأحباب - : « قومٌ يأتون من بعدى يؤمنون بى ولم يروني»، وفي التراث الغنائي المصري إمام، نحن أحبابه آمنا به قبل أن نراه أيضاً، إمامٌ توفي في مثل هذا اليوم قبل 43 عاماً من الآن بالتمام والكمال، وقتها لم أكن أنا وكافة أبناء مواليد جيلي من التسعينات، سوى فكرة في علم الغيب، فلم يكن الآباء والأمهات حتى التقوا واتفقوا على تفاصيل الزيجات.
وصلنا بعد 14 عاماً من رحيله، واكتملت مداركنا وأصبحت حواسنا جاهزة للتفريق بين ما هو كلام عادي وما هو غناء على الأقل بعد سبع سنوات من الميلاد، أي بعد 21 عاماً بالتمام والكمال، من انتقال إمام الغناء عبد الحليم حافظ للرفيق الأعلى.
في التاسعة مساء، وقبل الخلود للنوم الإجباري، تنتشر موجات صوتية، تُنزلُ على المنزل سكينة وعلى رؤوس الجالسين الطير، موجات تحمل صوتاً لرجل يتحدث بكلمات مفهومة لنا على خلاف غيره من المطربين ممن لم نكن نفهم منهم سوى كلمة أو كلمتين.
أحببناه قبل أن نراه لأننا شعرنا أنه يخاطبنا بلغتنا وما نفهمه ويسهل علينا إدراكه، وقتها كنا نتعلم أن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم، الذي أعجز أهل العربية عن الإتيان بمثله رغم أنه مكتوب بلغتهم، كنا نعيد ونزيد صباحاً بأن ما من نبي نزل في قوم إلا حدثهم بلسانهم حتى يقربهم منه ويحببهم فيه، وييسر عليهم الدخول في أمته، وهو ما نجح فيه العندليب معنا.
قبل التحول من الابتدائية إلى الإعدادية، وقبل أن تخط الشوارب على الوجوه، كانت بدأ شيء من المناوشات البرئية مع ذوات الضفائر الطويلة و«الجيب» القصيرة، كنا نتبارى أمامهن في تكرار ما نسمعه ليلاً على المذياع من كلمات كتبناها على ظهر الكتب والكراسات حتى لا ننساها.
في رحلة شراء الملابس، كان أول ما تنزل عليه أعيننا ذلك البنطلون «الشارليستون» الأشهر عند العليب، والمعروف بضيقه من أعلى ووسعه من عند القدم، وتاني يوم نرتديه ونقف وقفته نردد على فتيات الصف ما نحفظه له من كلمات بنفس طريقته، التي شاهدناها في أفلام الأبيض والأسود.
وبين الإعدادية والثانوية والجامعة وما أتى بعدها، قاسم مشترك في كافة علاقاتنا العاطفية، صوت عبد الحليم الذي يفك طلاسم البدايات، وعقد الوسط، وروشتة تجاوز النهايات.
إن التبس عليك الأمر، وفشلت أخماسك وأسداسك في التمييز فانتظر، المعادلة العندليبية تقول : فاتت جنبنا + ضحكت تاني نفس الضحكة= قاصادني أنا مش هو.
أما إن كان في حياتك امرأة عيناها سبحان وفمها مـرسـوم كالعنقـود وضحكتها أنغام وورود، فاعلم عافاك الله أن مقدورك أن تمضي أبدا في بحر الحب بغيـر قلوع، وتكون حياتك طول العمر، طول العمر كتاب دمـوع.
آّمنا بعبد الحليم حافظ قبل أن نراه، على الشاشة بملامحه المصرية السمراء، وجسده النحيل، آمنا به لعذوبة صوته واتضاح كلماته وحلاوتة لحنه، وعزمه على حل مشاكلنا العاطفية باختلاف الفروق السنية بيننا، فصار حبيبنا وصرنا أحبابه نقرأ له في يوم رحيله الفاتحة ونترحم عليه، ونحيي ذكراه كل بطريقته.