سخرية المصريين من كورونا وأشياء أخرى
السبت، 28 مارس 2020 08:50 م
ما من كارثة، أو مصيبة تنزل بالمصريين، إلا وكانت سخريتهم منها حاضرة، و«التنكيت» عليها ضرورة من ضروريات استمرار حياتهم، وسلاحًا فتاكًا للتغلب على همومهم. وصارت طبيعة يتفرد بها المصريون عن بقية شعوب العالم، حتى باتوا يُعرفون بأنهم «شعب ابن نكتة»، أو «أبناء النكتة» التي برعوا في تفجيرها، والتنوع فيها.
وكما هي عادتهم في التنكيت، حتى في أشد الأزمات؛ تفرد المصريون في مواجهة «كورونا» الذي يرعب العالم، فتعاملوا معه بكثير من السخرية، حتى كاد الفيروس يشكونا في الأمم المتحدة بتهمة المعاملة غير اللائقة، والسخرية منه، والتنمر عليه..
وكذا الحال بالنسبة لـ«إعصار التنين» الذي أعلنت هيئة الأرصاد أنه سيضرب البلاد؛ فالمصريون احتفوا بالإعصار بالمحمصات والمقرمشات، ونزلوا إلى الشوارع لاستقباله و«الفرجة عليه»، والتقاط الصور السيلفي معه. تمامًا كما فعلوا ويفعلون مع «القنابل» وأسطونات الغاز المشتعلة، في مشهد حير العالم!
المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي، سيجد أن كثيرًا من مستخدميها يتداولون العديد من النكات، والفيديوهات، والصور الساخرة حول كورونا المستجد (كوفيد-19)، والإعصار، كما سبق وسخروا من كل شيء في حياتهم؛ للتعبير عن رأيهم، أو لدفع الهم عنهم، أو لتجاوز واقعهم.
ظني أن السخرية والتنكيت اختراع مصري خالص، فالضحكة عمرها من عمر حضارتنا، يخفي المصري وراءها تفاصيل حياة مليئة بالشقاء والحلاوة والمرارة والذل.. وهو ما ذهبت إليه الباحثة عزة عزت، التي نشرت مقالًا بمجلة «ذاكرة مصر» الصادرة عن مكتبة الإسكندرية، وجمعت فيه بعضًا من سخرية المصريين القدماء.
ومثلما كانت السخرية من حكامهم، كانت النكتة، ولا تزال، سلاح المصريين لمواجهة خصومهم، ومقاومة أعدائهم.. فالنقوش في المعابد القديمة تصور الهكسوس على أنهم مجموعة من الفئران.. وبعد تحريم دخول المحامين المصريين محاكم الإسكندرية؛ لأنهم كانوا يسخرون من «قضاة الرومان» ويهزأون منهم، مستخدمين النكتة والقافية، ما دفع الشاعر الروماني «ثيوكربتوس» لأن يقول عام 200 ق.م: «المصريون شعب ماكر لاذع القول، روحه مرحة».
وبالأغاني، سخر الشعب المصري من قسوة وفظاظة الاحتلال العثماني. وجاء في كتاب «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» للجبرتي: (لقد نكت المصريون على الباشا التركي وحولوه إلى أغنية لحنوها ورددوها «يا باشا يا عين القملة مين قال لك تعمل دي العملة»). ونالت سخرية المصريين من المحتل الفرنسي، لدرجة انزعاج نابليون بونابرت الذي أمر أتباعه بإلقاء القبض على من يطلق النكات على الفرنسيين.
وظهرت، أثناء الاحتلال البريطاني، مقاهي أُطلق عليها «المضحكانة الكبرى»، حيث يجلس روادها ليطلقوا ضحكاتهم عاليا، والتى تنال من المحتل البريطانى وطريقته الخشنة فى التعامل.. وأغلقتها السلطات الإنجليزية أكثر من مرة.
وهدأت السخرية بعد ثورة 23 يوليو، لكنها عادت بقوة بعد نكسة يونيو، وخلال الاستعداد لحرب أكتوبر.. وكانت لاعبًا بارزًا في تخلي الرئيس الراحل حسني مبارك عن السلطة.. كما كانت أهم الأسلحة في مواجهة الإخوان، ومرشدهم، ورئيسهم، حتى أطيح بهم من الحكم.
اختصارًا.. النكتة هبة المصريين.. ولولاها ما تحمل الشعب المصري أشياءً كثيرة كالإصلاح الاقتصادي الأخير.. أما الذين أزعجتهم السخرية من «كورونا» بزعم أنها «تؤثر سلبًا» على السياحة والاقتصاد المصري، وتشوه صورة الدولة في تعاملها مع الفيروس.. أو أزعجهم السخرية من إعصار التنين، ومن أشياء أخرى.. فظني أنهم خلطوا بين السخرية و«الأخبار الكاذبة»، والشائعات.. فالأولى متجذرة في ثقافتنا، ومُكوِّن من مكونات شخصيتنا المصرية الضاربة في جذور التاريخ.. والثانية دخيلة علينا.. وقد لا يتحمل أحد مسؤوليتها بمفرده، بل ربما تقاسمه الحكومة أوزارها وتبعاتها!