حسام عاشور وشريف إكرامى.. لماذا لم يتعلما الدرس من الكابيتانو؟!
الأحد، 29 مارس 2020 09:00 صمصطفى الجمل
حسنا فعل لاعب النادى الأهلى حسام غالى، عندما قرر اعتزال كرة القدم فى النادى الأهلى، بعدما وجد فرصته فى اللعب تتضاءل يوما بعد يوم مع الفريق الأول لكبر سنه واعتماد مدرب الأهلى وقتها على اللاعبين الأصغر سنا، وقتها كان شريف إكرامى يحرس مرمى الأهلى، ويؤمن حسام عاشور خط الوسط، وقتها كانا يمنيان النفس بأن ينهيا حياتهما بالسيناريو ذاته الذى طبقه الكابيتانو، حفل اعتزال عالمى مع وعد بكادر إدارى، يحفظ له المجىء كل يوم للنادى الذى تربى فيه منذ انضمامه لقطاع الناشئين.
وقتها لم يكن يحسب قائدا فريق الأهلى للزمن حسابا، كانا واثقين من أنهما باقيان فى الملعب حتى اللحظة التى يقرران فيها أن يسيرا على نهج الكابيتانو، إلا أن الدنيا لم تهملهما حتى يحققا حلمهما، واكتفى النادى الأهلى بخدمات أحدهما، ولم يعر الثانى الاهتمام الذى يليق به، ليقرر المغادرة بنفسه، معلنا ذلك بنفسه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى الخاصة به.
شريف إكرامى.. ابن الناس الكويسين
المنغمسون فى العمل الرياضى، والمطلعون على ما يدور بالنادى الأهلى، يعرفون أن كابتن النادى الأهلى شريف إكرامى، بعيدا عن إمكانياته كحارس مرمى، فهو يتميز بسلوك يختلف ليس عن باقى لاعبى الأهلى فقط، بل عن أغلب اللاعبين فى مصر.
شاب مثقف، قارئ نهم، درس الاقتصاد والعلوم السياسية، أفكاره مرتبة، لغته لا تلوثها الركاكة، يتحدث وكأنه سفير أو سياسى مخضرم، لا تجد عليه أى علامة من علامات الانحطاط الفكرى التى تظهر على السواد الأعظم من لاعبى الكرة.
فى لقائه التليفزيونى الأخير، مع الإعلامى سيف زاهر، أكد إكرامى الصغير على هذه الصورة العامة المأخوذة عنه، ظهر هادئا دارسا لكل كلمة ينطق بها، لم يتورط فى كلمة واحدة لا يريد أن يتفوه بها، ظهر وكأنه يجسد شخصية «على ابن الناس الكويسين» فى الفيلم السينمائى الشهير سهر الليالى.
سأله سيف زاهر بخبث مفضوح: «هل أنت راض عن رحيلك عن طريقة رحيلك عن الأهلى؟»، فقال شريف ما لم يتوقعه سيف ولا أى متابع للبرنامج: «كان على أن أحسب أولوياتى وأقيم الفترة الماضية.. أنا بقالى سنتين مابالعبش ..فى 24 شهر لعبت 14 ماتش.. وده رقم اتكسف اتناقش معاك فيه أصلا.. ومدة تعاقدى مع النادى هتخلص آخر السنة.. وعدت فترة الانتقال فى يناير وماحدش فتح معايا الموضوع فى النادى»، ليباغته سيف بسؤال آخر: «ما هو فتحى ووليد عدت فترة يناير ومكانوش جددوا وماعملوش زيك.. هل شايف إن اللى عملته ده صح احترافيا؟»... ليرد شريف حاسما الأمر بصراحة قلما تتوافر فى أى شخصية عامة: «فتحى ووليد بيلعبوا، فيه حاجة شاغلاهم أو النادى عاوزهم.. إنما انا مابالعبش.. وده وضع عادل جدا».. فجأة ترتسم الدهشة والذهول على وجه سيف، فيرمى له بسؤال آخر: «يعنى شايف إن ده وضع فير؟»، فيرد إكرامى الذى أظهر فى هذه النقطة كيف هو شخص متسق مع نفسه وعادل مع الآخرين وأبعد شخص يمكن وصفه بالأنانية: «طبعا فير.. فيه واحد بيلعب وبيأدى كويس جدا وحارس دولى ومنتخب مصر وعامل شغل رائع.. أنا باحط نفسى مكان الشناوى، أنا قاعد ليه مهما كان الاسم الموجود برة».
فى اللغة تعلمنا فى درس المعرفة والنكرة أن الأخيرة تفيد فى أحيان كثيرة التحقير، قرر إكرامى ابن الناس الكويسين تعريف صديقه ومنافسه والسبب الأول فى رحيله عن ناديه، وتنكير نفسه قال «أيا كان الاسم»، ضرب إكرامى درسا عظيما فى الإيثار على النفس، ليس بهدف سوى أن يقيم العدالة فى الأرض، ولو كان هو نفسه متضررا من ذلك.
فى صراحة قد تكلفه خسارة بعض العلاقات، تحدث شريف عن لاعبين يثار حولهما الكثير من الجدل خلال الفترة الماضية، وهما كهربا وصالح جمعة، عن الأول قال إنه تسبب فى مشكلة كبيرة فى مباراة الأهلى والزمالك ليس غيرة على فانلة النادى الأهلى ولكن لأمور شخصية بداخله، مؤكدا أنه عنفه بسبب هذا الموقف، مما تسبب فى «قمصة» كهربا منه.
أما عن صالح جمعة، فقال شريف إن مشكلة صالح فى طريقة حياته، هو يرى ماهو غير عادى عند كل اللاعبين عادى عنده، سواء كان الأمر متعلقا بخروج أو سهر أو ما إلى ذلك، وأنه رغم أنه يرى صالح مخطئا فى أمور كثيرة إلا أنه لا يرغب فى الحديث كثيرا عن هذا الأمر حتى لا يقصى على أى فرصة له للعب حتى لو خارج النادى الأهلى.
تحدث شريف بثقة كبيرة، وكأنه سيعود يوما للنادى الأهلى، ليس كحارس مرمى ولا مدرب ولا إدارى ولا مدير فنى، ولكن كرئيس للنادى، تربى فى جدرانه ويعرف مبادئه ومتمرس على قيمه، ويعرف كيف يتعامل مع الأمور بمنتهى الاتزان والعقلانية بعيدا عن الغوغائية، التى تفسد كثيرا من مسيرة الرياضيين.
حسام عاشور.. اتكسر المسمار
إن كان شريف إكرامى اختار مصيره بيده، فحسام عاشور فوجئ بأن الزمن دار، وأتى اليوم ليعلم باستغناء النادى عنه، بناء على قرار المدير الفنى رينيه فايلر، لتجد لجنة التخطيط نفسها أمام مأزق كبير بين رغبتها فى التجديد للاعب النادى التاريخى، والوحيد بين كباتن الأهلى الذى لم يرتد سوى فانلة الأهلى، ورغبة المدير الفنى الديكتاتور الذى لا يقبل التدخل فى قراراته من قريب أو بعيد.
وجدت اللجنة فى عرض الاعتزال على اللاعب مع تكريمه وإقامة مباراة عالمية له، وإرساله للدراسة بالخارج تمهيدا لتعيينه ككادر إدارى حلا وسطا، إلا أن ذلك لم يعجب عاشور الذى أبدى فى تصريحات صحفية عقبت جلسته مع لجنة التخطيط دهشته الشديدة من موقف النادى الأهلى معه بشأن تجديد عقده، موضحا أنه لم يتخيّل أن يتعامل معه النادى بهذا الشكل بعدما أبلغه مسئولو القلعة الحمراء رفضهم استمراره مع الفريق.
وأكد حسام عاشور أنه أبلغ مسئولى القلعة الحمراء بأنه لن يعتزل حاليا وقادر على البقاء لمدة موسمين مقبلين على أقل تقدير، رافضا فكرة إجباره على الاعتزال فى التوقيت الحالى لأنه مازال قادرا على العطاء، وأوضح عاشور أنه سيبحث مصيره خلال الفترة المقبلة وسيُحدد مستقبله وفقا للعروض التى يتلقاها، وعلق على هذا الأمر، مؤكدا أن كل شىء وارد بشأن اللعب لأى ناد، فى التلميح إلى أنه قد يقبل اللعب لنادى الزمالك الغريم التقليدى للنادى الأهلى.
لجنة التخطيط للكرة بالأهلى برئاسة محسن صالح، لم يرضها موقف عاشور وتسريبه أخبار الجلسة، فردت عليه ببيان آخر، قالت فيه إنها عقدت اجتماعا عصر اليوم مع حسام عاشور أبلغته فيه بأن الخيارات الفنية للمدير الفنى للفريق، التى ينوى الاعتماد عليها خلال الفترة المقبلة لن يكون عاشور من بينها، وإزاء رؤية المدير الفنى، الذى لا يتدخل أحد فى مسئولياته كعادة الأهلى على مدى تاريخه، وأمام تقدير لجنة التخطيط للكرة وقبلها مجلس إدارة النادى، برئاسة محمود الخطيب، للنجم حسام عاشور وتاريخه الكبير ومسيرته التى يشهد لها الجميع.
وقالت إن الاجتماع بحضور زكريا ناصف وخالد بيبو عضوى اللجنة، وسيد عبدالحفيظ، مدير الكرة، وأمير توفيق مدير التعاقدات، مع عاشور، للتأكيد على تقدير الحميع لما قدمه هذا النموذج الرائع من اللاعبين، والذى لم يدخر جهدا فى رفعة اسم ناديه، وكان القدوة والمثل فى الانضباط والالتزام.
وخلال الاجتماع قامت اللجنة بشرح الموقف كاملا، وأن النادى وقياداته لا يتمنى أحد منهم أن ينهى عاشور مشواره الكروى خارج الأهلى، وأن مجلس الإدارة الذى قرر فى السابق عدم إقامة مباريات اعتزال بعد تطبيق نظام الاحتراف ينوى إعادة النظر فى هذا القرار بالاستثناء، وأن تقام مباراة اعتزال تليق باسم عاشور وتاريخه، ويتم تسويقها على مستوى عالٍ لتحقيق العائد الأدبى والمالى للاعب فضلا عن استعداد النادى بأن يتحمل كافة تكاليف سفر عاشور للمعايشة والدراسة بالأندية الأوروبية لتأهيله فنيّا أو إداريّا حسبما يقرر، ويكون أحد الكوادر الواعدة بالنادى خلال المرحلة المقبلة.
كما أبلغت اللجنة عاشور بأن النادى ومجلس إدارته لن يتأخر فى أى خطوات تأهيلية أخرى تكون داعمة لمسيرته فى المستقبل، بالإضافة للعمل فى قناة النادى.
بلغة الكرة والأرقام حسام عاشور، يتبقى له على أقصى تقدير موسم كامل فى الملاعب، ولا سيما بعد المردود غير الجيد الذى قدمه فى آخر مواسمه مع الأهلى، وأسهم فى ضياع بطولتى إفريقيا، فلا أحد ينسى للمسمار أداءه الكارثى أمام الترجى فى رادس، والذى تسبب فى تلقى الأهلى ثلاثة أهداف نظيفة، أنهت حلم حصوله على البطولة السمراء الأغلى فى القارة.
قبل عاشور وإكرامى، كان هناك نماذج مصرية، وعالمية آثرت إنهاء حياتها الكروية داخل أنديتها الكبيرة، حفاظا على ما حققوه من بطولات وما سطروه من تاريخ طويل، يمكن لمباراة واحدة في أى ناد آخر أن تمحوه.