كورونا.. شرطي في حانة المخمورين
الثلاثاء، 24 مارس 2020 12:45 م
تاريخيا، خاض البشر حروبا خلفت مئات الآلاف من الضحايا، ما بين قتلى ومصابين عاشوا ما تبقى من حياتهم يتمنون الموت للخلاص من الآلام الجسدية والنفسية، التي ألمت بهم، غير أنهم اليوم يخوضون حربا أشمل وأعمق، والتي رغم بشاعتها إلا أنها تؤصل لحقيقة وحيدة وهي أن العالم كله في جبهة واحدة، تقاتل شعوبه جنبا إلى جنب عدوا «آخر» للمرة الأولى.
في الحروب السابقة «الغبية» كنا نتصارع، فحياتي مقابل حياتك.. أنا وأنت عدوان، أما الآن فأنا وأنت جسد واحد منهك يحاول الفرار من قاتل لا يرحم.. قاتل بحجم فيروس لا يرى بالعين المجردة، لكنه أكثر جنونا من هتلر، وأكثر دموية من القيصر الروسي إيفان الذي كان يتفنن في القتل والتعذيب، حتى أنه يعرف بـ«إيفان الرهيب».
الآن لا وقت لخلاف سياسي ولا أيديولوجي أو عرقي، ولا وقت لتصنيف.. فكلنا في الهم «إنسان».
اليوم يمكنك سماع أكثر الناس تشددا في الشرق وهو يتضرع إلى الله أن يوفق عالما «ملحدا» كي يتمكن من التوصل إلى لقاح يوقف جنون «كورونا»، الذي يحصد الأرواح هنا وهناك.
حتما سيتجاوز العالم هذه الكارثة، لكن لا أحد يعلم متى، وكم سيخلف وراءه من ضحايا.
وحين ينتهي هذا الكابوس، سيكون على العالم أن ينظر لنفسه بشكل مختلف، وأن يتوقف قليلا ليلتقط أنفساه، ويفكر: لمَ كان ذلك الصراع الذي اختلقناه بيننا؟ وماذا جنينا من وراءه سوى الخراب والدمار؟ وما هو مستقبل التكنولوجيا التي كان من المفترض أنها مسخرة لخدمة الإنسان فباتت عبء عليه يكلفه حياته؟!
إن المتأمل لكل ما يحدث، سيدرك أن الإنسان هو العدو الأكبر للإنسان!
وبلغة الأرقام، فإن حصيلة ضحايا الحروب التي خاضها البشر ضد أنفسهم، تفوق حصيلة ضحايا المجاعات والكوارث الطبيعية والأمراض والحوادث.. فحسب تقرير أممي، بلغ عدد ضحايا الحروب نحو 750 مليون قتيل، ما بين وفيات مباشرة في أثناء القتال أو هؤلاء الذين فقدوا حياتهم بسبب الحروب.
وإذا كان العلم قادر على التوصل للقاحات وأمصال وعلاجات لوقف زحف الأمراض والأوبئة، فهل «الضمير» الإنساني قادر على اكشاف علاج للقضاء على فيروس «الغباء» الذي يصيب القادة وأصحاب القرار والساسة حول العالم، الذين لا يكفون عن ممارسة ساديتهم هنا وهناك.
الأيام المضية، ومنذ توحش فيروس كورونا، لاحت في الأفق بادرة أمل، فأحيانا تأتي الكوارث لتحيي فينا ما ظنناه قد مات..
ربما في الأيام الأولى لتوحش الفيروس، سقط قناع «التحضر والمدنية»، الذي يتغنى به العالم - في الغرب حاصة – فسمعنا عن حروب في متاجر كندية حول عبوة مطهر، فيما وجهت شرطة ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية اتهامات لامرأتين نشب بينهما شجار عنيف على ورق التواليت، وفي أوروبا والولايات المتحدة تكالب الناس على تفريغ أرفف المحال والمتاجر من السلع..
لكن بمرور الأيام، ظهرت مبادارات الخير والعمل التطوعي، بغرض مساعدة المحتاجين وكبار السن – خصوصا – وسارعت دول عدة لمد يد العون لغيرها، فيما تتكاتف الجهود بغية الوصول للقاح ينقذ البشرية، دون النظر لجنس أو لون أو نوع «الإنسان» أو أي اعتبارات أخرى.
وأخيرا، هل سيعي العالم الدرس؟ أم أنه هدوء المخمورين في حانة دخلها شرطي ثم سرعان ما سيعودون للإقتتال بالزجاجات المكسورة حين يرحل!!