وثيقة قضائية تؤكد أحقية الدولة في اتخاذ الإجراءات الاستثنائية حفاظا للنظام الصحي
الأحد، 22 مارس 2020 10:11 مأحمد سامي
- الحكم أيد قرارات الدولة في إزالة وإعدام الطيور الحاملة لإنفلونزا الطيور
منحت الدساتير والقوانين الدول كافة الحقوق واتخاذ كافة السبل من أجل السيطرة علي انتشار الاوبئة ليست وفقا لما يشهده العالم حاليا من لنتشار فيروس كورونا المستجد ولكن أيضا من قبل ذلك بكثير، فمن حق الدولة اتخاذ كافة الإجراءات الاستثنائية لمواجهة الكوارث الطبيعية والازمات الصحية، وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا "كوفيد-19 "بات وباء عالمياً يمكن السيطرة عليه إذا عززت الدول إجراءات التصدي له، وأن توصيف الوضع على أنّه جائحة لا يغيّر تقييم الخطر الذي يشكله فيروس كورونا، ولا يغيّر ما يتعيّن على الدول القيام به، وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة بأن تعمل كل الدول على تعزيز جهود مكافحة فيروس كورونا المستجد، وأن الإعلان عن جائحة هو دعوة للتحرك موجّهة للجميع في كل مكان داعيا كل الحكومات إلى التحرّك وتعزيز جهودها الفورية.
وقد يطرح البعض تساؤلا حول مدي قانونية واحقية الحكومة المصرية وأجهزتها الإدارية قي اتخاذ الإجراءات الاستثنائية التى تمنحها سلطات واسعة لا تمنحها القوانين واللوائح فى ظل الظروف العادية لمواجهة فيروس كورونا الذى يحصد الأرواح فى جميع دول العالم بلا استثناء
نجد أن الاجابة سطرها حكم قضائى لم ينشر من قبل أصدره المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة عام 2015 لانتشار وباء فيروس أنفلونزا الطيور فى وقت سابق والذى يرجع تاريخ أول ظهور له عام 2006، أكدت فيه محكمة القضاء الإدارى أنه من حق الدولة وأجهزتها الإدارية فى ظل ظروف الكوارث الطبيعية والأوبئة العامة التمتع بالإجراءات الاستثنائية (المشروعية الاستثنائية) دون التقيد بالقوانين واللوائح العادية (المشروعية العادية) حفاظاً على النظام الصحى العام فى المجتمع ودرءاً للمخاطر .
وأكد الحكم أن الدولة المصرية تلتزم بأعلى درجات المعايير الدولية التى قررتها الأمم المتحدة فى مؤتمرها العالمى الثالث المنعقد بسنداى اليابان مارس 2015 للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030 فى الدورة الرابعة والسبعون , وما قررته الأمانة العامة للأمم المتحدة فى قرارها 73/230 ببناء القدرة على مجابهتها , بل وتتميز مصر بالطابع الاجتماعى فى المساهمة الفعالة للتخفيف عن المواطنين كما يظهر فى هذه القضية , خاصة وأن منظمة الصحة العالمية سبق أن اعلنت اعتبار مرض أنفلونزا الطيور من الأمراض الجائحة الوبائية من قبل .
وجاء الحكم ردا علي الدعاوي القضائية ضد القيام بازالة العشش والحظائر الخاصة بتربية الطيور، وقد أيد الحكم قرار الحكومة المصرية بإعدام الطيور الحاملة لفيروس أنفلونزا الطيور التى بلغت خمسة اَلاف وتطهير الأماكن وإزالة كافة العشش والحظائر المخصصة لتربية الطيور بإحدى العزب بمحافظة البحيرة غير المرخصة حرصاً لعدم انتشار فيروس المرض وحفاظاً على الصحة العامة ورفض دعوى تعويض أقامها مواطنون عن إزالة الحظائر لوجود مرض بالطيور ، واكتفت المحكمة بما قامت به الحكومة من مساهمة فى تحميل الخسائر بواقع ثلاثة جنيهات عن كل طائر عن طريق بنك التنمية والائتمان الزراعي .
قالت المحكمة أنه نظراً لتزايد أعداد المزارع المصابة بمرض فيروس انفلونزا الطيور بمختلف المحافظات وفي محاولة لمواجهة هذا المرض والحد من انتشاره وذلك حتى لا يتمحور الفيروس المسبب لهذا المرض وينتقل من إنسان لأخر دون أن تستطيع الدولة بكافة أجهزتها السيطرة عليه، فقد قررت الحكومة إزالة الأسباب المؤدية إليه بعدما تبين أنه ناتج عن مخالطة الإنسان للطيور أو مخلفاتها لذا يتعين إزالة كافة عشش وحظائر تربية الطيور في الريف والمدن نظراً لأنها غير مرخصة وبعيدة عن إشراف ومتابعة الإدارة المختصة وكونها تعد بيئة مناسبة لتعايش فيروس أنفلونزا الطيور ، وعلى الرغم من ذلك أصدرت الحكومة المصرية قراراً بالإجراءات الكفيلة لتعويض المربين عن الأضرار التى قد تلحق بهم نتيجة إعدام ما يملكونه من طيور من خلال مساهمة الدولة لهم والتى تتمثل في تشكيل لجنة أو أكثر لتلقى طلباتهم وإعداد محاضر معاينة وحصر للأعداد الفعلية الحية والسليمة وتسليم بنك التنمية والائتمان الزراعى أصل المحضر وصورة منه للمربي ليقوم البنك بصرف دفعة أولى تحت الحساب بواقع ثلاثة جنيهات لكل طائر كما أوجب على تلك اللجان تسليم أصل محاضر إعدام الطيور لبنك التنمية لصرف مساهمة الحكومة.
وأشارت المحكمة أنه من حق الدولة فى ظل الظروف الاستثنائية كالكوارث الطبيعية أو الأوبئة العامة أن تحافظ على كيان الدولة ودفع الخطر عنها ولها اتخاذ ما تراه دون التقيد بالنظم العادية السارية فى ظل الظروف العادية حماية لمصالح الدولة العليا ، ودرءاً للخطر الناجم عن الكوارث الطبيعية أو انتشار الأوبئة العامة، فليس من المقبول أن تضحى الدولة بكيانها ضمانا لمبدأ المشروعية على حين أن ضياع الدولة يعنى ضياع كل ما هو قانونى بل وشيوع حالة الفوضى، وبهذه المثابة تتمتع الدولة وأجهزتها الإدارية فى ظل ظروف الكوارث الطبيعية والأوبئة العامة بالمشروعية الاستثنائية التى تمنح الدولة وأجهزتها سلطات واسعة وإجراءات استثنائية دون التقيد بالقوانين العادية لدرء تلك المخاطر حفاظاً على النظام الصحى العام فى المجتمع وهو أساس البقاء على قيد الحياة.
وأوضحت المحكمة أن الثابت من الأوراق العديد من شكاوي المواطنين بوجود عدد من الأجولة بها العديد من الطيور النافقة بإحدى العزب وقامت بأخذ عينات الطيور الحية الموجودة بها وإرسالها إلى معهد بحوث صحة الحيوان بالدقي وقد تبين أنها مصابة بالمرض (أنفلونزا الطيور) مما حدا بها إلى القيام بإعدام الطيور وعددها خمسة اَلاف وتطهير الأماكن وإزالة كافة العشش والحظائر المخصصة لتربية الطيور حرصاً لعدم انتشار المرض وحفاظاً على الصحة العامة بإعدام جميع الطيور الحية والمتابعة فى دائرة قطرها 1 كم ومركزها مكان الإصابة.
واختتمت المحكمة فى حكمها أنه لما كانت الحكومة المصرية قد قررت مساهمتها للمربين الذين يتم إعدام الطيور المملوكة لهم لإصابتها بمرض أنفلونزا الطيور وهو ما يؤكد مراعاة الدولة للدور الاجتماعى فى التوازن بين اعتبارات المصلحة الخاصة بفئة من المواطنين والمصلحة العامة المتمثلة في الحفاظ على الصحة العامة، لما كان ذلك وكان المدعون يقومون بتربية الطيور بمكان خاص بالمنازل والتى قامت الإدارة بإعدامها بعد التأكد من إصابة الطيور الموجودة بالمزرعة الملاصقة للمنازل بأنفلونزا الطيور وقامت بإعداد محضر بذلك مثبت به الأسماء وعدد ما تم إعدامه من طيور أى أنها عملت على الحفاظ على الصحة العامة دون أن تهدر حق المدعين في اقتضاء المقابل الذى قررته الحكومة لهم من بنك التنمية والائتمان الزراعي ومن ثم فإن مسلك جهة الإدارة يكون قد صدر صحيحاً خالياً من أوجه عدم المشروعية.