شباب ميت أبو الكوم.. القدوة والمثل
الخميس، 19 مارس 2020 11:46 ص
لأول مرة أجدني متحمسًا، ومدفوعًا للكتابة عن شباب يسبق وعيهم سنهم، وحب الخير عندهم مقدم على أي شيء.. هؤلاء مجموعة من شباب قريتي «ميت أبو الكوم».. تلك القرية التي خاصمتها الأضواء، منذ اغتيال ابنها البار، الرئيس الراحل أنور السادات.. لكن يبدو أنها على موعد آخر مع الأضواء، من خلال المبادرات الرائعة التي يطلقها شبابها.
هؤلاء الشباب آمنوا بالمشاركة المجتمعية، آمنوا بأن عقولهم قادرة على إحداث الفارق، وأن سواعدهم قادرة على تحويل الخراب إلى عمار، والهدم إلى بناء، والقبح إلى جمال، دون انتظار تدخل الحكومة لحل كثير من المشاكل التي تعاني منها القرية، وسقوطها- بفعل فاعل- من خطط التطوير، والتنمية، بعدما كانت قبلة الرؤوساء وكبار المسؤولين في العالم، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، وثعلب الدبلوماسية الأمريكية، هنري كيسنجر.
مجموعة من شباب القرية الرائعين، وهبوا أنفسهم للخير، وقدموا إسهامات ومبادرات تطوعية كثيرة، كنوع من المسؤولية الاجتماعية؛ عملوا من خلالها على تعبئة الموارد البشرية غير المستغلة في القرية، ونسقوا فيما بينهم، من أجل تحقيق الصالح العام للبلد وأهلها.
منذ وقت ليس بالقصير اجتمع مجموعة من شباب ميت أبو الكوم على محبة الخير.. فأسسوا بيتًا للمال، ليكون في خدمة الأيتام والأرامل والفقراء، وليكون سندًا لمن لا سند له.. كما أسسوا جمعية «غير رسمية» تحمل اسم «جمعية محبي الخير»، بهدف المساعدة في تجهيز البنات الفقيرات المقبلات على الزواج، وكذلك التصدي للأزمات والكوارث.. بالإضافة إلى توفير مشروعات صغيرة لمساعدة بعض الأهالي.. وسداد ديون علاج الفقراء في الصيدليات.. والمساهمة في تحمل بعض تكاليف العمليات الجراحية للمرضى غير القادرين ماديًا، من خلال التبرعات التي تأتيهم من محبي الخير.
ولم تقتصر المبادرات على المساعدات المالية فقط، بل ظهرت مبادرات النظافة والتجميل، وقص وتقليم أشجار القرية بالكامل.. فضلًا عن مبادرة دهانات للحضانة كحوائط ودسكات الخاصة بالمدرسة الابتدائي، وبعض فصول المدرسة.. ورش موسمي بالمبيدات لمكافحة الناموس والحشرات.. وتنظيف وإنارة وبناء مقاعد وكراسي بالمقابر.. وتجميل الطريق الرئيسي للقرية وبعض مداخلها بأفرع الزينة.. وإزالة تلال مخلفات البناء التي كانت منتشرة بالقرية..
كما تبنى الشباب قضية مياه شرب نظيفة بالقرية، وإنشاء وحدة معالجة المياه الخيرية للبلد بمبلغ رمزي.. وأطلقوا حملة للكشف عن فيروس «سي» تضمنت إجراء التحاليل اللازمة، وعقد ندوة طبية توعوية.. فضلًا عن توفير حصة في بنك الدم بشبين الكوم، باسم قرية ميت أبو الكوم من خلال التبرعات الدورية للدم من أبناء القرية.
كما بادر هؤلاء الشباب بالتصدي لمخاطر الأمطار التي ضربت البلاد، مؤخرًا، فخففوا من آثارها الكارثية بالجهود الذاتية.. كما شنوا حملة مكبرة لمواجهة فيروس كورونا، وبدأوا في تطهير وتعقيم كل منافذ البيع للبقالات والصيدليات والمساجد والبيوت، بالتزامن مع تبني حملة نظافة شاملة، متضمنة تسوية شوارع القرية، وعودتها أفضل مما كانت عليه، قبل أن يضربها إعصار التنين.
لو آمن شباب كل قرية بمثل ما آمن به شباب ميت أبو الكوم، وفعلوا مثلما فعل أبناء ميت أبو الكوم، لتغير الوضع كثيرًا في القرى، خاصة القرى التي يقتلها الفقر، وبعيدة عن الخدمات الحكومية.. فكل المحبة والاحترام والتقدير لـ«شباب الخير».. ولو كان الأمر بيدي، لذكرت أسماءهم اسمًا اسمًا؛ ليكونوا قدوة لغيرهم.. لكن أحدًا منهم لم يأذن لي.. لذا ما أرجوه أن يجعل الله أعمالهم في ميزان حسناتهم، وأن يكونوا من الذين قيل فيهم: «إن لله عبادًا، اختصهم بقضاء حوائج الناس، حبّبهم إلى الخير وحبّب الخير إليهم، أولئك هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة».