فيروس كورونا وتعطيل الدراسة
الإثنين، 09 مارس 2020 11:29 ص
دخل رجل أحد المطاعم، وطلب دجاجة مشوية.. فسأله البائع: أتريدها بريش أم من غير ريش؟ فقال له: من غير ريش.. فطلب منه الصعود إلى الدور الثاني، وكرر طلبه، فسأله البائع: بأجنحة أم بدون؟ فأخبره: بدون أجنحة.. فطلب منه الصعود إلى الدور الثالث، وهناك كرر طلبه، فسأله البائع: برأسٍ أم بدون؟ فقال له: بدون رأس.. فطلب منه الصعود إلى الدور الرابع، وهناك طلب فرخة بدون ريش، وبدون أجنحة، وبدون رأس.. فرد عليه البائع: بصراحة يا فندم، إحنا معندناش فراخ.. بس إيه رأيك في النظام؟!
النكتة السابقة تذكرني بحال منظومتنا التعليمية الآن.. فالحقيقة الواضحة وضوح بطن الحامل في شهرها التاسع، أنه لا يوجد عندنا تعليم بالمفهوم الحقيقي للكلمة، ومع ذلك يصر بعض المسؤلين أن العملية التعليمية عندنا «متخرش الميه»، وأن بعض الدول المتقدمة تريد تطبيق تجربتنا الرائدة في التعليم، لكن «إحنا بنتقل عليهم»، و«مش عاوزين نديهم عصارة فكرنا، عشان ما يبقوش زينا، أو حتى قريب مننا»!
هؤلاء هم الذين يحاولون تصوير أن تعطيل الدراسة، ولو ليومٍ واحدٍ سيحرم العالم من آلاف «أحمد زويل، ومجدي يعقوب، ومصطفى السيد، وهاني عازر، ومجدي بيومي، وكريم رشيد» وغيرهم؛ لذا يعارضون تعطيل الدراسة كأحد الإجراءات التي تتخذها الدول لمواجهة خطر فيروس كورونا.
فبينما تتخذ دول عدة تدابير احترازية؛ للحد من انتشار كورونا، وجهت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، تعليمات رسمية لجميع المديريات التعليمية، بضرورة مخاطبة كافة المدارس، والتأكيد على متابعة الطلاب الوافدين والعائدين من خارج مصر خلال الفترة الماضية، ضمن الإجراءات الاحترازية والوقائية للحماية من الفيروس؛ ضاربة بحكمة: «الوقاية خير من العلاج» عرض الحائط!
تعليمات الوزارة تضمنت أيضًا، مخاطبة المدارس من تمكين الطلاب، من غسل الأيدى بصفة مستمرة، طوال اليوم الدراسى، والتنبيه على الطلاب باستخدام المناديل الورقية أثناء العطس!
الغريب أن الوزارة أصدرت تعليمات لجميع المدارس، بـ«ضرورة تقليل التجمعات للطلاب داخل المبني المدرسي، والتنبيه على الحفاظ على مسافة لا تقل عن متر بين الطلاب، واتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية للوقاية من كافة أمراض الجهاز التنفسى في المدارس».
ولعل غرابة هذه التعليمات تعود إلى معرفة مسؤولي الوزارة، بل وتأكدهم، أن المياه تكون «مقطوعة» في كثيرٍ من المدارس الحكومية، وغير مسموح للطلاب باستخدام «دورات المياه» المخصصة للمدرسين، فكيف يتاح لأبنائنا التلاميذ غسل أيديهم طول اليوم الدراسي؟
ثم، وهنا مربط الفرس، كيف يقلل الطلاب التجمعات فيما بينهم؟ وكيف يحافظون على مسافة لا تقل عن المتر بينهم وبين أقرانهم؟ ألا يعلم المسؤول الذي أصدر هذه التعليمات أن تنفيذها من عاشر المستحيلات؟ هل يعلم أن كثافة الفصول في بعض المدارس تتجاوز «100 طالب» في المدارس الحكومية، وأكثر من «40 تلميذًا» في كثير من المدارس الخاصة؟ وهل يعلم سيادته أن أي مدرسة، إذا التزمت بتنفيذ هذه التعليمات، لن يكون داخل فصولها سوى «8 أو 9» تلاميذ فقط؟
لقد أوقفت السعودية إصدار تأشيرات العمرة، مؤقتًا، لجميع الدول كإجراء احترازي؛ خشية انتشار فيروس كورونا.. وإيران ألغت صلاة الجمعة في بعض المساجد، للسبب ذاته.. وسلطنة عمان دعت مواطنيها إلى عدم ارتياد الأماكن العامة.. والبحرين علقت الدراسة لمدة أسبوعين.. والإمارات ألغت بعض الفعاليات الرياضية.. وفرنسا ألغت معرض باريس الدولي للكتاب في دورته الـ40.. وإيطاليا قررت تعليق الأنشطة الرياضية والمدرسية في المناطق التي ينتشر فيها الفيروس..
لكن، ولأننا نختلف عن «الآخرون»، فقد صرح الدكتور رضا حجازى، نائب وزير التربية والتعليم لشؤون المعلمين والتعليم العام، بأن الدراسة ستنتظم بشكل طبيعى خلال الأيام المقبلة، نافيًا صدور أي قرارات جديدة بشأن تعطيل الدراسة خوفًا من انتشار فيروس كورونا. مؤكدًا- وهو أعلم منا- أن «الوضع الدراسي مستقر». لافتًا إلى أنهم يأخذون التعليمات في هذا الموضوع من وزارة الصحة، ولم تصلهم تعليمات جديدة تلزمهم باتخاذ إجراءات جديدة بشأن سير الدراسة!
ما أود التأكيد عليه، أننا إذا كنا ضد «التهويل» من الإصابات بالفيروس وضد انتشار الشائعات بشأنه، فإننا أيضًا ضد «التهوين» منه، والتعامل الأمثل معه.. وعلى المسؤول أن يعلم أن الإجراءات والتدابير الاحترازية التي نتخذها اليوم، قد تكون تكلفتها أقل بكثير حال اتخاذها إذا ما تفشى الفيروس، لا قدر الله، وأصبح وباءً يحصد أرواح المئات والآلاف من المصريين.. وساعتها لن يفيد الندم. أليس كذلك؟!