حمدى عبد الرحيم يكتب: عندما تلاعب شيطان الابتزاز برأس أردوغان
السبت، 07 مارس 2020 09:00 م
مع شخصية مثل شخصية الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، يجب أن نقول: الأعمال بخواتيمها. بدأ الرجل رحلته مع السلطة بداية موفقة، وتمكن من النهوض ببلاده، وصنع لها اسمًا جيدًا على المستوى الاقتصادى والسياسى، ثم نكص على عقبيه وظهر فى الصورة التى نعرفها الآن. هل كان أردوغان يتمسكن حتى يتمكن، فإن تمكن أظهر للعالم وجهه الحقيقى؟ أم هى خمر السلطة التى تدير رءوس الذين يتوهمون أنهم من الخالدين الذين سيفلتون من العقاب فى الدنيا والأخرة؟
أم الأمرـ أعنى انقلاب أردوغان على ذاته ـ متعلق بقناعاته الفكرية، فهو فعلًا مؤمن بضرورة وحتمية إحياء الإمبراطورية العثمانية التى مضى زمانها ثم لن يعود؟
الرجل عجيب جدًا فما كان يقوله فى زمنه الأول أصبح يكذبه فى أيامه الحالية، بل ما يؤكده صباحًا ينفيه مساءً، ثم هو يتحدث أمام شعبه بلغة، ويتحدث بأخرى مغايرة تمامًا أمام العالم، أما عن كلامه وأفكاره التى يطرحها فى الغرف المغلقة، فحدث ولا حرج.
منسوب إلى أردوغان أنه قال: نحن مثل الأنصار الذين لم يتخلوا عن المهاجرين!
معروف طبعًا أنه يقصد الدور التركى فى إيواء الذين هجرتهم الحرب فى سوريا وأجبرتهم على ترك وطنهم.
ولكن لأن الرجل ليس مستقيمًا، فهو يبدأ دائمًا من ثانيًا، فهو أبدًا لم يعترف بدوره فى الحرب السورية، ولم يعترف بأنه كان المعبر، بل الباب الملكى الذى تدفقت منه جحافل داعش على سوريا، ولم يعترف بأنه شارك فى تدمير سوريا ليس لنصرة الذين يقول إنهم من المظلومين، ولكن لتحقيق أهدافه هو، وقد لعب بورقة اللاجئين حتى تكاد الآن تحرق أعصابه، فقد حصل من الاتحاد الأوروبى على دعم بلغ ستة مليارات دولار، وذلك مقابل هدف واضح لا لبس فيه، وهم أن يمنع الفارين من العبور إلى أوروبا، وقد قبل أردوغان الشرط وعمل على تحقيقه لسنوات، ثم قرر استكمال مغامرته فى سوريا، وهى تلك المغامرة أو المقامرة التى لا يعرف لها أحد رأسًا من قدمين، لأن كل التصريحات الصادرة عن الجانب التركى ملتبسة أو هى بالقليل تخلط الحق بالباطل، فلا تفصح عن الأهداف الحقيقية التى يسعى خلفها أردوغان الذى قرر ابتزاز العالم كله، وليس أوروبا بمفردها، الرجل وقف أمام الكاميرات، وقال: إن بلاده سترسل اللاجئين السوريين لديها، الذين يصل عددهم إلى 3.6 مليون لاجئ، إلى أوروبا إذا صنفت الدول الأوروبية التوغل العسكرى التركى فى سوريا على أنه احتلال!
ثم تحدث أردوغان بالنبرة ذاتها أمام نواب البرلمان من حزبه فقال: «أيها الاتحاد الأوروبى، تذكر: أقولها مرة جديدة، إذا حاولتم تقديم عمليتنا على أنها اجتياح، فسنفتح الأبواب، ونرسل لكم 3.6 مليون مهاجر».
ما هذا الكلام؟ أين الأنصار والمهاجرون والحس الإنسانى ونصرة المظلوم ومقاومة الإرهاب؟.
أين كل المزاعم التى زعمها أردوغان، وروجت لها آلة إعلام جبارة على مدار السنوات الماضية؟
الآن الرجل واضح تمامًا، فقد شن غاراته على الأرض السورية، وأراد التمركز فوق التراب السورى، وعندما قاومت سوريا، وهذا أبسط حقوقها وفتحت النيران على قواته الموجودة دون أى سند قانونى أو شرعى أو أخلاقى، بدأ بتهديد أوروبا: سنغرقكم بالمهاجرين إن قلتم إننا غزاة!
هل هناك من صور الابتزاز ما هو أسخف من هذه الصورة، هو يريد احتلال بلد لتوسيع مناطق نفوذه وللاستيلاء على ثرواته، ثم يريد ألا يتفوه أحد ضده بكلمة وإلا سنهدم المعبد فوق رءوس الجميع!
فى السياق نفسه قالوا: إن السيد كمال كلتشدار أوغلو، زعيم المعارضة التركية، قد وقف ضد الوجود العسكرى التركى فى سوريا، خاصة وقد بدأت توابيت الجنود فى العودة إلى تراب الوطن، فما كان من أردوغان إلا أن رد عليه قائلًا : «لقد قدمنا الشهداء فى غزوة بدر، وأحد، وحنين، والخندق، وفى دولة السلاجقة، وفى الدولة العثمانية وفى جناق قلعة، وسنستمر فى تقديم الشهداء من بعد الآن يا سيد كمال».
إن كان هذا التصريح حقيقيا، وقاله أردوغان حقًا وليس جزءًا من الحرب الإعلامية، فالرجل قد قطع كل خطوط العودة إلى العقل أو حتى التعقل، فلا يمكن بحال من الأحوال السكوت على تزوير وقائع تاريخية خلدها القرآن الكريم ذاكرًا أدق تفاصيلها التى ليس من بينها وجود أتراك بين جيش المسلمين الذى كان يقوده الرسول شخصيًا.