المسلمون والمسيحيون.. وحديث الجنة والنار
الأربعاء، 04 مارس 2020 11:05 ص
ابتداءً.. نحن البشر لا نقبل أن يتدخل في حياتنا، وشؤوننا، ويمارس علينا وصايته، ويطلب منا أن نفعل هذا ونترك ذاك.. طبيعتنا الإنسانية ترفض أي إملاءات تُملى علينا من خارج ذواتنا.. فما بالنا برب العالمين ونحن نرى بعض البشر يتدخلون في «المشيئة الإلهية»، ويجزمون جزمًا قاطعًا، أن هذه الفئة في الجنة، وبقية الفئات في النار؟
خلال الأيام الماضية، تجدد سؤال بغيض، يطل برأسه كل فترة على الساحة، ويصير السؤال الأكثر تداولًا: هل الدكتور «مجدي يعقوب» سيدخل الجنة أم ستكون النار مصيره؟ بمعنى آخر: هل المسيحيون سيدخلون الجنة كالمسلمين، أم سيدخلون النار كالكفار؟
السؤال نفس نوعية الأسئلة «اللزجة» التي تتكرر في مناسبات بعينها، وسبقت الإجابة عنه آلاف المرات.. تمامًا كأغلب الأسئلة المتعلقة بـ«الصوم» التي نعلم إجابتها، إلا أننا نسألها كل عام؛ لأننا نموت في «اللت والعجن»، ونشغل أنفسنا بما لا يعنينا!
العقلاء استنكروا طرح السؤال من الأساس، واستقبحوه، واستقذروه.. لكنَّ بعض مَنْ يطلق عليهم «دعاة» -خاصة «الزياطين» منهم- لم يفوتوا الفرصة؛ فأدلوا بدلوهم، وتصدروا للإجابة عن مسألة «غيبية» بحتة، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل ويعلمون أنهم لا يضمنون الجنة لأنفسهم!
ولعلنا نتذكر أنه في العام 2016 بلغت «الجرأة» بإحدى الجرائد أن قررت حسم الجدل، فـ«شطحت»، وكتبت «مانشيت» الصفحة الأولى: «لو لم يدخل مجدي يعقوب الجنة.. فمَنْ يدخلها إذًا؟»!
في نفس العام- 2016- استشعر شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، خطورة «السؤال»، لكنه- كما يقول المأثور- «جه يكحلها عماها».. فبدلا من أن يوبخ السائل، ويتهمه بـ«التعصب»، و«التطرف»، و«الجهل» بأمور دينه.. قال-خلال برنامجه «الإمام الطيب»- إن الأوروبيين «لن يُعذبهم الله»؛ لأنه ينطبق عليهم حكم «أهل الفترة»، أي لم تصل إليهم دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- أو وصلتهم «بطريقة مغلوطة ومغشوشة ومنفرة»!
شيخ الأزهر استشهد بقوله تعالى: ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)).. لكن ظني أن الإمام الأكبر أراد مجاملة «المسيحيين» الأوروبيين بهذا الاجتهاد؛ لأن «أهل الفترة» المقصود بهم: الأقوام الذين يعيشون بين كل رسالة ورسالة، ورسول وآخر.. ونحن -معشر المسلمين- نؤمن بأن النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- هو آخر الأنبياء والمرسلين، مصداقًا للقرآن الكريم: ((مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)).
ومع كامل المحبة، والتقدير، والإقرار بأن الدكتور مجدي يعقوب من أعظم المنح التي وهبها الله للإنسانية.. إلا أن المسلمين يؤمنون بأن «ربنا» وضع شروطًا لدخول الجنة؛ أهمها نطق «الشهادتين»، والعمل بمقتضاهما.
إذن، وكما نؤمن نحن- المسلمون- فإن «نطق الشهادة» على رأس الشروط التي حددها الله -عز وجل- لدخول الجنة.. فإذا كان أهل الأديان الأخرى يرون أن هذه الشروط «ظالمة»، أو أنها تنحاز لطرف على حساب طرف آخر، فمشكلتهم مع «الله».. وإذا لم يرضوا بشروط الإله؛ فليبحثوا لهم عن رب آخر يكون على هواهم.
هذا هو الواقع الذي لم يُرِدْ شيخ الأزهر أن ينطق به.. والحقيقة التي لا فكاك منها، أن المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى عند المسيحيين «كفار»، لن يدخلوا الجنة؛ لأنهم لم يؤمنوا بدينهم أو يتبعوا مِلَّتِهم.. فكما جاء في إنجيل يوحنا 3: 16: «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ».
كما أن أهل الأديان الأخرى «كُفارٌ» سيدخلون النار، حسبما يؤمن المسلمون، وفي ذلك يقول القرآن الكريم: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ».
تلك مشيئة الله: ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)).. ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)).. المهم أن تكون العلاقة بين البشر في الدنيا قائمة على ما جاءت به الشرائع السماوية، وبما يخدم الإنسانية جمعاء.. لا يقتل أحدنا الأخر بغير حق، ولا يأخذ منه شيئًا بغير طيب نفس.
نعود إلى السؤال: هل يدخل المسيحيون الجنة؟
الحقيقة التي لا تقبل الشك أو التشكيك، أن الإجابة ليست عند أحد من البشر، بل هي عند رب العباد.. هو وحده -جل شأنه- الذي يقرر مَنْ يُدْخِل الجنة أو النار، يُعذب مَنْ ويرحم مَنْ.
إلا أن بعضنا استحل لنفسه التدخل في «مشيئة الله»، و«التألى عليه»، وكأن رب العزة- تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا- قاصرٌ، أو عاجزٌ، أو بحاجة إلى مَنْ يساعده؛ ليقرر مصير البشر الذين خلقهم!
إن «التألي على الله» من «فلتات اللسان» الخطيرة، التي قد تهوى بالمرء في نار جهنم.. فقد روى «مُسلم» في صحيحه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: مَنْ ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان وأحبطتُ عملك».. والحديث فيه دلالة على «غفران الذنوب بلا توبة، إذا شاء الله غفرانها».
ثم وهذا هو الأهم.. مَنْ منا يضمن لنفسه أن يموت على الإيمان؟ أو مَنْ يملك لنفسه دخول الجنة بعمله، حتى ولو كان نبيًا مرسلًا؟ ألم يرد في الحديث الشريف الذي أورده البخاري في صحيحه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «لن يُدخل أحدًا عملُه الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «لا، ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة»؟
وإلى أن نقف جميعًا بين يدي الله- عز وجل- يوم الحساب، ((يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)).. فما علينا إلا أن نعيش معًا -معشر البشر- في محبة، وسلام، واحترام متبادل.. نستظل بسماء واحدة، ونخضع لقانون واحد، لنا ما لغيرنا من حقوق، وعلى غيرنا ما علينا من واجبات دنيوية، والتأكيد على أن لكل منا عبادته الخاصة، وفقًا للدين الذي يؤمن به.. أما مَنْ سيدخل الجنة أو النار، فهذا أمر غيبي، لا يعلمه إلا رب البشر، ولا يمكن لأحد من خلقه القطع به.
((لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)). الممتحنة، الآية (8).
((أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ. وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ. لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ)). متّى (5: 44-45).