يختلف أو يتفق معه البعض فى سياسات حكمه لمصر، إلا أنه لا أحد يختلف على وطنيته ودوره فى حرب أكتوبر المجيدة
ستظل كلمات وخطابات حسنى مبارك جزءا من تاريخ مصر
شاء من شاء وأبى من أبى فإن حياة ووفاة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك عن عمر يناهز 92 عاما تعد حدثا جللا، لأنه يشكل جزءا من حاضر وتاريخ مصر، فمبارك المولود فى 4 مايو 1928 بكفر المصيلحة بمحافظة المنوفية، يعد الرئيس الرابع لمصر، حيث حكم مصر منذ 14 أكتوبر 1981 خلفا لمحمد أنور السادات حتى 11 فبراير 2011 بتنحيه بعد أحداث يناير 2011. نعم «مبارك فى ذمة الله والتاريخ»، وقد يختلف أو يتفق معه البعض فى سياسته إبان حكمه لمصر، إلا أنه لا أحد يختلف على وطنيته ودوره فى حرب أكتوبر المجيدة، وتنحيه عن الحكم مفضلا مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية، ليجنب البلاد سيناريو الفوضى مثلما حدث فى العديد من دول الجوار، وهو الدور الذى سيذكره له التاريخ، ويضاف إلى دوره وقيادته للقوات الجوية ومشاركته فى التخطيط لحرب أكتوبر المجيدة التى حررت الأرض المحتلة من براثن الجيش الإسرائيلى، فلا يستطيع أعداء «مبارك» قبل مؤيديه إنكار ما قدمه للوطن، وهو ما بدا جليا من خلال كلماتهم فى نعى الرئيس الراحل مبارك إلا من بعض الموتورين من جماعة الإخوان.
استلم الرئيس الراحل مبارك قيادة البلاد فى ظرف صعب سياسيا عام 1981 فقد كانت مصر محاصرة بقطيعة عربية وضغوط دولية وأزمات اقتصادية، لكنه نجح عبر سياسة خارجية تقوم على توطيد علاقات مصر مع غالبية دول العالم فى استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين مصر والدول العربية بعد تأزمها فى أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
وفيما يتعلق بالقضايا الدولية فقد عادت «طابا» التى تشكل جزءا إستراتيجيا بسيناء إلى مصر من خلال التحكيم الدولى.
فى خطابه الأخير كرئيس لمصر فى فبراير 2011، قال مبارك إن التاريخ هو من سيحكم عليه، وقال «إننى رجل من أبناء قواتنا المسلحة وليس من طبعى خيانة الأمانة أو التخلى عن الواجب والمسئولية، وأقول بكل الصدق وبصرف النظر عن الظرف الراهن، أننى لم أكن أنتوى الترشح لفترة رئاسية جديدة، فقد قضيت ما يكفى من العمر فى خدمة مصر وشعبها، لكننى الآن حريص كل الحرص على أن أختتم عملى من أجل الوطن بما يضمن تسليم أمانته ورايته ومصر عزيزة آمنة مستقرة وبما يحفظ الشرعية ويحترم الدستور».
وتابع «إن حسنى مبارك الذى يتحدث إليكم اليوم يعتز بما قضاه من سنين طويلة فى خدمة مصر وشعبها.. إن هذا الوطن العزيز هو وطنى مثلما هو وطن كل مصرى ومصرية.. فيه عشت وحاربت من أجله ودافعت عن أرضه وسيادته ومصالحه، وعلى أرضه أموت.. وسيحكم التاريخ علىّ وعلى غيرى بما لنا أو علينا.. إن الوطن باقٍ والأشخاص زائلون.. ومصر العريقة هى الخالدة أبدا.. تنتقل رايتها وأمانتها بين سواعد أبنائها، وعلينا أن نضمن تحقيق ذلك بعزة ورفعة وكرامة جيلا بعد جيل.. حفظ الله هذا الوطن وشعبه».
وتعرض الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك للعديد من الأزمات الصحية طوال حياته أبرزها عندما أصيب فى 2003 بهبوط مفاجئ عند إلقاء خطاب أمام الاجتماع المشترك بين مجلسى الشعب والشورى، حيث انقطع البث التليفزيونى وذهب مبارك للراحة، ثم عاد لاستكمال كلمته، وفى عام 2004 توجه إلى ألمانيا لإجراء عملية جراحية فى عموده الفقرى لمعالجة انزلاق غضروفى، وفى 2010 عاد مبارك لألمانيا مجددا حيث خضع لعملية جراحية لاستئصال الحويصلة المرارية، وزائدة لحمية من الاثنى عشر وعقب تنحيه عن الحكم، جرى الحديث كثيرا عن حالته الصحية بعد نقله لأولى جلسات محاكمته بسيارة إسعاف، ليتم تداول عشرات الشائعات بشأن وفاته إلى أن رحل وكان يعالج بأحد المستشفيات بسبب معاناته من مضاعفات مرضية خلال الـ24 ساعة التى سبقت وفاته، إثر عملية جراحية أجريت له منذ أكثر من أسبوعين وفق فريد الديب، محامى أسرة الرئيس الأسبق حيث قال الديب فى تصريحاته له : «تعرض لأزمة صحية، وتم وضعه على جهاز التنفس الصناعي، وجرى استدعاء أسرته بالكامل فى المستشفى،وتوفى».
شهادات عديدة جاءت فى صالح الرئيس الأسبق مبارك منها من محسوبين على نظامه وغيرهم معارضين له حتى من جماعة الإخوان أنفسهم حيث قال الدكتور أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق فى تصريحات له: «عملت مع الرئيس الأسبق مبارك كوزير لمدة تزيد على 4 سنوات، ورئيسا للبرلمان لمدة تزيد على 20 عاما، وأشهد أنه كان يعمل للصالح العام ولم يتدخل فى العمل البرلمانى على الإطلاق»، لافتا إلى أن الرئيس الأسبق كان يحرص دائما على احترام القانون.
كما نعى الناشط السياسى وائل غنيم، وفاة الرئيس الراحل حسنى مبارك، وغرد على حسابه الرسمى بموقع «تويتر» قائلا: «رحمة الله على الرئيس حسنى مبارك، كل نفس بما كسبت رهينة وكلنا رايحين لربنا اللى أحسن من البشر كلهم، ربنا يصبر أهله ومحبيه ويبارك فى عمر أحفاده، كان محبا ومخلصا لمصر، تحمل مسئولية ضخمة تجاه الشعب المصرى فأصاب كثيرا وأخطأ كثيرا وصبر على كثير من الأذى فى نهاية عمره. وسيحكم التاريخ»، كما قدم الدكتور محمد البرادعي، العزاء فى وفاة الرئيس الأسبق على حسابه بـ «تويتر» قائلا: «رحم الله الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان».
ولد الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك فى الرابع من مايو 1928 فى قرية كفر المصيلحة فى محافظة المنوفية، و بعد انتهائه من تعليمه الثانوى التحق بالكلية الحربية فى مصر، وحصل على البكالوريوس فى العلوم العسكرية عام 1948 ثم حصل على درجة البكالوريوس فى العلوم الجوية عام 1950 من الكلية الجوية، وتدرج فى سلم القيادة العسكرية فعين عام 1964 قائدا لإحدى القواعد الجوية غربى القاهرة، وتلقى دراسات عليا فى أكاديمية «فرونز» العسكرية فى الاتحاد السوفيتى السابق.
وستظل كلمات وخطابات مبارك جزءا من تاريخ مصر اتفقت او اختلفت معها، فأمام محكمة قضية اتهام الرئيس الأسبق مبارك بقتل المتظاهرين، والذى حصل فيها على البراءة عام 2017 قال مبارك «حضرات المستشارين الأجلاء، لم أتحدث اليوم، لكى أستعرض عطائى لبلادى، فسيظل عطاء مصر هو الأكبر، وسيظل لها الفضل علينا جميعا، فهى الوطن، والأهل، والملاذ، وأرض المحيا والممات، وإننى إذ أدافع عن نفسى اليوم، فى مواجهة الإساءة والتشهير والاتهام، لا أدعى لنفسى الكمال، والكمال لله وحده، وأنا كغيرى من البشر أصيب وأخطئ، لقد تحملت المسئولية بإخلاص وشرف وأمانة، وبذلت غاية جهدى، وسوف سيحكم التاريخ على وعلى غيرى، بما لنا وما علينا».
أضاف مبارك: «من المؤكد أن التوفيق لم يحالفنى فى بعض ما اتخذته من القرارات، وهو شىء طبيعى، ومن المؤكد، أن بعضها لم يرتق لتطلعات بنى وطنى، ولكنى، وأمام الله أقول إننى فى كل القرارات التى اتخذتها انما توخيت صالح الشعب والوطن، وأقول مخلصا بأنى رغم ماتعرضت من إساءة وتشهير.. لا أزال شديد الاعتزاز بما قدمته لمصر وبنى وطنى».