استعان به عبدالناصر وقال: هاتوا لى الطيار بتاع حرب اليمن.. وأثنى عليه السادات وقال: بيحترموه ويخافوا منه جدا فى إسرائيل
تتفق أو تختلف مع سياسة الرئيس الأسبق الراحل حسنى مبارك ... ترفض أو توافق على قراراته التى أغرقت مصر لسنوات فى أزمات اقتصادية ... لكن لا يمكن أن تنكر دور الفريق حسنى مبارك قائد القوات الجوية فى حرب أكتوبر، الذى سطر تاريخا عسكريا مشرفا طوال وجوده ضمن صفوف القوات المسلحة منذ تخرجه من الكلية الجوية والتحاقه بسلاح الطيران ليكون طيارا حربيا حتى صار قائدا للقوات الجوية التى قضت على الغطرسة الإسرائيلية فى معركة السادس من أكتوبر عم 1973، بعد أن نجح فى تخريج دفعات من أكفأ الطيارين الذين شاركوا فى معارك أكتوبر، حتى صار اسما مرعبا لدى الإسرائيليين، وهو ما أكد عليه الرئيس الراحل أنور السادات. كشف اللواء محمد صادق مكرم الطيار السابق بالقوات الجوية فى شهادته السابقة عن حسنى مبارك قائلا بأنه كان من أكفأ الطيارين المصريين فى الذهاب إلى اليمن لتنفيذ المهام القتالية أثناء حرب اليمن من خلال رحلة لا يتوقف فيها يطلق عليها «one shot» ، وكان عبدالناصر يثق فى قدرته جدا بحكم أنه أقدم طيار قاذفات قنابل فى مصر، حيث كان مبارك يقود نوعين من الطائرات هما K U 16 ، واليوشن، وهى قاذفات قنابل بعيدة المدى روسية الصنع انتاج «1955- 1960» وكان مبارك ينطلق من مطار ألماظة وحتى اليمن لتنفيذ الضربات والعودة مرة اخرى دون توقف.
كان مبارك يقوم بتخفيض حمولة القنابل على الطائرة لحمل وقود إضافى يكفى الرحلة التى تزيد مدتها على 10 ساعات ذهابا وايابا، وهو أسلوب جديد ابتدعه مبارك لم يكن معروفا فى ذلك الوقت، وهو ما لفت انتباه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والمشير عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة فى ذلك الوقت، حتى أن عامر ذكر فى إحدى خطبه اعتزازه بكفاءة حسنى مبارك وشجاعته.
وفى عام 1963 صدرت الأوامر إلى مبارك بالسفر إلى الاتحاد السوفيتى للحصول على دورة تدريبية من أكاديمية «فورنز العسكرية» لمدة عامين، تاركا فراغا كبيرا خلفه إذ لم يستطع الطيارون الجدد خلافته فى المهمة الصعبة التى كان يقوم بها، وهو ما اضطر معه الرئيس جمال عبدالناصر إلى الاستعانة بقدامى الطيارين السوفييت مقابل أجر.
كان انضباط وكفاءة حسنى مبارك دافعا قويا للاعتماد عليه فى إدارة الكلية الجوية بعد عودته من روسيا عقب أحداث النكسة 1967، حيث كان الهدف هو تخريج طيارين مصريين ذوى كفاءة عالية بعد أن حطمت إسرائيل معظم عناصر السلاح الجوى، وقتها كان مبارك مسئولا عن قاعدة بنى سويف الجوية ليتم اختياره بعدها ليتولى إدارة الكلية الجوية واستطاع تخريج خمس دفعات جديدة من الطيارين فى أقل من عام ونصف ليصبح مبارك صاحب أول إنجاز غير مسبوق فى تاريخ القوات الجوية، وبناء على قرار استثنائى من الرئيس «جمال عبدالناصر»، تم ترقيته لرتبة «رئيس أركان حرب القوات الجوية»، وقد شهدت تلك الفترة حرب الاستنزاف، حيث حصل مبارك على ترقية لرتبة العميد فى 22 يونيو 1969.
فى تلك الاثناء استعان عبدالناصر بالطيار حسنى مبارك فى مهمة كانت هى الطريق الذى مهد لمبارك دخول عالم السياسة بعد ذلك، وهى مهمة فى ليبيا لتسليم رسالة من الرئيس جمال عبدالناصر إلى الرئيس معمر القذافي، وكان القذافى اتفق مع فرنسا على شراء طائرات الميراج، وكان عبدالناصر يريد شراءها وطلب القذافى أن يقوم طيارون عسكريون مصريون بالتفاوض بسبب عدم خبرة الليبيين فى التفاوض.
بدأت تدب خلافات بين المفاوض المصرى الحامل للجواز العسكرى الليبى وبين الشركة الفرنسية، ليذهب حسنى مبارك لحل المشكلة، حيث تزامن ذلك مع وفاة عبدالناصر وتولى الرئيس أنور السادات الحكم.
حرص مبارك على تطوير مهاراته وصقلها ليسافر فى بعثات متعددة إلى الاتحاد السوفيتى، منها بعثة للتدريب على القاذفة إليوشن ـ 28، وبعثة للتدريب على القاذفة تى ـ يو ـ 16، كما تلقى دراسات عليا بأكاديمية فرونز العسكرية بالاتحاد السوفيتى (1964 ـ 1965)، ليصبح قائدا للواء قاذفات قنابل، وقائدا لقاعدة غرب القاهرة الجوية بالوكالة حتى 30 يونيو 1966.
شغل مبارك منصب رئيس أركان حرب القوات الجوية، ثم قائدا للقوات الجوية فى أبريل 1972، وفى العام نفسه عُين نائبا لوزير الحربية، لكن الغريب فى الأمر أن مبارك حصل على رتبة «عميد» يونيه عام 1969 قبل دفعتين ممن سبقوه ثم قائدا للقوات الجوية فى أبريل 1972م، وفى العام نفسه عُين نائبا لوزير الحربية ثم رقى اللواء محمد حسنى مبارك إلى رتبة فريق أول طيار فى فبراير 1974 بعد أن قاد القوات الجوية لانتصار أكتوبر المجيد.
بذل مبارك جهدا غير عادي فى الفترة السابقة على حرب أكتوبر فى محاولة منه لإعادة التوازن للقوات الجوية، ويعود الفضل له فى تعويض هذا النقص فى عدد الطيارين، إذ كان يقوم بتخريج دفعتين من القوات الجوية كل عام، وهم الطيارون الذين حاربوا فى أكتوبر ونفذوا ضربات جوية أذهلت العالم.
شارك مبارك فى التخطيط لحرب 6 أكتوبر، أثناء قيادته للقوات الجوية، فبدأ الهجوم المصرى على القوات الإسرائيلية التى كانت محتلة لشبه جزيرة سيناء بغارات جوية مكثفة ساعدت فى دعم عبور القوات المصرية لقناة السويس واقتحام خط بارليف، مما كان له أثر كبير فى تحويل مبارك إلى بطل قومى.
وقد رصد مبارك فى مذكراته الكثير عن حرب أكتوبر وكفاءة الطيارين المصريين واستعان بكلمات الجنرال « أندريه بوفر»، خبير الاستراتيجية القتالية، عن رأيه العلمى فى قواتنا الجوية فى هذه الحرب بقوله: «لقد كان الدرس المهم فى حرب رمضان هو أن القوات الجوية المصرية أحسنت انتشارها وحمايتها، فتمكنت من الاستمرار فى العمليات وحرمت الخصم بذلك من التمتع بميزة كبرى هى التفوق الجوى، أو السيطرة الجوية».
كما أشار مبارك فى مذكراته إلى مقال كتبه أحد مراسلى الصحف الإسرائيلية، أثناء وجوده بمنطقة الثغرة، ذاكرا فيه العبارة التالية: «أما قصف المدفعية فشىء تعوّدنا عليه، وأما هذا القصف الجوى فشىء مفزع».
وينتقل «مبارك» للحديث عن الدور الذى لعبته طائرات الهليكوبتر فى حرب أكتوبر، مؤكدا أنها لعبت دورا فعالا بعد ساعات قليلة من بدء المعركة عبر نقل كتائب بأكملها لإسقاطها خلف الخطوط الإسرائيلية، وكانت هذه الوحدات من الكوماندوز المصريين، شأنها فى ذلك شأن قوات المشاة على طول القناة، مجهزة بالصواريخ المضادة للدبابات وإمداد القوات الخاصة فى منطقة البحر الأحمر أيام 8 و11 و12 و14 أكتوبر بشكل سمح لهذه الوحدات بالاستمرار فى قتال العدو وإرباك خطوطه الخلفية.
بالإضافة لاستطلاع العدو والتعامل مع دباباته فى أيام 16 و17 و18 و27 أكتوبر وإمداد قوات الجيش الثالث الميدانى، شرق قناة السويس، بجميع ما يلزمه من احتياجات، خلال الأيام الأخيرة من عملية « ثغرة الدفرسوار».
كان مهندسو المطارات يعملون ليلا على أضواء العربات، كما كانت تعوق أعمالهم القنابل المهتزة، لكنهم كانوا دائما أصحاب عزيمة، وكان نتاج ذلك كله ممرات صالحة على الدوام، تضمن لسلاحهم الجوى تحقيق شبح يرعب إسرائيل اسمه «الاستمرار» فى المعركة من بدايتها إلى نهايتها.
ابتدع مبارك تكتيكا جديدا فى حرب أكتوبر اعتمد على العمل الجوى المركز بما يضمن تحقيق ضربة السيطرة الجوية بنجاح، كما نجح فى تدريب الطيارين ليل نهار على الطيران بارتفاعات منخفضة لتفادى الكشف الرادارى وأجهزة الإنذار المبكر لدى العدو، كما تدربوا على إطلاق المدافع والصواريخ بدقة وكفاءة عالية فى تمييز الأهداف والمناورة بميادين رمى مزودة بأهداف هيكلية، ودرب الطيارين على الإقلاع بطائراتهم فى زمن قياسى وبالتالى استوعب التدريب أطقم الملاحة الجوية، والتصوير الجوى وتفسير الصور التى تعود بها طائرات الاستطلاع، مع رفع كفاءة الإصلاح الهندسى للطائرات.
كما نجح مبارك فى جعل الطيارين يتفوقون على معدل عدد الطلعات اليومية لكل طيار من ثلاث حتى أربع طلعات للطيار، فقام طيارونا ب 6 و 7 طلعات وبعضهم قام بـ 9 طلعات جوية ضاربا الأرقام القياسية.
ولعل معركة المنصورة التى استمرت أكثر من 50 دقيقة وتم تصنيفها على أنها أطول معركة جوية فى التاريخ، توضح مدى كفاءة الطيارين الذين تم تدريبهم على يد مبارك طوال الفترة التى سبقت حرب الاستنزاف، وهى المعركة التى تكبد فيها العدو خسائر فادحة.
وقد تحدث مبارك عن معارك حرب اكتوبر كثيرا، وذكر كفاءة الطيارين المصريين، وكيف أن السيطرة على الطيارين باتت صعبة، حيث قال فى حوار له عام 1974 «حين أصدرت الأوامر ببدء المعركة كان تنفيذها بأسرع ما يتخيله العقل والمنطق .. أننى أذكر أن السيطرة على الطيارين فى الدقيقة الواحدة بعد الساعة 2 ظهرا كانت شاقة للغاية، بل كانت شاقة قبل ساعة الصفر بوقت ليس بقليل أمام الشحن المعنوى والعقائدى بالحرب وشرعيتها».