لماذا يترحمون على حسني مبارك؟
الأربعاء، 26 فبراير 2020 10:03 ص
بوفاة الرئيس الأسبق حسني مبارك، تجدد الاختلاف عليه كما كان خلال الثلاثين عامًا التي جلس فيها على سدة الحكم.. كان ديكتاتورًا، قمعيًا، جاهلًا، جبانًا، فاسدًا، مفسدًا، عميلًا، خائنًا، قاتلًا، سفاكًا للدماء، لا يستحق جنازة عسكرية، ولا يجوز الترحم عليه، والشماتة في موته «أقل واجب».. في عيون كارهيه.
وعلى النقيض تمامًا، فإن مبارك كان بطلًا مغوارًا، وأحد القادة العظام لحرب أكتوبر، وكان رئيسًا حكيمًا، وسياسيًا محنكًا، وطاهرًا شريفًا، ووطنيًا مخلصًا، وأبًا حنونًا لكل المصريين، وجَنَّبَ مصر ويلات الحروب، ووصل بسفينة الوطن إلى بر الأمان، ويستحق جنازة عسكرية تليق بتاريخه وسجله العسكري المشرف.. والرحمة في حقة واجبة، والشماتة في موته خسة ونذالة، وتتعارض مع قدسية وحرمة الموت.. كما في عيون محبيه.
بينما «المرحوم» عند مَنْ يحملون لقب «إنسان» كان «أمانة» استردها خالقها، وسيحكم التاريخ بما له وعليه ما عليه.. ولا تجوز عليه إلا الرحمة، وذكر محاسنه..
هكذا انقسم واختلف المصريون حول مبارك. وما الجديد؟ إنهم ينقسمون ويختلفون حول كل شيء.. وجعلت منهم وسائل الإعلام «المنفلتة»، مثل «فيسبوك وتويتر»، قضاةً وآلهةً يصدرون أحكامًا بإدانة أي شخصٍ، وتشويهه، أو تبرئة ساحته وتجميل صورته.. كل ذلك بـ«كبسة زر» على «كيبورد» كمبيوتر، أو هاتف ذكي!
قل عن مبارك ما شئت.. قل كان ملاكًا رحيمًا أو شيطانًا رجيمًا.. فقولك لن يقدم أو يؤخر.. فقد مات وذهب إلى الحاكم الأعلى، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.. الإله الذي يعلم ما خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. رب مبارك هو الذي سينظر في أمره، وهو- سبحانه- الذي سيحاسبه بالحق والعدل والفضل.. لا معقب لحكمه.. إن شاء الله عذبه، وإن شاء غفر له.. وعند الله تجتمع الخصوم.
دع الناس ورأيهم في مبارك، فكل إنسان حرٌ في رأيه، وحرٌ في تعبيره عن رأيه، وهو وحده الذي سيُحاسب على كل كلمة يتلفظُ بها في حق إنسان أفضى إلى ربه، وسوف تدون الملائكة كل كلمة يقولها، إما له أو عليه.. وسيجد كل ذلك في كتابه الذي يلقاه منشورًا يوم الفصل، وما أدراك ما يوم الفصل؟
عليك بنفسك.. لا تطلب من أحدٍ أن يتبنى رأيك، أو يكون مثلك.. لا تستنكر الذين يتهمون الرئيس الراحل حسني مبارك بكل نقيصة، وكل مذمةٍ، فلكل منهم منطقه، وأسبابه، وما يعتقده أنه صواب.. فقد يكون تعرض هو أو أحدٌ من أهله أو من معارفه لمكروهٍ، في عهد مبارك.. أو ربما كان معارضًا لمبارك ونظامه، أو ربما يجبره «أكل عيشه» على الشماتة في موت مبارك، وعدم الترحم عليه.. إلخ.
أيضًا، لا تستنكر الذين يحبون مبارك، ويترحمون عليه، ولا تتهمهم بأنهم «عبيد يحبون جلادهم، ويكرهون شمس الحرية»، فليس كل مَنْ يحب مبارك، ويترحم عليه «عبدًا».. فقد يكون «منصفًا» وأعطاه ما يستحقه على دوره في بناء القوات الجوية بعد نكسة يونيو 1967، وعلى دوره في قيادته القوات الجوية في حرب أكتوبر.. أو لاسترداد طابا في عهده.. أو لتحرير الكويت من غزو صدام.. أو تقديرًا لثقله العربي والإقليمي.. فلا تتعجب من إشادة قوى إقليمية ودولية بمبارك وسياسته.. ولا تستنكر إبراز الإعلام الغربي لدوره..
وربما يكون المحب لمبارك والمترحم عليه قد حصل على «منفعة»، أو عاش مطمئنًا آمنًا في عهده.. أو رأى في مبارك ما يجعله يترحم عليه.. أو ربما كان «إنسانًا»، ترحم على مبارك كما يترحم على أي أحد.. أو ربما أصابه مكروهًا في عهد مبارك، لكنه سامحه، وعفا عنه.. أو صَعُبَتْ عليه «العِشرة»، ونحن- المصريين- نقول في فلسفتنا الشعبية: «العشرة متهونش إلا على ولاد الحرام»، ومبارك ليس عِشرة أعوام، بل عِشرة عقود.
فلا تَلُمْ على مَنْ يحبون الرئيس الأسبق، ولا تتعجب ممن يترحمون عليه.. ولا ولا تشغل نفسك بنعي «محمد أبو تريكة» لمبارك، ولا ببكاء الشيخ مظهر شاهين، «خطيب الثورة»، عليه.. ولا تبحث عن سر رثاء «محمد البرادعي» أو «وائل غنيم»، وهما اللذان كانا من أهم رموز الثورة ضد مبارك، وإجباره على التخلي عن الحكم في 11 فبراير 2011.. فلكل إنسان حرٌ في رأيه، ومعتقده، وأسباب محبته والترحم عليه..
اختصارًا.. أمسك عليك لسانك.. دع مَنْ يكره مبارك يكرهه، ومَنْ يحبه لا تنكر عليه المحبة.. دع مَنْ لا يترحم لا يترحم، ومَنْ يترحم لا تحجر عليه ترحمه.. فالذين اختلفوا على ربهم، وعلى أنبيائهم، ألا يختلفون على رؤسائهم؟