الشيخ شلتوت وصفه بـ«المؤذى».. وأصحاب المذاهب الأربعة اتفقوا على أنه واجب.. وعلماء أنكروا وروده فى السنة
عادت قضية ختان الإناث تطفو على السطح مرة أخرى عقب وفاة طفلة فى أسيوط أثناء إجراء عملية ختان، وهو ما واكبه اشتعال أزمة تجديد التراث والخطاب الدينى، لتظهر المعارك الفقهية حول الختان باعتباره من الموروثات التى تحتاج إلى التطرق إليها وحسمها بعد الجدل الفقهى الذى دار حولها واستناد من يؤيدون الختان لبعض الأحاديث النبوية، فى الوقت الذى ينكر رافضو الختان هذه الأحاديث استنادا لضعفها.
الأزمة أن هناك أحاديث كثيرة ظهرت فى ختان الإناث، وهى الأحاديث النبوية التى استند عليها أصحاب الرأى بجواز إجراء الختان، مشددين على أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا لختان الإناث، رافضين مراجعة الحديث ومطالبين بتطبيق ما أمر به الرسول الكريم، فى المقابل رفض أصحاب الرأى الآخر هذه المقولة، مؤكدين أن دعوة الرسول لختان الإناث ربما كانت لضرورة ظهرت فى عصره، إلا أن الظرف تغير الآن بتغير الأحوال، وهو ما يعنى عدم جواز إجراء الختان، مستندين فى رأيهم للحديث النبوى «أنتم أعلم بشئون دنياكم»، وهو ما يعنى أنه من الممكن التخلى عن الكثير من الموروثات طالما أن الحاجة دعت لهذا التغيير.
المثير فى الأمر أن الأزهر نفسه - وهو المرجعية الأولى والأهم فى العالم الإسلامى - له فتويان متناقضتان فى قضية الختان، الأمر الذى أربك المتابعين، حيث كانت الفتوى الأولى تلك التى أصدرها شيخ الأزهر الأسبق الدكتور جاد الحق على جاد الحق عام 1978 ونشرت وقتها فى مجلة الأزهر الشريف، والتى عارض فيها منع ختان الإناث، حيث كان من أشد المؤيدين للختان، فى حين أصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانا حول هذه المسألة فى 28 يونيه 2007، والذى أكد فيه أنه لا أصل للختان فى التشريع الإسلامى، وطالب فيه بتنظيم حملة إرشادية وإعلامية تحذر المواطنين من ممارسة هذه العادة.
رأى دار الإفتاء
كان لدار الإفتاء رأى حاسم فى قضية الختان حيث قررت تحريمه، مؤكدة أنها ليست قضية دينية تعبدية فى أصلها، لكنها قضية ترجع إلى العادات والتقاليد والموروثات الشعبية التى يمكن تغييرها، خاصة أن موضوع الختان قد تغير وأصبحت له مضار كثيرة جسدية ونفسية؛ بل إن دار الإفتاء وصفت حديث «أم عطية» الشهير والخاص بالختان بأنه «حديث ضعيف جدا»، ولم يرد به سند صحيح فى السنة النبوية.
وأوضحت دار الإفتاء، أن عادة الختان عرفتها بعض القبائل العربية نظرا لظروف معينة قد تغيرت الآن، وقد تبين أضرارها الطبية والنفسية بإجماع الأطباء والعلماء، مشيرة إلى أن الدليل على أن الختان ليس أمرا مفروضا على المرأة، أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يختن بناته رضى الله عنهن، وأشارت دار الإفتاء إلى أنها تفاعلت مبكرا مع البحوث العلمية الطبية الصادرة عن المؤسسات الطبية المعتمدة والمنظمات الصحية العالمية المحايدة، التى أثبتت الأضرار البالغة والنتائج السلبية لختان الإناث؛ فأصدرت عام 2006 بيانا يؤكد أن الختان من قبيل العادات لا الشعائر، وأن المطلع على حقيقة الأمر لا يسعه إلا القول بالتحريم.
وحذرت دار الإفتاء من الانجرار وراء تلك الدعوات التى تصدر من غير المتخصصين لا شرعيا ولا طبيا، والتى تدعو إلى الختان وتجعله فرضا تعبديا، مؤكدة أن تحريم ختان الإناث فى هذا العصر هو القول الصواب الذى يتفق مع مقاصد الشرع ومصالح الخلق، وبالتالى فإن محاربة هذه العادة هو تطبيق أمين لمراد الله تعالى فى خلقه، وبالإضافة إلى أن ممارسة هذه العادة مخالفة للشريعة الإسلامية فهى مخالفة كذلك للقانون، والسعى فى القضاء عليها نوع من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وأضافت دار الإفتاء: على فرض صحة الأحاديث الواردة عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم ـ لم يكن أمرا بالختان بوجه من الوجوه ولا حكما بمشروعيته، بل هو أقرب إلى التوجيه النبوى الكريم الذى يحذر من أضرار ممارسة هذه العادة على الوجه الذى كانت تمارس عليه، والنهى عن التجاوز فيها، وليس فيه أى تعرض للأمر بها أو مشروعيتها من قريب أو بعيد.
ولعل أشهر من رفضوا الختان كان الشيخ محمود شلتوت مفتى الديار المصرية فى الخمسينات، والذى قال صراحة فى فتوى عام 1959 تعليقا على مدى مشروعية الختان «ليس فى الختان خير يرجع إليه ولا سنة تتبع ، وان كلمة سنة التى جاءت فى بعض المرويات معناها، إذا صحت، الطريقة المألوفة عند القوم فى ذلك الوقت، ولم ترد الكلمة على لسان الرسول بمعناها الفقهى الذى عرفت به فيما بعد»، مضيفا: الذى أراه : أن حكم الشرع لا يخضع لنص منقول، وانما يخضع فى الذكر والأنثى لقاعدة شرعية عامة، وهى أن إيلام الحى لا يجوز شرعا إلا لمصالح تعود عليه وتربو على الألم الذى يلحقه».
فى مقابل هذا التحريم الذى قررته دار الإفتاء، خرج عدد من الشيوخ والأئمة ممن يعارضون رأى الإفتاء مؤكدين بجواز إجراء ختان للإناث، ومطالبين بعدم الاقتراب من هذا الموروث، مستندين فى ذلك على عدد من الأحاديث النبوية الشريفة التى تدعو لختان الإناث، ولعل أشهر هذه الأحاديث كانت عن أنس بن مالك أن النبى قال لأم عطية وهى ختانة كانت تختن النساء فى المدينة: «إذا خفضت فأشمّى ولا تُنهكى، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج، وفى رواية أخرى للنبى: «إذا ختنت فلا تنهكى فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل»، كما أورد أصحاب هذا الرأى حديثا ثالثا للنبى صلى الله عليه وسلم قال فيه: «الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء». أما الحديث الرابع فقال فيه الرسول « عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال: دخل النبى على نسوة من الأنصار فقال: « يا معشر الأنصار اختضبن غمسا واخفضن ولا تُنهكن فإنه أحظى عند أزواجكن وإياكن وكفر المنعمين».
على الجانب الآخر اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة على مشروعية ختان الإناث، لكنّهم اختلفوا فيه بين الوجوب والاستحباب، حيث يرى المذهب الحنفى: أنّ الختان للنساء مكرمة، وهو من شعائر الإسلام وخصائصه، وهو سنّة عندهم للرجال والنساء، فى حين يرى المذهب المالكى: أنّه مستحب، والراجح فى المذهب أنّ خفض «أى ختن» الأنثى مستحب، وهى من السنن التى لا يجب تركها، كما رأى المذهب الشافعى أن الختان واجب على الرجال والنساء، كما يرى أصحاب المذهب الحنبلى أنّ الختان مكرمة للإناث، ولكنّه ليس بواجب عليهن.
بل إن الشافعية والحنابلة ذهبوا إلى أن الوقت الذى يصير فيه الختان واجبا هو ما بعد البلوغ، لأن الهدف من الختان هو الطهارة، حيث يستحب إجراء الختان فى الصغر إلى سن التمييز لأنه أرفق به، كما حدد الشافعية مرور 7 أيام من الولادة لإجراء عملية الختان، وهو ما أكد عليه الحنابلة والمالكية أيضا.
من ناحية أخرى جرم القانون المصرى اجراء عمليات ختان الإناث، حيث نصت المادة 242 مكرر من قانون العقوبات، بتغليظ العقوبة، ويتألف القانون من 3 مواد تغلظ العقوبة على الأطباء الذين يقومون بهذه العملية من جنحة إلى جناية، وكذلك بالنسبة للشخص الذى يقتاد الأنثى من أولياء الأمور إلى عملية الختان.
ونص مشروع القانون فى مادته الأولى على أن يستبدل بنص المادة 242 مكرر من قانون العقوبات النص الآتى: يقصد بختان الأنثى فى حكم هذه المادة، كل إزالة لجزء أو كل لعضو تناسلى للأنثى بدون مبرر طبى، وتكون العقوبة السجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهة مستديمة، أو إذا أفضى ذلك الفعل إلى الموت.
كما تضمنت المادة الثانية إضافة نص برقم 242 مكرر «أ» إلى قانون العقوبات يجرى نصه على النحو الآتى: « يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز ثلاث سنوات، كل من قدم أنثى وتم ختانها على النحو المشار إليه بالمادة «242» مكرر من هذا القانون».
الجدير بالذكر أن تقرير لليونيسيف أكد أن عددا كبيرا من النساء فى مصر مصابات بتشويه الأعضاء التناسلية، حيث أكد أن مصر تأتى فى المركز الرابع عالميا فى نسب انتشار الختان؛ بـ91%، وتسبقها فى القائمة الصومال وغينيا وجيبوتى، وتعدت نسبة انتشار ختان الإناث فى مصر سنة 2000 الـ97%، وهى النسبة التى انخفضت سنة 2015 إلى 92%، ثم إلى 87% سنة 2016، لكن انتشار تلك الممارسة عاد فى الصعود إلى 91% سنة 2017، رغم تبنى الحكومة تشريعات عقابية لمن يقوم بالختان للإناث منذ عام 2008، بعد أن أقر مجلس الشعب رسميا قانون يجرم ختان الإناث إلا للضرورة. وتضمن تجريم الختان فى مصر معاقبة من يقوم بالختان بالسجن لمدة تتراوح بين 3 أشهر وعامين، وغرامة تبدأ من 1000 جنيه إلى 5000 آلاف جنيه، وفى سبتمبر 2016، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى، قرارا جمهوريا؛ بتعديل أحكام قانون العقوبات لتغليظ العقوبة ضد كل من قام بختان أنثى، وتضمن التعديل؛ ارتفاع عقوبة مرتكب الجريمة من الحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تتجاوز سنتين إلى السجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز 7 سنوات، كما عُرف الختان، وفقُا للتعديل الأخير، بأنه «إزالة أي من الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئى أو تام أو إلحاق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبى».
السؤال الآن، هل سندخل موضوع ختان الإناث ضمن القضايا التى يجب النظر إليها ضمن تجديد الفكر الدينى، أم سنظل ندور حول أنفسنا بين فتاوى متعددة، ومشايخ يفضلون أن يكون لهم رأيهم الخاص؟