رسول الله قطع الأمر بقوله «يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها»
أزهريون ينقبون فى كتب التراث ويطالبون بتنقيحها
السبت، 08 فبراير 2020 07:00 مكتبت - منال القاضي
اختلفت آراء الأزهريين حول مغزى تجديد الخطاب الدينى، وهل نحن بحاجة إلى هذا التجديد فى الوقت الراهن؟ أم لا؟ وإلى أى مدى يمكن أن نسير فى طريق التجديد إذا ما قررنا السير فيه؟
وكان واضحا أن هناك شبه إجماع على أهمية التجديد، لكن الخلاف ظهر فى نظرة كل منهم للتجديد ولمضمونه والقضايا التى من المفترض أن تكون محل نقاش، فالتجديد كعنوان رئيسى أمر مطلوب فى وجهة نظر الأزهريين، لكن ما تحته من عناوين لقضايا هو محور الخلاف.
الدكتور عطية لاشين، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، وأمين الفتوى بالجامع الأزهر، يرى أن الخلاف حول الاستناد إلى التراث تتطلب أن «يقرأ المختصون فى التراث والفاهمين للغة التراث والمستوعبين لأساليب التراثيين.. يقرأون التراث ثم يصيغون معناه بأسلوب يتناسب مع العقول التى تتواجد فى هذا العقل، لأن هذه العقول لا ترقى إلى فهم موقفنا فى التراث».
ولتطبيق هذه القاعدة قال الدكتور عطية لاشين لـ«صوت الأمة» إن هناك أمور ومسائل فقهية وأحاديث نبوية وربما آيات قرانية موجودة فى الكتب الأزهرية، تحتاج إلى إعادة النظر فى مسألة وجودها ضمن هذه المناهج، والعمل على حذفها من هذه المناهج، لأنها لا تنطبق على العصر الحالى الذى نعيش فيه، فهى كانت مناسبة للعصر الذى نزلت فيه، لكنها الآن غير مناسبة، لذلك من الأفضل حذفها من المناهج، وأن يكون تدريسها فقط مقتصرا على درجات علمية محددة.
الدكتور أحمد معبد، عضو هيئة كبار العلماء، يسير فى نفس الاتجاه مع الدكتور عطية لاشين، وإن كان من زاوية أخرى، فهو يقول «إننا فى البداية بحاجة إلى تحديد ماذا نريد من التجديد، وإلى أين سنذهب بعد أن نتجاوز الاصول؟.. المفروض أن نبنى على الأصول ما يحقق المصلحة الآنية، لان الاصل فى هذه الحالة سيقبلها»، مشيرا إلى أن هناك بعض الوقائع والأحاديث التى حدثت فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن تطبيقها الآن صعب، لاختلاف الزمان والمكان.
وأضاف الدكتور معبد لـ«صوت الأمة»، «هناك من يتحدثون أن أهالى البوادى يزوجون بناتهم وهن فى سن العشر سنوات، مقتدين بسن زواج السيدة عائشة من الرسول صلى الله عليه وسلم حينما تزوجت فى التاسعة، ونحن نسلم بأن الزواج فى هذه السن الآن غير نافع، لكنه فى وقت السيدة عائشة كان نافعا، لأن بنت التسع سنوات فى ذاك الزمن لم تكن طفلة ولا حدثا، ولم تكن السيدة عائشة الوحيدة التى تزوجت وهى فى هذه السن، وإنما ذكر البخارى واقعة زواج السيدة عائشة لأنه الذى يتعلق بالاحاديث المتصلة التى تصح على شرط، وهنا هو أن تكون البنت قادرة على المعاشرة الزوجية، لذلك فإن موضوع السن هو مغالطة بالعصر الحاضر على ماض لم نقرأ عنه، وليس هذا حكما على كل من بلغت التاسعة، ولا نستدل بهذا الحديث الآن، لأن بنت تسع سنوات الآن غير بنت تسعة سنوات فى زمن السيدة عائشة».
وعاد الدكتور أحمد معبد إلى قضية التجديد من بابها الواسع، وقال إنه إذا أشرنا إلى النقاش الذى دار الأسبوعى الماضى بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة حول تجديد الخطاب الدينى، سنجد أن الشيخ لم يكن ليقصد مطلقا الهجوم على الدكتور محمد عثمان الخشت، وإنما حاول تنبيه المتحدث بأنه تجاوز حدود التجديد فى ما يخالف أصول الثوابت الدينية.
الدكتور عبدالمنعم فؤاد، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، قال إن قضية تجديد الخطاب الدينى يجب تحريكها بشكل مستمر، لا تقف عند منطقة أو زمن معين، وعلى المجتمع كافة أن يقف مع هذه القضية وتنفيذها على أرض الواقع، خاصة أن هذا التجديد هو السبيل الأهم لمواجهة التطرف، مؤكدا ما سبق وذهب إليه شيخ الأزهر، بأن تجديد الخطاب الدينى موجود فى التراث، وأن دعاوى التجديد تراثية فى الأصل، ودائما موجودة فى الدين، ولا صحيح مطلقا سوى القرآن الكريم، وما صح من أحاديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال الدكتور عبد المنعم فؤاد لـ«صوت الأمة»، إن التجديد بعيدا عن الثوابت متاح للجميع، لكن يجب أن يكون المتصدون لهذا التجديد رجال علم، مضيفا أن «التجديد بصورة عصرية يكون بخطاب يقوم على الفهم والتجديد فى الأمور الظنية، لكن التراث مثل الثوابت فى العبادات، لا يجب التحريف فيها، مثل الصلاة والصيام والزكاة، فهذه عبادات لا يجب التشكيك فيها».
من جهة أخرى وجه الدكتور يوسف عامر، نائب رئيس جامعة الأزهر لشئون التعليم والطلاب، دعوة إلى المطالبين بالتجديد أو الداعين إلى التخلى عن التراث بالتريث، وقال «هاتوا لنا أُمَّة من الأمم تخلت عن تُراثها فى سبيلِ بِناء نهضتها المعاصرة، ودونكم الحضارةُ الأوروبيةُ التى لا تفتأ أن ترجع بأصولها الحضارية إلى تُراثِ اليونان وغيره، بل كيف لنا أن نُطالَبَ بتجاوزِ ترُاثنا الإسلامى ونحن نفاخِرُ الدنيا بِتُراثنا الفِرعونى الذى ما زلنا نعكفُ على دراستِهِ واكتشافِ مَكنوناتِه، لسنا وحدَنا فحسب، بل تُشاركنا فيه أممُ الدنيا كلِّها».
وأضاف الدكتور يوسف عامر فى كلمة ألقاها الإثنين الماضى بمؤتمر «دور الأزهر فى الإصلاح والتجديد ومواجهة الفكر المنحرف»، بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بطنطا، أن التجديدُ مظهرٌ من مظاهرِ الرحمةِ، التى تتجلى أيضا فى كونها سنة كونية متناغمة مع طبائعِ المُكوَّنات، التى إن توقَّفت فى جانبٍ من الجوانب كانت آيةَ فنائِه، ودليلَ انقراضه، وهو ضرورةٌ حتميةٌ بدَت جلية واضحة فى ثراثنا الإسلامى منذ أن تمَّ تقعيدُ العلومِ الإسلاميةِ فى عصوره التليدة، لافتا إلى أن وفاءَ الشريعة بمصالح العبادِ يجعلُها مَرنة تستوعب المتغيراتِ الزمانيةِ والمكانيةِ مما يستلزمُ منهجا رشيدا، تَمثّلَ ذلك فى المنهجِ الأزهَرِيِّ، الذى هو نِتاجُ عُقولٍ مُستقرةٍ مُستوعِبةٍ ناضجةٍ قدَّمت، ولا تزال نِتاجا ضخما ثرِيّا فى مختلفِ جوانبِ العُلومِ الإسلاميةِ على مدارِ تاريخِ الأزهرِ ومسيرتِهِ الفريدَةِ المتميزةِ، وهو إذ يحملُ على عاتقه ذلك الحضورَ الفاعلَ فى نوازلِ العصرِ يسعى إلى تحقيقِ مقاصِدِ الشريعةِ الغراءِ، وعلى رأسِها تحقيقُ مصالحِ العبادِ وما ينفعُهم، وتلك غايةُ ما تسعى إليه هِممُ المُصلحين من كلِّ اتجاهٍ.
وأضاف الدكتور يوسف عامر، «إن التجديدَ الذى ننشدُه ونتبناهُ هو الذى يقومُ على هَضمِ التراث واستيعابه والاستفادةِ من مناهجه والوقوف على نماذجِه المعرفية هو التجديدُ الذى يُراعى فِقهَ النصّ ِوإدراكَه إدراكا صحيحا وفقَ مُرادِ اللهِ ورسولِهِ بقدرِ الطاقةِ والوسع وسيبله ُالمعرفةُ التامةُ بِلُغةِ العربِ، وطَرائقُ اللسانِ العربى فى التعبيرِ، وغير ذلك من الآلياتِ والوسائلِ والضوابط المَرْعِيَّةِ، كما يراعى إدراكَ الواقع المعيش بمستجداتِهِ ونوازِلِهِ وأحداثِه، ثم إدراك كيفية تنزيلِ النصِّ على الواقعِ وربطِهِ به ربطا صحيحا من غير إفراطٍ أو تفريطٍ».
وقال نائب رئيس جامعة الأزهر: إن الشريعةَ الإسلاميةَ لم تقفْ يوما عاجزة عن التجديدِ، وإن بابا واحدا عظيمَ القيمةِ والقدر كباب القياس فى علوم الشريعة واللغة ليقفُ وحدَه مستوعبا نوازلَ العصرِ وحوادثِ الدهر، ولم يعجزْنا مُستحدَثٌ عن إيجادِ حكمٍ شرعى لا نصَّ فيه، فالقياسُ طاقةٌ مفتوحةٌ ننفَذُ من خلالها إلى كل جديدٍ؛ لنقول فيه رأيَ الشرعِ الشريف وإلا فمن أين أتتْ أحكامُ الشريعة فى بعض القضايا المعاصرةِ كبُنوكِ النُّطف والأجنة، وحكمِ استخدام الحامض النووى فى نفى وإثبات النسب، إضافة إلى أحكام المعاملات كعقود التمويل والاستثمار وغير ذلك، ما يجعلنا نُردّدُ أنَّ الإسلامَ صالح لكل زمان ومكان.