«التراث الإسلامي» يشعل مناوشات فكرية بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة
الثلاثاء، 28 يناير 2020 05:38 مإبراهيم الديب
أكد الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، في تعقيبه على مداخلة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، اعتزازه بالأزهر وبشيخه باعتباره منارة علمية لايمكن التقليل من الجهود التي يبذلها الأزهر والإمام الأكبر على مختلف المستويات، وقال إن الخلاف في وجهات النظر أمر منطقي وطبيعي في الأوساط العلمية، وأنه يختلف ويتفق مع الأزهر ولكنه يقدره.
كان الدكتور الخشت قد رفض في كلمته أمام المؤتمر محاولة «إحياء علوم الدين»، ودعا إلى ضرورة «تطوير علوم الدين»، موضحًا أن العلوم التي نشأت حول الدين علوم إنسانية، تقصد إلى فهم الوحي الإلهي، وأن علوم التفسير والفقه وأصول الدين وعلوم مصطلح الحديث وعلم الرجال أو علم الجرح والتعديل، هي علوم إنسانية أنشأها بشر، وكل ما جاء بها اجتهادات بشرية، ومن ثم فهي قابلة للتطوير والتطور.
وقال الدكتور عثمان الخشت، إنه بات من الضروري تفكيك الخطاب التقليدي، والبنية العقلية التي تقف وراءه. وأن تأسيس خطاب ديني جديد، أصبح يمثل حاجة ملحة. ويجب أن نعيد تفكيك هذا النص البشري لكي نعيد بناء العلوم، وأنه لابد من تأسيس خطاب ديني جديد، وليس تجديد الخطاب الديني التقليدي، وأنه لا يمكن تأسيس خطاب ديني جديد بدون تكوين عقل ديني جديد، لافتًا إلى أن تطوير العقل الديني، غير ممكن بدون تفكيكه وبيان الجانب البشري فيه.
وأوضح أن من أهم الشروط لتكوين عقل ديني جديد، إصلاح طريقة التفكير، وفتح العقول المغلقة وتغيير طريقة المتعصبين في التفكير، والعمل على تغيير رؤية العالم وتجديد فهم العقائد في الأديان ونقد العقائد الأشعرية والاعتزالية وغيرها من عقائد المذاهب القديمة، قائلًا: «نحن مسلمون قرآنًا وسنة، ولسنا من أتباع المذاهب».
وأوضح الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، أن رؤيته لتأسيس خطاب ديني جديد تم فهمها بطريقة غير متوقعة، وأنه تم قياس كلامه على تيار آخر وتحميله معاني تيار يهاجم الأزهر بإطلاق، مؤكدًا أن هذا ليس حقيقيًا، وأنه يعني ما يقوله وبدقة. مشيرًا إلى أن مؤلفاته درست منذ عام 1986 في الجامعات العربية.
وأكد الدكتور الخشت، أنه جاء إلى مؤتمر الأزهر ولديه رؤية يطرحها في مجال تجديد الفكر الإسلامي، وأن ما يطرحه مجال للحوار وليس للحجاج، موضحًا أن هناك فرقا بين طريقة التفكير بالإختيار بين أمرين (إما أو)، إما معنا أو ضدنا، وأن هذا التفكير الأرسطي خاطيء لأنه قائم على الفصل الأبستمولوجي والإسلام لا يقوم على هذا الفصل، مستشهدًا بالآية الكريمة «وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ».
وأوضح الدكتور الخشت، أن تجاوز التراث ليس كما فهم نفيًا او إلغاء، ولكن استيعاب التراث في مركب جديد، مؤكدًا رفضه لتهوين التراث أو تهويله، مضيفًا أن من التراث ما هو حي وما هو ميت، ومنه الصواب ومنه الخطأ، وأن الأزهر مثله مثل المؤسسات الأخرى قد يصيب وقد يخطئ.
وأشار الدكتور الخشت في تعقيبه، إلى أن العقل الديني الذي قصده ليس المقصود به القرآن، ولكن المقصود به طريقتنا في التفكير في أمور الدين، واقترح أن يدرس كتاب عبد الله دراز «دستور الأخلاق في القران»، وكتاب الشيخ محمود شلتوت «الإسلام عقيدة وشريعة»، مؤكدًا أنه ليس ضد الأزهر وأنه يحترم الدولة الوطنية ذات المؤسسات، التي لابد أن نصل فيها إلى أرضية مشتركة.
ودعا الدكتور الخشت إلى ضرورة توظيف النظريات القانونية الحديثة في تطوير أحكام الشريعة، مثل توثيق الطلاق على غرار توثيق الزواج طبقًا لنظرية الأشكال القانونية المتوازية، مشيرًا إلى أن انعقاد الطلاق عن طريق توثيقه منطقي في ضوء نظرية الأشكال القانونية المتوازية، فما يتم وفق شكل وإجراء لابد أن يتم بالشكل والإجراء نفسه.
وأوضح الدكتور الخشت، أنه يطرح هذا الرأي في مقابل باقي الآراء وأن الأمر في نهايته يحتاج الى حوار مجتمعي جديد حتى الوصول الى اتفاق جمعي في التشريع بواسطة مجلس النواب.
وكانت قد شهدت جلسة «دور المؤسسات الدولية والدينية والأكاديمية في تجديد الفكر الإسلامي»، بمؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي، مناوشة بين الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبين محمد الخشت، رئيس جامعة القاهرة، في إطار الحديث عن تجديد وتطوير علوم الدين لما يواكب العصر الحديث.
وقال الخشت في كلمته إنه من الضروري تجديد علم أصول الدين بالعودة إلى المنابع الصافية من القرآن وما صح من السنة النبوية، التجديد يقتضي طرق التفكير وتغيير رؤية العالم، ويجب أن تقوم على رؤية عصرية للقرآن بوصفه كتابًا إلهيًا يصلح لكل العصور والأزمنة».
وتابع الخشت: «في القرآن الكريم هناك تعددية الصواب، فالقرآن به ما هو قطعي الدلالة وما هو ظني الدلالة، وظني الدلالة أكثر حتى تتعدد المعاني، لذا فالصواب ليس واحدًا، وهو ما أكده الرسول صلى الله عليه وسلم في قضية صلاة العصر في بني قريظة».
وأكمل: «الواقع الحالي للعلوم الدينية ثابت مقام على النقل والاستنساخ مفيش تحليل نقدي أو علمي ولا أي استفادة من العلوم الإنسانية، بل استعادة للفنون القديمة، لأننا لم نستطع الدخول لعصر جديد، وهنا من الضروري تطوير علوم الدين وليس إحياء علوم الدين، لو عاد الشافعي لجاء بفقه جديد، وكذلك ابن حنبل لو عاد لجاء بفقه جديد».
وتابع: «هناك اتهام بالتشدد لابن حنبل، وأنا هنا بتكلم قدام المشايخ، سنجد أن لابن حنبل ثلاثة آراء في المسألة الواحدة، من أين جاءنا بالرأي الواحد والصواب والحقيقة الواحدة ولو كنت بقول غلط يقولوا، أنا هنا راوي».
من جانبه، رد أحمد الطيب، شيخ الأزهر، قائلاً: «البعض لا يعلم العلاقة مع الخشت فهي قديمة بجانب أن هناك مناوشات بيني وبينه، هو قال لو بقول غلط قولي، ولولا ذلك مكنتش أساهم بالتعليق، أو الملاحظة السريعة وأوعدك سأكون طيباً».
وتابع: «كنت أود أن كلمة ستلقى في مؤتمر عالمي دولي وفي موضوع دقيق عن التجديد، أن تكون هذه الكلمة معدة سابقًا ومدروسة، لا أن تأتي نتيجة تداعي الأفكار وتداعي الخواطر، حضرتك قلت كرئيس للجامعة إن التجديد هو مثل أن تُجدد منزل والدك تحبه دون أن تسكن فيه وتتركه لتسكن في بيت جديد».
وأضاف: «هذا ليس تجديدًا هذا إهمال وترك وإعلان الفُرقة لبيت الوالد، التجديد في بيت الوالد يكون في بيته، ولكن أعيده مرة أخرى بما يناسب أنماط البناء المعاصرة». وأكمل: «رئيس الجامعة نادى بترك مذهب الأشاعرة، لأنهم بنوا، وتحدث عن أحاديث الأحاد، فأقول، الأشاعرة لا يقيمون عقيدتهم على أحاديث الأحاد، وأنا درست ذلك في المرحلة الثانوية في 60 و65 من القرن الماضي، وهم لا يمكن أن يقيمون مسألة واحدة في أصول العقائد إلا على الحديث المتواتر».
وأشار إلى أن الكلام عن التراث كلام عجيب، خسارة ما يقال عن التراث هذا مزايدة على التراث، هذا التراث الذي نهون من شأنه اليوم ونهول في تهوينه، التراث خلق أمة كاملة وتعايش مع التاريخ، قل حضرتك قبل أن نتلقي بالحملة الفرنسية كيف كان يسير العالم الإسلامي كان يثير على قوانين التراث». وتابع الطيب: «الدول الإسلامية والحضارة التي تغيرت، وجاءت قوة فوق قوة كان التراث هو من يحمله، تصوير التراث بأنه يورث الضعف ويورث التراجع هذا مزايدة عليه».
وأكمل: «ونحن نحفظ من الإمام أحمد بن حنبل ما يؤكد أن التجديد مقولة تراثية وليست مقولة حداثية، والحداثيون حين يصدعوننا بهذا الكلام هم يزايدون على التراث ويزايدون على قضية الأمة المعاصرة الآن، والتراث ليس فيه تقديس، وهذا ما تعلمناه من التراث لم نتعلمه من الحداثة». وتابع: «أما قصة أن القرآن قطعي الدلالة وظني الدلالة ليست مقولتي ولا مقولتك، تلك مقولة التراثيين، وتعلمناها من التراث»، موضحًا: «درست العلوم الحديثة في المرحلة الثانوية، ودرسنا في أصول الدين البحث العلمي وعلم الاجتماع، أما تصويرنا أننا لسنا معنا سوى المصحف والتفسير هذا الأمر يحتاج إلى مراجعة».
واستطرد: «الفتنة الكبرى من عهد عثمان هي فتنة سياسية وليست تراثية، وأنت كرئيس للجامعة يقتدي بك ويستمع لك طلاب، والسياسة تختطف الدين اختطافًا في الشرق والغرب، حين يريدون تحقيق غرض لا يرضاه الدين».