مصر تحاصر تركيا «سياسيا» من قاعدة برنيس
الأربعاء، 15 يناير 2020 04:15 مطلال رسلان
ضمن أبرز وفود الحضور في افتتاح قاعدة برنيس، أكبر قاعدة عسكرية في منطقة البحر الأحمر، التي افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم الأربعاء، رئيس أرمينيا أرمين سركيسيان، ورئيس وزراء بلغاريا بويكو بوريسوفة.
لماذا أرمينيا وبلغاريا؟
صحيح أن أرمينيا تبعد جغرافيا عن منطقة البحر الأحمر، فهي بلد غير ساحلي في جنوب القوقاز، تقع بين البحر الأسود وبحر قزوين، إلا أنها تمثل بعدا سياسيا ودبلوماسيا هاما لمصر، فهي الجارة الأقرب لتركيا على الحدود المباشرة بين البلدين من ناحية الجنوب، بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في سبتمبر 1991.
التقارب المصري الأرميني يحمل بعدا سياسيا في ظل توتر الأوضاع مع الجارة التركية، بعد سياسة الأخيرة الداعمة لزعزة الأمن في المنطقة، من ناحية تحركاتها الأخيرة لغزو ليبيا بدعم مباشر لحكومة الوفاق برئاسة السراج غير المعترف بها دوليا بمليشيات تحارب ضد الجيش الوطني الليبي في طرابلس، ومن ناحية أخرى أطماعها للسيطرة على غاز البحر المتوسط.
تاريخيا، فإن دماء الأرمن الأبرياء نقطة سوداء في تاريخ الإنسانية كتبها العثمانيون أجداد الأتراك، بجرائم خططوا من خلالها لإزالة أرمينيا من الوجود بإفراغها من سكانها، وربط دولتهم بأذربيجان وبقية المكونات ذات الأصل التركي من منغوليا حتى القوقاز.
سياسات عنصرية بغيضة لطالما آمنت بفكرة نقاء العنصر التركي وأحقيته المطلقة في السلطة، تفضحها الشهادات والتاريخ، وتعود إلى الذاكرة الجماعية للبشرية في كل مرة يطفو فيها الموضوع إلى السطح من جديد، رغم محاولات تركيا الجاهدة لدفنه.
وتسعى أرمينيا بالطرق الدبلوماسية حالياً من أجل الاعتراف الدولي الرسمي بأن الشعب الأرمني تعرض لإبادة جماعية من قبل الدولة العثمانية بين عامي 1915 و1917 وتحتفل الدولة بيوم 24 أبريل سنوياً لإحياء تلك الذكرى.
مذابح الأرمن
موقع أرمينيا السياسي والعسكري خول لها التواجد في أكثر من 40 منظمة دولية بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس أوروبا وبنك التنمية الآسيوي واتحاد الدول المستقلة ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة الجمارك العالمية ومنظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود والفرانكوفونية، كما أنها عضو في التحالف العسكري لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي وتشارك أيضًا في برنامج شراكة الناتو من أجل السلام. انضمت قواتها عام 2004 للقوة الدولية بقيادة الناتو في كوسوفو، وهي أيضًا عضو مراقب في الجماعة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية وحركة عدم الانحياز.
بلغاريا.. وكرة النار التركية
في أواخر عام 2013 نشبت أزمة بين بلغاريا وتركيا الجارتين على وقع خلاف أعلنت فيه بلغاريا بناء سياج على حدودها مع تركيا يبلغ طوله ثلاثة وثلاثين كيلومترا وبارتفاع ثلاثة أمتار من أجل منع تسرب الهجرة غير القانونية التي تأتي لها من تركيا.
وقتها ظهر وزير الدفاع البلغاري آنجيل نايْدينوف بنفسه أمام وسائل الإعلام وأشرف على تنظيم زيارة للصحفيين إلى منطقة السياج ليشرح لهم موقف بلاده نافيا أن يكون لمنع تسرب النازحين من الحروب والأزمات السياسية في منطقة الشرق الأوسط.
وزير الدفاع البلغاري قال خلال ندوة صحفية كلل بها الزيارة إلى الحدود: "في الظرف الحالي، وبتشديد الرقابة البوليسية والعسكرية، تراجع عدد المهاجرين غير القانونيين العابرين الحدود البلغارية بشكل ملموس، السياج سيُقام بشكل رئيسي في المناطق الجبلية والغابية التي يصعب فيها على قوات الامن البلغارية مراقبة الحدود بدقة".
وفي مارس 2017 نشب خلاف سياسي بين تركيا وبلغاريا امتد صداه حتى وقت قريب، على وقع العلاقات التركية الأوروبية المتوترة، بخاصة مع ألمانيا وهولندا، بعد اتهام الرئيس البلغاري رومن راديف، تركيا المجاورة بـ"التدخل غير المقبول" في الحملة الانتخابية للانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في السادس والعشرين من مارس الجاري في بلاده، محذرا من أن حكومته لن تقبل بذلك.
وقال راديف للتلفزيون الرسمي "بي إن تي" إن بنبرة حادة "تدخل تركيا في انتخاباتنا هو حقيقة، وهذا التدخل غير مقبول".
بعدها استدعت بلغاريا السفير التركي سليمان غوكجي تنديداً بظهوره في دعاية انتخابية لحزب جديد للأقلية التركية تدعمه أنقرة. وكانت الحكومة البلغارية احتجت على تصريحات الوزير التركي للشؤون الاجتماعية محمد مؤذن أوغلو الذي دعا المواطنين البلغار من أصل تركي إلى التصويت لهذا الحزب. ودانت صوفيا "التدخل المباشر في الشؤون الداخلية" البلغارية.
أرمينيا وبلغاريا
ويعيش في بلغاريا حوالي 700 ألف شخص هم أقلية كبيرة ذات أصول تركية تشكل نحو 10 بالمئة من سكان بلغاريا. كما يعيش في تركيا حوالي 200 ألف تركي يملكون ايضا الجنسية البلغارية يشارك ثلثهم بانتظام في الانتخابات البلغارية.
وفي 2015 انشق أعضاء في الحزب البلغاري المسلم الرئيسي "الحركة من اجل الحقوق والحريات" لتأسيس حزب "دوست". وهذا الحزب المدعوم من انقرة سيقدم لأول مرة مرشحين للانتخابات التشريعية.
ودعا الرئيس البلغاري إلى "تهدئة"، لكنه حذر من أن "المؤسسات البلغارية والإدارات ذات الصلة تعمل بنشاط للقضاء على جميع أشكال التدخل في انتخاباتنا وشؤوننا الداخلية".
وفي حين تدهورت العلاقات بين دول عدة من الاتحاد الأوروبي وأنقرة بسبب منع مسؤولين أتراك من المشاركة في تجمعات انتخابية قبل الاستفتاء في تركيا في 16 أبريل 2017، تخشى صوفيا من أن ينعكس ذلك على الاتفاق المبرم بين الاتحاد الاوروبي وتركيا حول الهجرة في مارس.
وكما اليونان، لبلغاريا حدود مشتركة مع تركيا تمتد على طول 270 كلم وتعتبر أنها ستتضرر كثيرا في حال ألغت أنقرة الاتفاق. وقال راديف إن "تصاعد التوتر على محور الاتحاد الأوروبي وتركيا سيكون له تأثيرات كبرى على بلغاريا لأننا في الخط الأمامي".
في القاهرة، بحث اليوم الأربعاء رئيس الوزراء البلغاري مع المسؤولين بالقاهرة، عددًا من الملفات وسبل التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، إلى جانب تنشيط حركتي التجارة والاستثمار بين البلدين ودعم التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي وتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك على المستويين الدولي والإقليمي والتعاون في مواجهة الإرهاب.
جريمة لن يغفرها التاريخ
قرون من العبودية والتمييز والفساد والبطش وسرقة الأرض وتحويل أهلها إلى أرقاء مسخرين في خدمة المحتل، فلم يبق الأتراك من أثر سوى الخراب منذ زحفت جيوشهم على البلقان (بلغاريا وصربيا واليونان والجبل الأسود) عام 1353.
الغزو التركي للبلقان
شعوب البلقان قاومت العدوان العثماني متشبثة بالأمل في الاستقلال، خاصة أن الأتراك ابتعدوا عن صحيح الدين، فقدموا صورة مشوهة للإسلام، يلونها العنف والدماء، وأعمال السلب والنهب، وتكلل كفاح المقهورين باستقلال اليونان ثم صربيا والجبل الأسود وبلغاريا، بعد معارك عنيفة ذاق فيها جنود السلطنة ألوان الذل والهزيمة.
لم يكتف أجداد الأتراك بالظلم والنهب والتهجير ونهب ثروات شعوب البلقان، بل سرقوا الأطفال في نظام الدوشرمة (الإنكشارية)، وحين ثار البلغار 1876 سير الأتراك ميليشيا لتأديبهم، وارتكبت المجازر بحقهم وقتلت أكثر من 20 ألفا.
أثبتت المراجع التاريخية معاناة سكان البلقان في ظل الاحتلال التركي بقولها :"البلغار -منذ سقوط دولتهم سنة ١٣٩٣ إلى سنة ١٨٧٧- كان ذل وهوان، كانوا أرقاء تلعب الأكف التركية في رقابهم، وإذا شكوا حكمت السيوف في هاماتهم".