ماسبيرو.. ألم نشبع من «رحيق» يوسف زيدان؟
الإثنين، 13 يناير 2020 08:49 م
على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، زف الدكتور يوسف زيدان البشرى لمتابعيه، وأنه سيقدم، نهاية شهر يناير الحالي، موسمًا جديدًا من حلقات برنامجه «رحيق الكتب»، ولكن هذه المرة على شاشة القناة الأولى والفضائية المصرية، وذلك «في إطار عملية التطوير الشامل للتلفزيون المصري، والقناة الأولى خصوصًا»، وفقًا لما كتب.
ما يُروى أنه بعد نهاية الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، كان للولايات المتحدة الأمريكية «جاسوس روسي»، تتدرج في المناصب إلى أن أصبح مستشارًا للرئيس الروسي- آنذاك- وكان من أكثر المسؤولين الروس إخلاصا في العمل.. وتفاجأ الجميع عندما كُشفت حقيقة هذا الرجل، وأنه كان جاسوسًا للمخابرات الأمريكية، وأن مهمته- التي كان مكلفًا بها- هي «وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب»؛ ما أدى- لاحقًا- إلى انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه.
ما نعلمه أن التطوير نوعان: إيجابي، وهو المراد والمقصود الفعلي بالتطوير. وسلبي، وهو الذي يعود بنا إلى الخلف، أو يجعلنا «محلك سر»، وهذا أضعف الفساد، بينما الناس من حولنا يهرولون نحو التقدم.. وهذا النوع لا يمكن إن نسميه تطويرًا، بل تدميرًا.. وهنا نتساءل: ما التطوير الذي سيقوم به التليفزيون الرسمي للدولة؟ ومَن الذي يقوم به؟ وما أجندته للتطوير؟ وهل هو مؤهل لذلك أم لا؟ وهل سيكون التطوير للتقدم نحو الأمام أم إلى الخلف..؟
ظني- وبعض الظن ليس إثمًا- أن القائمين على التطوير في ماسبيرو جانبهم الصواب في اختيار يوسف زيدان، لتقديم حلقات من برنامجه «رحيق الكتب». وهذا الظن ليس طعنًا في شخص الدكتور يوسف، بل طعنًا في «الغث» الذي يقدمه هذا الرجل، الذي ما ترك مذمة إلا وألصقها بشخصيات دينية، ورموز تاريخية ووطنية، كانت- ولا تزال- محل تقدير واحترام من جموع المصريين والعرب، باستثناء بعض المتحذلقين، المتفزلكين، الذين يظنون أنهم أعلى مرتبة من المثقفين العاديين، ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
إن أي عملية تطوير في هذا الجهاز الخطير- أعني تليفزيون الدولة «ماسبيرو»- يجب أن يكون «بناء الوعي» ركنًا رئيسيًا فيها، لا شيئًا هامشيًا، أو غير موجود من الأساس.. ففي معركة الوعي علينا التمترس خلف ثوابت لا تقبل التشكيك. ثوابت نرضعها لأطفالنا منذ لحظة ميلادهم، ونتعهدهم بسقياها في مراحل نموهم إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
من هذا المنطلق، من حقنا أن نسأل ولا ننتظر الإجابة، فهي معلومة: هل يوسف زيدان هو الشخص المناسب للظهور على شاشة التليفزيون الرسمي؛ ليقدم برنامجًا، قد يكون مليئًا بـ«الخزعبلات، والتخاريف، والآراء الشاذة» كما اعتدنا منه في برامج تليفزيونية سابقة؟
الفيلسوف زيدان- كما يحب أن يُلقب- يظن أنه العالم الأوحد، والفاهم الأوحد، ويشترط الظهور «منفردًا» في كل لقاءاته المتلفزة، حتى يأخذ راحته في «الفَتْي»، أو «الهبد»- بلغة هذا الجيل- فلا يجد مَن يقاطعه، ويكشف حقيقة ما يدعي أنه علم ومعرفة حصل عليها- بعد عناء- من كُتب ومراجع تروَّج لمغالطات كثيرة، وفريات عظيمة عن الإسراء والمعراج، وعن بعض الصحابة- رضوان الله عليهم- وعن موقعة عين جالوت، وعن صلاح الدين الأيوبي، وعن الظاهر بيبرس وقطز، وعن أحمد عرابي..
كيف لرجل يروَّج لمثل هذه «التخاريف» أن يقدم برنامجًا في ماسبيرو؟ كيف لرجل هدد- في سبتمبر 2018 عبر حسابه على فيسبوك- بالهجرة دون رجعة من مصر، والبحث عن جنسية أخرى؛ أذا وافق مجلس النواب على مشروع قانون تجريم إهانة الرموز التاريخية والوطنية.. أن يظهر على الشاشة، ويطالبنا باحترام رموزنا؟
كيف نطمئن على عقول أبنائنا والمشاهدين من رجل «ببغاء» يردد أكاذيب غلاة الصهاينة الذين ينكرون ويجحدون وجود المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس الفلسطينية، مدعيًا أنه يقع بين مدينتي مكة المكرمة والطائف السعوديتين، مرددًا، ومروجًا لفرية المستشرق اليهودي المجري «جولدزيهر» بأن الحاكم الأموي عبد الملك بن مروان، هو الذي بنى المسجد الأقصى!
كما أثبت الراحل، الدكتور إبراهيم البحراوي، أستاذ الدراسات الإسرائيلية بكلية الآداب جامعة عين شمس، أن ما يردده زيدان من التشكيك في معجزة الإسراء والمعراج، وادعائه أن المسجد الأقصى ليس هو الموجود في فلسطين الآن، وأنه ليس أولى القبلتين.. ما هو إلا ترديد لمزاعم المستشرق الإسرائيلي «موردخاي كيدار»، الذي يهدف إلى نسف حقوق العرب والمسلمين في المسجد الأقصى!
كيف نأمن على عقول المشاهدين من رجل «جاهل»، يُلحن- «يخطئ»- في تشكيل الآيات القرآنية وهي مكتوبة، وليست من محفوظه؟ بل وكيف نأمن له وهو الذي يهيل التراب على ثورة «23 يوليو»، ويؤكد أنها «حركة تراجع» في كل شيء، وأن مصر لا تزال تعاني منها حتى الآن؟ أوليس النظام الحالي امتداد لثورة يوليو 1952؟ فهل لم نشبع تزييفًا وتشويهًا لتاريخنا ورموزنا؟
لقد جربنا الزيف في تسمية الغزو والاحتلال العثماني بالفتح الإسلامي، واحتفينا بطغاة وغزاة العثمانيين، فماذا كانت النتيجة؟ كانت إنتاج أجيال مشوهة، تاهت بين تصديق ما يتعلمونه في مناهج دراسية، وبين واقع يثبت لهم عكس ما يدرسون، فانحاز البعض إلى ما كانوا يدرسون، بينما الأغلبية انحازت لضمير يقظٍ، وعقل تحليلي قادر على فرز الغث من الثمين..
إن «الزن على الودان أمر من السحر»- كما نقول في فلسفتنا الشعبية- لذا، فالخوف- كل الخوف- أن يكتسب زيدان أرضية جديدة في عقول ضحلة، تكتفي بما تسمع، ولا تبحث بنفسها عن الحقيقة، وساعتها لن نجد مَنْ يذود عن أرض اغتصبت، ولا مَن يدافع عن حق، ولا مَن يؤمن بمقدسات دينية، ولا مَن يحترم رمزًا تاريخيًا ووطنيًا.. فهل هذا ما يريده المتحمسون لظهور «الفيلسوف يوسف زيدان» على شاشة التليفزيون المصري؟