الولايات المتحدة لم تبق على صمتها فى مواجهة التهديدات الإيرانية المتتالية، فقد أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن الولايات المتحدة حددت، 52 موقعا إيرانيا، ستضربها إذا هاجمت إيران أى أمريكيين أو أى أصول أمريكية ردا على قتل القائد العسكرى الإيرانى قاسم سليمانى فى هجوم أمريكى بطائرة مسيرة، وقال «ترامب» عبر حسابه الرسمى على «تويتر»: «إيران تتحدث بجرأة شديدة عن استهداف أصول أمريكية محددة»- ردا على وفاة سليمانى- وقال الرئيس الأمريكى إن بلاده «حددت 52 موقعا إيرانيا»، وأن بعضها: «على درجة عالية للغاية من الأهمية لإيران وللثقافة الإيرانية وأن تلك الأهداف وإيران ذاتها ستُضرب بسرعة كبيرة وبقوة كبيرة».
وأضاف «ترامب»: «الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أى تهديدات أخرى!»، مشيرا إلى أن الأهداف الاثنين والخمسين تمثل 52 أمريكيا احتجزوا رهائن فى إيران فى السفارة الأمريكية بطهران عام 1979. وأثارت إشارة ترامب إلى أن الولايات المتحدة قد تضرب أهدافا لها أهمية فى الثقافة الإيرانية دهشة البعض.
وقال كولين كال المسئول السابق بفريق الأمن القومى فى إدارة باراك أوباما فى تغريدة له عبر «تويتر» إنه «وجد صعوبة فى تصديق أن (وزارة الدفاع) البنتاجون سيزود ترامب بخيارات للاستهداف تشمل مواقع ثقافية إيرانية، قد لا يهتم ترامب بقوانين الحرب لكن المخططين فى وزارة الدفاع والمحامين يهتمون.. واستهداف مواقع ثقافية جريمة حرب».
وأحجم البنتاجون عن التعليق على الأهداف الاثنين والخمسين وأحال الاسئلة للبيت الأبيض الذى لم يجب على طلب التعليق، وقال عدد متزايد من الديمقراطيين إن الإجراء الذى نفذه ترامب يضع الولايات المتحدة على شفا الحرب، وقالت نانسى بيلوسى رئيسة مجلس النواب الأمريكى، إن الإجراء العسكرى المثير للاستفزاز والتصعيدى وغير المتناسب الذى نفذته إدارة ترامب يسهم فى بقاء العسكريين والدبلوماسيين والمواطنين الأمريكيين وحلفائنا فى خطر.
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، إن الجيش قتل سليمانى بناءً على توجيهات الرئيس دونالد ترامب؛ «كإجراء دفاعى حاسم لحماية الموظفين الأمريكيين بالخارج»، وأوضح بيان البنتاجون أن سليمانى كان يخطط لمهاجمة الدبلوماسيين الأمريكيين وأفراد الخدمة العسكرية فى العراق وفى أنحاء المنطقة، وأن العملية تمت بهدف «ردع» إيران عن التخطيط لهجمات جديدة، مؤكدا أن الولايات المتحدة ستتخذ كل ما يلزم لحماية الأمريكيين والمصالح الأمريكية فى أى مكان حول العالم.
حرب التلاسن التى بدأت بين أمريكا وإيران فى أعقاب اغتيال «سليمانى»، بدأت تنبئ بصدام وشيك بين البلدين، حتى أن البعض يعتقد أن الصدام قد يصل إلى حرب بين الجانبين، قد تشتعل فى المنطقة، وكأنها بركان يثور دون توقف، وخلال السطور التالية نرصد السيناريوهات المحتملة بين الجانبين.
المحلل السياسى مفيد مصطفى، قال: «لا شك أن إيران سترد على مقتل سليمانى، ولكن ردها سيكون لحفظ ماء الوجه، على هيئة ردود حزب الله على قتل إسرائيل لقياداته، ومن ثم على الأرجح سيكون الرد بالعراق أو سوريا بطريقة لا تشعل حربا شاملة بين الطرفين» مضيفا «كما يجب الأخذ بعين الاعتبار أن إيران ستتذرع داخليا بعقيدتها التى تقول إن موت قيادى لا يعنى انتهاء المسيرة، وأنه نال الشهادة التى كان يسعى إليها، ولذلك قامت طهران بشكل سريع جدا بتعيين قائد لفيلق القدس مكان سليمانى (إسماعيل قاآني)» .
على الأرجح سيكون الرد بالعراق أو سوريا بطريقة لا تشعل حربا شاملة بين الطرفين» مضيفا «كما يجب الأخذ بعين الاعتبار أن إيران ستتذرع داخليا بعقيدتها التى تقول إن موت قيادى لا يعنى انتهاء المسيرة، وأنه نال الشهادة التى كان يسعى إليها، ولذلك قامت طهران بشكل سريع جدا بتعيين قائد لفيلق القدس مكان سليمانى (إسماعيل قاآني)» .
وبخصوص الاتفاق النووى الإيرانى الذى انسحبت منه واشنطن عام 2018، أوضح «مصطفى»، أن الاتفاق كان ميتا سريريا بعد انسحابها منه، لكن كان هناك سعى من الدول الأوروبية، وتحديدا فرنسا، لعودة واشنطن إليه والتفاوض عليه من جديد، إلا أن التصعيد الأخير سيقتل كل الآمال بذلك، لا بل قد يشهد تصعيدا من قبل طهران بزيادة التخصيب وانتهاك الاتفاق؛ من أجل دفع الدول الأوروبية للضغط على واشنطن لوقف التصعيد.
وبخصوص تأثير مقتل سليمانى على القضية السورية قال المحلل السياسى عبدالرحمن عبارة: «لا شك أن مقتله سيرخى بظلاله على المشروع الإيرانى فى سوريا، فالضربة الأمريكية فى مطار بغداد استهدفت الرجل الأول لفيلق القدس، ما يعتبر عملا عسكريا من العيار الثقيل ضد قائد إيرانى ويعتبر المسئول الأول عن ارتكاب جرائم حرب بحق الملايين فى العراق وسوريا واليمن ولبنان، كما تشير الضربة إلى أن العلاقات بين واشنطن وطهران المتأزمة فى الأصل قد وصلت إلى نقطة غير مسبوقة من التوتر»، مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب وضعت استراتيجية مختلفة عما كانت عليه الأمور فى عهد سلفه الرئيس باراك أوباما فى طريقة تعاطى الولايات المتحدة الأمريكية مع عربدة إيران وأذرعها الميليشياوية فى المنطقة.
ويعتقد أيضا، أن واشنطن لن تكتفى بتوجيه ضربات عسكرية إلى أذرع إيران فى العراق فحسب، بل قد تطول ضرباتها مصالح إيران السياسية والعسكرية والاقتصادية فى عموم المنطقة، وبالتحديد سوريا، ما يعنى إصابة إيران بشلل الأطراف وعدم القدرة على الاستمرار بمشروعها فى سوريا.
وبالنسبة إلى عزيز الغشيان المتخصّص فى العلاقات الدولية فى الشرق الأوسط، فإن اغتيال سليمانى سيدفع الإيرانيين للعمل على الترويج بشكل أكبر لصورة «الشيطان الأكبر» للولايات المتحدة، ولكن ربما سيؤدى ذلك أيضا إلى الحد من تصرفاتهم العدائية.
المواجهة العسكرية المباشرة
يتفق أغلب خبراء الشأن الإيرانى على أنه لن تكون هناك حرب مباشرة بين أمريكا وإيران، طالما لم تستهدف طهران المصالح الأمريكية بشكل مباشر، غير أنه من المحتمل استهدافها عبر وكلاء، فى ظل مراوغتها السياسية لرفع الحصار المفروض عليها من قبل واشنطن ومحاولة كسب أوراق تدعم مصالحها.
ويقول خبراء دوليون إن المعتاد أن تهدد إيران ولا تنفذ تهديدها حين تتعامل مع الولايات المتحدة والدول الغربية، وبالتالى فإن احتمالية الرد على مقتل سليمانى يشوبها شك، ولا تخرج عن كونها تصعيدا إعلاميا، لكن من المحتمل أن تطلق منصات الوكلاء صواريخ إيرانية الصنع نحو المصالح الأمريكية وتمركزات القوات فى المنطقة، ويدلل على ذلك، ما حدث فى العراق على مدار الأيام السابقة لمقتل سليمانى ومحاولات اقتحام السفارة الأمريكية فى بغداد، حيث يمتلك العراق عددا كبيرا من أتباع إيران، من أصحاب النفوذ والسلطة فى الشارع ومراكز الحكم إذ كانت الأوامر لتلك العناصر بتهديد الأجانب والأمريكيين فى العراق.
وكان الرد الأمريكى على تلك التحركات سريعا، فبعد فترة قصيرة من مقتل متعاون أمريكى فى قاعدة «كى 1» شمالى العراق، نفذت القوات الأمريكية ضربات جوية على مواقع لكتائب حزب الله فى العراق وسوريا أدت لمقتل وإصابة العشرات، فردت المليشيات، وأبرزها حزب الله العراقى، باقتحام السفارة الأمريكية ببغداد، ليأتى الرد سريعا بقتل سليمانى وأبو المهدى المهندس، نائب ميليشيات الحشد الشيعى.
المحلل السياسى مفيد مصطفى يرى أن المناوشات العسكرية بين الحشد الشعبى وحزب الله العراقى، اللذين يعتبران وكلاء لإيران، مع القوات الأمريكية بدأت فى (27 ديسمبر 2019)، فى حين كان اقتحام سفارة واشنطن فى بغداد ذروة التصعيد بين الطرفين، مشيرا إلى أن كل هذا يشكل حساسية كبيرة للولايات المتحدة؛ لأنه يعود بالذاكرة إلى اقتحام سفارة واشنطن فى طهران عام 1979، واحتجاز كل من فيها كرهائن، ولذلك فإن اغتيال سليمانى هو رسالة واضحة لإيران بأنها تخطت الخط الأحمر، وأن الولايات المتحدة قادرة على الوصول إلى أبرز قيادتها وأذيتها بسهولة.
ويرى أن الاحتمال الأكبر هو أن تتجنّب إيران استهداف الموظفين الأمريكيين، لكنها قد تلجأ لأهداف سعودية أو إماراتية، وإن كان بطريقة رمزية، للادعاء بأنها ترد على الولايات المتحدة.
الحرب بالوكالة
الواقع له حسابات أخرى، ففى ظل انعدام مؤشرات وقوع حرب مباشرة بين الدولتين، باتت الحرب عبر الوكلاء مطروحة وبقوة فى ظل سيناريوهات متكررة شهدتها المنطقة على مدار أشهر.
المؤكد أن أذرع أيران سترد بهجمات ضد القواعد الأمريكية فى دول الخليج أو ضد ناقلات نفط أو ضد السفن التجارية فى منطقة مضيق هرمز الذى يمكن لطهران إغلاقه فى أى وقت، كما يمكنها استهداف القواعد المتعددة التى ينتشر فيها الجيش الأمريكى فى العراق أو فى سوريا أو السفارات الأمريكية الأخرى فى المنطقة، إضافة إلى مهاجمة حلفاء واشنطن مثل إسرائيل أو السعودية أو حتى الدول الأوروبية.
إيران نفسها هددت بالوكلاء، يقول حسين نقوى حسينى، الناطق باسم لجنة الأمن القومى والسياسة الخارجية فى البرلمان الإيرانى، إنه ليس بالضرورة أن يكون الثأر والانتقام لمقتل سليمانى ورفاقه من داخل إيران، مضيفا أنه ليس بإمكان أمريكا أن تستهدف القواعد الإيرانية، ولن تتجرأ على قصفها، فى رد على تهديد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بقصف 52 هدفا إيرانيا إذا أقدمت طهران على استهداف قواعد أمريكية.
ولوح المساعد السياسى للحرس الثورى يد الله جوانى، بحرب الوكلاء، بقوله إنه على الأمريكيين مواجهة شعوب المنطقة ومحور المقاومة بأكمله وليس إيران فحسب، فى إشارة إلى الفصائل والميليشيات التى تدعمها إيران فى المنطقة، من حماس فى غزة، إلى حزب الله فى لبنان، وميليشيات الحوثى فى اليمن، وميليشيات الحشد فى العراق، مضيفا: على أمريكا أن تترقب انتقاما يأتيها من داخل الدول الأوروبية أيضا، ففصائل المقاومة تتحرك وفق آلياتها وأولوياتها وما تقتضيه الحاجة، وأن مقتل سليمانى والمهندس ورفاقهما سيسرع من طرد القوات الأمريكية من المنطقة.
كيم غطاس من مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى، ترى أنه من الصعب توقع تطورات المشهد، وتساءلت «حرب؟ فوضى؟ أعمال انتقامية محدودة؟ لا شيء؟» لا أحد يعرف حقيقة، لا فى المنطقة ولا فى واشنطن، لأنّ ما حدث غير مسبوق، وقد ينجم عن تصاعد نفوذ الأطراف الموالية لإيران تداعيات دبلوماسية طويلة الأمد بالنسبة إلى بغداد.
وتقول الخبيرة فى شئون الخليج سنام فاكيل من معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، إنها اللحظة التى كان يخشاها المحللون ويحذرون منها، وهى دعوة حلفاء إيران للتحرك لدعمها، وتضيف: «هذه التحالفات التى بقيت منفصلة قد تعمل معا بطريقة عابرة للحدود». وتتابع: «هل ستكون هناك عملية عسكرية منسقة بين الحوثيين وحزب الله والحشد وإيران؟ هذا هو السيناريو الأكثر قتامة»، مشيرة إلى أن جبهة العراق تبدو الأكثر هشاشة فى هذا المجال».
ويقول خبراء إن الحرب بالوكالة -عبر وسطاء- محتملة فى أى وقت، بينما يشير الدكتور عبدالمنعم أحمد، الباحث فى الشأن الدولى، إلى أن ميليشيات الشيعة فى باكستان وأفغانستان هى الأخطر، لكونها تحظى بدعم مباشر من إيران ومن فيلق القدس تحديدا، وبالتالى هناك احتمالية ليكون لها دور فى الرد على مقتل قاسم سليمانى؛ لهذا كانت أول الاتصالات الأمريكية بعد الهجوم بأفغانستان وباكستان لشرح الموقف وأسباب العملية وتداعياتها المحتملة.
وعن قائمة الأهداف الإيرانية، يشير إلى أن الداخل الأمريكى وأفريقيا وباكستان وأفغانستان على قائمة الأهداف.. خاصة أن أمريكا لها تواجد عسكرى فى أفريقيا، موضحا أن الرد فى العراق غير وارد الآن نظرا لتعقيدات المشهد الداخلي، وربما يكون التحرك سياسيا بتفويض البرلمان بطلب مغادرة القوات الأمريكية العراق، فى حين أن فى لبنان أكثر تعقيدا، لكن حزب الله سيكون فى صدارة الرد بعيدا عن لبنان ربما فى أمريكا الجنوبية أو أفريقيا حيث توجد له أذرع هناك.
ويؤكد الدكتور عبدالمنعم أحمد، إن خطة قتل سليمانى كانت معدة من قبل، لكن تم تأجيلها للوقت المناسب، إضافة لطمأنة قائد فيلق القدس الراحل، وتخليه عن الحذر من كونه مستهدفا من قبل أمريكا، وإعطائه إيحاء أنه لا أحد يجرؤ على اغتياله، ويدلل على ذلك تحركاته فى المنطقة بحرية أكثر من اللازم، كنوع من الغطرسة.
سبق الإعداد لعملية قتل سليمانى، بتأهيل المسرح الإقليمى بأى تحرك قد تتخذه أمريكا، وفق عبد المنعم، يضيف: نجحت واشنطن فى وضع أذرع إيران فى الشرق الأوسط فى العراق ولبنان واليمن وغيرها، تحت ضغط المظاهرات الشعبية حتى لا تحظى بدعم شعبى فى دولها، إذا ما حاولت استهداف أمريكا ومصالحها.
وأكد الدكتور عبدالمنعم أحمد فى تصريحات لـ«صوت الأمة»: إيران أخطأت فى تقدير الوضع السياسى مع أمريكا، فبعد القضاء على داعش وفتح قنوات بين إيران وأمريكا، اعتقد سليمانى أن وجوده مهم لواشنطن، إضافة لظهور خلافات إيرانية روسية فى سوريا، واعتقد أيضا أنه سيحظى بدعم أمريكى ضد روسيا، لكنه لم يدرك أن اللعبة أكبر وأن الاتفاق الأمريكى الروسى كان عليه وليس فى صالحه.
كان لأطراف إقليمية دور فى الدفع نحو هذا التوقيت، يشير عبدالمنعم إلى أن ضربات إسرائيل على المواقع الإيرانية فى سوريا لم تجد أى رد يذكر، إضافة للهجوم على شركة أرامكو السعودية بطائرات مسيرة تابعة بشكل غير مباشر للحرس الثورى، كل ذلك جعل الإيرانيين يعتقدون بأنه لا تهديد عليهم.
مقتل قاسمى كان مفاجأة لإيران وحلفائها، يرى الباحث أن العملية التى تمت فجر الجمعة الماضية، أربكت حسابات طهران بشدة، وأن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئى والنظام الحاكم لم يكن مهيئا لمثل هذه الخطوة، وبالتالى هناك احتمالية للرد.
ويرى عبدالمنعم أحمد، أن الحرب بدأت بين البلدين فى وقت سابق لعملية قتل قاسم، يضيف: الحرب بدأت بالفعل منذ فترة طويلة جدا، حرب أمريكية سياسية واقتصادية وتكنولوجية ضد إيران استنزفتها اقتصاديا، حتى أن الرئيس الإيرانى حسن روحانى صرح فى وقت سابق، أن إيران تواجه أسوأ خطر على وجودها منذ 40 عاما، فصادراتها النفطية قاربت على الصفر، وتم استهداف مواقعها النووية بفيروسات وقراصنة أكثر من مرة وتعطيلها عن العمل، فضلا عن تغذية الروح العدائية ضد إيران منذ فترة طويلة فى العراق ولبنان وسوريا واليمن، وكلها نوع من الحرب لتجريدها من أسلحتها وقوتها التى من الممكن أن تهدد بها أمريكا وحلفاءها فى المنطقة.
تهدئة أم تصعيد عسكرى
ليس من السهل أن تتجه الأمور فى التوقيت الحالى نحو التهدئة، فالكل بات يتخذ احتياطاته، أمريكا وإسرائيل من جهة والدول التى تحوى المصالح الأمريكية من جهة أخرى، الكل يأخذ احتياطاته، تقول تقارير إعلامية إن هناك تحركات للقوات الأمريكية فى المنطقة، ولقطع من الأسطول السابع الأمريكى من بحر الصين متوجهة إلى الخليج.
ما يعنى أن هناك تهديدات على أرض الواقع، فى امتلاك واشنطن لقدرات عسكرية تستطيع وقف تحرك القوات الإيرانية قبل تحركها من معسكراتها، فهى تمتلك طائرات هجومية متطورة وطائرات هجوم أرضي، حاملات طائرات وصواريخ باستطاعتها تدمير البنية التحتية فى إيران خلال 24 ساعة.
إن حاملة الطائرات الواحدة تستوعب 93 طائرة من أفضل الطائرات فى العالم، كل واحدة باستطاعتها حمل نحو 40 طنا من القنابل، و32 صاروخ كروز، مدى كل واحد منها 800 كم، وبالنسبة إلى المدمرات وحاملات الطائرات فى الأسطول الواحد تحمل 100 صاروخ كروز مداها 100 كم و500 كم؛ بمعنى أن كل البقاع الإيرانية تحت مديات كروز.
وتمتلك الولايات المتحدة الأمريكية قواعد عسكرية فى 143 دولة من مجموع 194 دولة، على شكل قواعد ومستشارين وغيرها، بواقع 750 قاعدة، وبالتالى ليس هناك حاجة لأمريكا لإرسال قوات عسكرية إلى الشرق الأوسط، وفق خبراء، فهناك آلاف المارينز فى الدول المجاورة لإيران وحدها.
حدود الرد
الأمور لن تصل حد ما يتم الترويج له على مواقع التواصل الاجتماعى حول وجود حرب مرتقبة، يشير الدكتور عبد المنعم أحمد، إلى أن الرد سيكون فى حدود الحفاظ على المقدرات الاستراتيجية بما يحافظ على وجود وسلامة النظام الإيراني، فالمقدرات الاستراتيجية لن تسمح بتخطى خطوط حمراء معينة تعلمها القيادة الإيرانية نفسها.
وتابع أن شخصية الرئيس الأمريكى مغامرة لا يصلح معها حسابات مسبقة أو تهديدات مبطنة، فالتجربة أثبت لإيران أنه يفعل ولا يهدد وليس لديه خطوط حمراء، لكن هناك ردودا غير مباشرة منها اقتصادية كأسواق النفط ورفع سعر البترول عالميا بما يضر مصالح أمريكا وأوروبا.
رؤية أخرى
أسامة الهتيمي، الكاتب المتخصص فى الشأن الإيراني، يقول لا شك أن العملية الأمريكية لاغتيال قائد فيلق القدس الإيرانى قاسم سليمانى كانت الخيار المر أمام الولايات المتحدة الأمريكية إذ لم يكن لها خيار بعد انتهاك سيادتها بهذا الشكل السافر الذى وقع أمام سفارتها فى بغداد، إلا أن تقوم برد قاس يحمل رسالة مستقبلية شديدة اللهجة لكل من تسول له نفسه تكرار الفعل ومن ثم التأكيد على أن ثمة خطوط حمراء لا يمكن لأحد أن يتجاوزها.
وتابع «الهتيمى» فى تصريحات خاصة لـ «صوت الأمة»: «الحقيقة أن عملية استهداف سليمانى ومعه أبو مهدى المهندس نائب رئيس الحشد الشعبى العراقى جاءت صادمة للجميع فلم يكن فى حسبان أى من الأطراف الفاعلة فى العراق أن تخطط أمريكا وتنفذ مثل هذه العملية وهى التى ظلت طيلة الفترة الماضية تلتزم ما يسمى بالصبر الاستراتيجى ومنضبطة لأقصى درجة فى تعاطيها مع السلوكيات والتحركات الإيرانية بما فيها الهجوم على شركة أرامكو السعودية النفطية رغم تهديد ذلك للاقتصاد العالمى».
لكن وقد وقعت عملية الاغتيال فإننا أمام احتمالين لا ثالث لهما، الأول أن تلتزم إيران الصمت وتمرر العملية دون رد مناسب مكتفية بحزمة من التصريحات التهديدية الرنانة وهو فى نظرى احتمال ضعيف لما له من تداعيات خطيرة على إيران فى الداخل خاصة وأنها تشهد حالة ثورية بعد تردى الأوضاع الاقتصادية التى يرجع أسبابها وفق التصور الشعبى للتدخلات الإيرانية فى شئون دول المنطقة كذلك سيكون له تداعيات على إيران فى الخارج حيث فقدان المصداقية لدى الأذرع والميليشيات الموالية لها إذ ستنظر إليها هذه الأذرع على أنها غير قادرة على توفير الحماية والأمن لرجالها طالما لم تستطع الثأر لواحد من أهم القيادات الأمنية والعسكرية الإيرانيين.
وأضاف، أما الاحتمال الثانى وهو الرد على الاغتيال والذى نعتقد أنه فعل حتمى وجب على إيران والذى يمكن أن يتم وفق سيناريوهين أولهما الرد بقوة وعنف يتناسبان مع حجم شخصيتين كقاسم سليمانى وأبو مهدى المهندس وهو أمر يمكن أن تقوم به إيران ولديها القدرة على فعله حيث انتشار القواعد الأمريكية الـ 36 فى المنطقة ووجود نحو 60 ألف جندى أمريكى جميعهم فى مرمى الصواريخ الإيرانية فضلا عن الأمريكيين والمصالح الأمريكية الأخرى غير أن تداعيات هذا الرد يمكن أن تجر إيران إلى ويلات ليست لديها القدرة على تحملها خاصة أن ثمة مشكلات كثيرة تعترى الداخل الإيرانى جراء العقوبات الاقتصادية التى استؤنفت فى أغسطس من عام 2018 ومن ثم فإننى لا أرجح وقوع مثل هذا السيناريو.
وتابع: «أما السيناريو الثانى فهو الرد المنضبط الذى لا يتجاوز حدا أو سقفا معينا أو ما يمكن أن نسميه بالخطوط الحمراء الأمريكية بمعنى أن تتاح الفرصة لإيران برد تحفظ خلاله ماء وجهها دون أن تشعل حربا شاملة وفى ظنى أن ذلك هو السيناريو الذى دعت أمريكا إليه إيران من خلال الرسالة التى بعثت بها إلى طهران عبر سويسرا كما أنه السيناريو الذى تسعى الجهود الدولية والإقليمية لإقناع إيران به ولو فى المرحلة الحالية».