تبرز أهمية ترشيد الإنفاق العام باعتباره السبيل الوحيد للدول النامية فى ظل قصور طاقتها التمويلية؛ إلى تجنب الآثار السلبية المصاحبة لمحاولات علاج عجز الموازنة، سواء من خلال فرض المزيد من الضرائب والرسوم واللجوء إلى القروض أو الإصدار النقدى، الأمر الذى يجعلنا وجها لوجه أمام ترشيد الإنفاق العام كضرورة مالية لا مفر من تحقيقها، ويُعتبر التحول لأسلوب البرامج والأداء فى إعداد الموازنة العامة للدولة من أفضل الأساليب لترشيد الإنفاق الحكومى للهروب من الاقتراحات العشوائية، كما يُعتبر تبويبا حديثا لحسابات الموازنة يعطى الأهمية والتركيز على البرامج الحكومية وماتقوم به الحكومة من إنجاز للبرامج والمشاريع، وليس على أساس ما يتم إنفاقه كما هو فى موازنة البنود، أى أنها تركز على الهدف نفسه وليس على وسائل تحقيق الهدف.
وبمعنى آخر فإن اهتمام هذا النوع ينصب على قياس الكلفة الإجمالية لبرنامج معين بغض النظر عمن يقوم بالتنفيذ، أى أن الاهتمام يتركز على نشاط الحكومة وليس على وسائل تنفيذ هذا النشاط، إذ يمكن تعريف موازنة البرامج والأداء بأنها وسيلة لتبويب بيانات الموازنة العامة للتركيز على البرامج الحكومية وليس على نسب الانفاق على هذه البرامج، وعليه فأن هذه الموازنة تعمل على إبراز وظيفة جديدة للدولة هى الرقابة الإدارية بدلاً من التركيز على وظيفة الرقابة المالية التقليدية.
فالفلسفة الأساسية التى تبنى عليها موازنة البرامج والأداء تبدأ من تحديد أهداف العمل الحكومى، ثم وضع البرامج التى تحقق الأهداف، ووضع آلية تمكن من إجراء المقارنة بين الأهداف والنتائج، وتقديم نتائج تصلح لتكون قاعدة لاتخاذ القرارات، وتعتمد موازنة البرامج والأداء على 3 عناصر هى، تصنيف العمليات الحكومية بحسب البرامج والأنشطة، ووضع مقاييس للأداء، وتقديم تقارير مفصلة عن الأداء.
وتم تطبيق موازنة البرامج والأداء بالفعل فى 22 وزارة حتى الآن وسيتم استكمالها على باقى الوزارات بالموازنة الجديدة 2020/2021، لأن هذا النوع من الموازنة توزع الموارد على مشروعات معينة وبرامج معينة لتحقيق أهداف معينة، ويتم قياس تكلفتها الفعلية وبحث هل زادت نسبتها أم لا.
لجنة الخطة والموازنة
وكانت لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب برئاسة الدكتور حسين عيسى قد وضعت هذا الملف على رأس أولوياتها ببداية الفصل التشريعى الأول لمجلس النواب، حيث تم تشكيل لجنة لفرعية لمتابعة تنفيذ استراتيجية 2030 والتحول لموازنات البرامج والأداء، برئاسة النائبة سيلفيا نبيل.
ونالت تجربة الدولة المصرية فى التحول إلى أسلوب البرامج والأداء فى إعداد الموازنة العامة للدولة استحسان المؤسسات الدولية، حيث كشف الدكتور حسين عيسى رئيس لجنة الخطة والموازنة، إن بعثة صندوق النقد الدولى بالقاهرة أشادت بتجربة الدولة المصرية فى التحول إلى نظام البرامج والأداء فى إعداد الموازنة العامة للدولة، مضيفا "عندما التقيت بعثة صندوق النقد الدولى مكانوش مصدقين إننا هنشتغل على موازنة البرامج والأداء، ورؤساء اللجان النوعية بالبرلمان عندما تحدثوا مع مسئولى الدول الأوروبية عن تحول بعض الوزارات لموازنة البرامج والأداء كان رد الفعل إيجابى وحماسى".
وأوضح رئيس لجنة الخطة أن التحول لموازنة البرامج والأداء يُشجع الكثير من المؤسسات التمويلية الدولية للتعامل مع الاقتصاد المصرى بشكل أفضل، حيث أنها تضمن توجيه أموال القروض والمنح الدولية لصالح برامج ومشروعات بشكل أكثر فاعلية، كما أشار إلى أن تلك هى المرة الأولى التى تُطبق فيها موازنة البرامج والأداء على مستوى 22 وزارة اعتادت على إعداد موازناتها وفقا لنظام الأبواب والبنود، مؤكدا أن ذلك يُعد تغيير فى الفلسفة والتفكير وإعداد الموازنة، بتحديد أوجه صرف لأموال الدولة وأهداف تسعى لتحقيقها الأجهزة الحكومية على مدار السنة المالية.
وفى السياق ذاته أوضحت سيلفيا نبيل رئيس اللجنة الفرعية، أن هناك إيجابيات عديدة يعكسها التحول نحو تطبيق موازنة البرامج والأداء فى مصر، وفى مقدمتها ترشيد الإنفاق ومكافحة الفساد، لافتة إلى أن تطبيق موازنة البرامج والأداء تحقق مردود واضح للبرنامج الذى تضعه الحكومة خلال العام المالى، بالإضافة إلى أنها تعمل على تحقيق الاستغلال الأمثل لموارد الدولة، وتتيح الرقابة بشكل أفضل، لافتةً إلى أن هذه الإيجابيات التى تحقق تعد أحد المطالب الشعبية.
وتابعت سيلفيا نبيل، أن فكرة موازنة البرامج والأداء تعتمد على توزيع الاعتمادات المالية على برامج محددة لها أهداف واضحة ومدد زمنية محددة ويمكن قياس أدائها من خلال مؤشرات أداء قابله للقياس والإدارة، لافتاً إلى تطبيق هذه الموازنة لن يلغى موازنة البنود، بل يعملون فى تكامل.
ولفتت البرلمانية، إلى أن خطة التحول تطبيق موازنة البرامج والأداء اعتمد على 3 مراحل الأولى منذ العام المالى 2017/2018 حتى 2019/2020 (التوسع الأفقى)، ثم المرحلة الثانية من العام المالى 2019/2020 حتى 2020/2021 (التوسع الرأسى)، والمرحلة الأخيرة حيث (التطبيق الشامل) بدءا ًمن العام المالى 2020/2021 حتى 2012/20222.
وفى سياق متصل قال المهندس ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة، إن موازنة البرامج والأداء تكشف أى نوع من أنواع الفساد يمكن أن يحدث فى أى قطاع من قطاعات الدولة، لافتا إلى أن هناك "مافيا" داخل بعض مؤسسات الدولة تحاول تعطيلها، موضحا أن التحول لأسلوب البرامج والأداء لن يتم بسهولة، قائلا "لأن الفساد العميق سيحاول تعطيل هذه المنظومة بكل الطرق".