تكذيب رسمي ورفض حزبي.. هذيان «أردوغان» بشأن انضمام تونس لتحالف تركي
السبت، 04 يناير 2020 12:00 ص
ضجة واسعة في الأوساط الرسمية والحزبية والشعبية التونسية، أثارتها تصريحات وزير داخلية حكومة الوفاق الليبية، فتحي باشا آغا، حول انضمام تونس إلى تحالف تركي يضم الجزائر وحكومة طرابلس، واصطفافاً واضحاً من جانب معظم المكونات الحزبية التونسية ضد محاولات تركيا الضغط على الرئيس التونسي المنتخب، لاتخاذ موقف في الشأن الليبي تتعارض مع المصالح التونسية والعربية، وتضر بالأمن القومي لدول الجوار، وتهدد استقرار المنطقة برمتها.
تكذيب رسمي خرج لما ورد على لسان باش آغا، حيث أكدت رشيدة النيفر، مسؤولة الإعلام في رئاسة الجمهورية التونسية، في تصريحات لصحيفة "الصباح" التونسية، أن تصريحات الوزير الليبي لا تعكس موقف بلادها الحقيقي من الملف الليبي.
وأكدت أن تونس لم تنضم إلى أي حلف فيما يتعلق بالملف الليبي، وتتمسك بموقفها الحالي في هذه الأزمة، والمبنى على الحياد والوقوف على نفس المسافة من مختلف الأطراف، والدعوة لتغليب الحل السلمي وحقن الدماء في ليبيا.
وكان للسيدة رشيدة تصريح أخر في نفس الصدد لموقع "إرم نيوز"، أكدت فيه أن ما تم تداوله حول موافقة السلطات التونسية على فسح المجال أمام الطيران العسكري التركي للقيام بكل العمليات التي تندرج ضمن دعم حكومة طرابلس غير دقيق.
واعتبرت أن الجانب التركي قد جانب الصواب في نقله لوقائع اللقاء بين قيس سعيد وأردوغان، لأن اللقاء أبرز دعمًا تركيا لمبادرة قيس سعيد للسلام في ليبيا، مشيرة إلى أنّ الرئيس قيس سعيد، لم يعلن انحيازه إلى أي طرف ليبي على حساب الآخر خلال الزيارة.
في نفس السياق، أصدرت رئاسة الجمهورية التونسية بياناً رسمياً، أكدت فيه انّ تونس لن تقبل بأن تكون عضوا في أيّ تحالف أو اصطفاف على الإطلاق، ولن تقبل أبدا بأن يكون أيّ شبر من ترابها إلاّ تحت السيادة التونسية وحدها.
واضاف البيان ان التصريحات والتأويلات والادعاءات الزائفة التي تتلاحق منذ يوم أمس فهي إمّا أنّها تصدر عن سوء فهم وسوء تقدير، وإمّا أنّها تنبع من نفس المصادر التي دأبت على الافتراء والتشويه، وانه وإذا كان صدر موقفٌ عَكَسَ هذا من تونس أو من خارجها فهو لا يُلْزمُ إلّا من صرّح به وحدهُ، وإنّ رئيس الجمهورية حريص على سيادة تونس واستقلالها وحريّة قرارها، وهو أمر لا يمكن أن يكون موضوع مزايدات أو نقاش، ولا توجد ولن توجد أيّ نيّة للدخول لا في تحالف ولا في اصطفاف، وعلى من يريد التشويه والكذب أن يعلم أنّه لا يمكن أن يُلهي الشعب التونسي بمثل هذه الادعاءات لصرف نظره عن قضاياه الحقيقية ومعاناته كلّ يوم في المجالين الاقتصادي والاجتماعي على وجه الخصوص.
أما على المستويين الحزبي والشعبي، جملة من البيانات والتصريحات صدرت عقب تصريحات الوزير الليبي، وحملت كافة هذه المواقف رفضاً قاطعاً للدور التركي التخريبي في الملف الليبي، ولمحاولة توريط تونس ورئيسها الجديد في اصطفاف إقليمي يضرب الأمن القومي العربي، ويهدد استقرار المنطقة.
من هذه الأحزاب الحزب الدستوري الحر، الذي طالب بعقد حلسة برلمانية أستثنائية للوقوف على حقيقة الموقف التونسي الرسمي من الملف الليبي، وحذر الحزب الرئاسة التونسية من اتخاذ أي خطوات أو إصدار أي قرارات باسم الشعب التونسي في علاقة بالملف الليبي من شأنها أن تمثل انحرافا عن ثوابت السياسة الخارجية التونسية التي تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، وعدم إقحام تونس في محاور وتجاذبات دولية أو إقليمية قد تمس من السيادة الوطنية والأمن القومي التونسي.
وانتقد الحزب في بيان له زيارة أردوغان الأخيرة، ورأى أن الزيارة أتسمت بالغموض الذي تعزز بعدم إطلاع الرأي العام على فحواها وعلى ما أنتجته من مباحثات، فضلا عن غياب وزيري الخارجية والدفاع التونسيين عنها، في مخالفة واضحة لثوابت الدبلوماسية التونسية.ايضاً كان لحركة مشروع تونس موقف مهم في هذا الصدد، حيث أصدرت بياناً أشار فيه أنه يرى في زيارة الرئيس التركي الى تونس واللّقاءات المرتبطة بها، محاولة للإيحاء باصطفاف رسمي تونسي لصالح محور تركيا، التي قامت بتوقيع اتفاقية مع حكومة طرابلس أجمعت أغلب العواصم العربية والأوروبية على الرفض القاطع لها.
وأضاف البيان أن الحركة تدعو رئاسة الجمهورية إلى النأي بتونس عن هذه الاصطفافات، ليكون الموقف التونسي الرسمي معتدلاً ومحايداً، وهو ما يستوجب أيضا دعوة المشير حفتر ورؤساء مصر واليونان، لزيارة تونس.
وأعلنت الحركة في ختام بيانها رفضها استعمال تونس كمنصة لأي عمل استخباراتي أو أمني أو عسكري لصالح تركيا في اتجاه ليبيا، أو كمنصة سياسية لمحور دولي معين، تتناقض مصالحه مع مصالح تونس ومع سلامة علاقاتها العربية والدولية.
ومن جانبه انتقد حزب العمال التونسي بشدة زيارة أردوغان وما نتج خلالها وبعدها من تصريحات، وأشار في بيان له أن زيارة أردوغان تأتي للبحث عن دعم النظام التونسي لتدخل تركي محتمل في ليبيا تحت غطاء مذكرة التفاهم المبرمة بين أردوغان وحكومة طرابلس، وذلك استناداً لتركيبة الوفد المرافق للرئيس التركي خلال الزيارة، والتي حملت صبغة عسكرية وأمنية ومخابراتية.
وأضاف البيان أنه وفقا لتصريح أردوغان في المؤتمر الصحفي خلال الزيارة، فإنه فمن الواضح أن موضوع الزيارة الرئيسي "لا يتعلق بالتباحث حول التعاون المشترك بين البلدين ولا ترويج زيت الزيتون التونسي أو بناء مستشفى للأطفال، بل يتعلق فقط بالوضع في ليبيا".
واستنكر الحزب استقبال من وصفه بـ''جلاد الشعب التركي ومرتكب الجرائم على حساب سوريا الشقيقة''، في تونس في هذا الظرف بالذات وحول موضوع ليبيا بالذات، مديناً "عدم التعامل مع الشعب التونسي بشفافية بشأن هذه الزيارة الاستفزازية''، وحذر الحزب في ختام بيانه من "أي اصطفاف وراء حاكم تركيا أو تسخير بلادنا بأي شكل من الأشكال لخدمة أهدافه في ليبيا، وهو الذي لا يخفي أطماعه في استغلال الانقسامات في القطر الشقيق لخلق موطئ قدم في لتركيا للسطو على ثرواته من النفط والغاز، حتى لو استدعى منه ذلك التدخل عسكريا وتوسيع المواجهات في ليبيا لتشمل أطرافا إقليمية ودولية أخرى، مما سيكون له انعكاسات خطيرة على أمن تونس والمنطقة بأسرها".
وندد حزب آفاق تونس في بيان له بما أسماه "الخروج عن الأعراف الدبلوماسية"، بقيام أردوغان بزيارة غير معلن عنها مسبقاً إلى تونس، ورأي أن الزيارة بهذا الشكل ودون توجيه دعوة رسمية سابقة أو الالتزام بالأعراف الدبلوماسية المتبعة بين الدول، تمثل "إساءة بالغة للدولة التونسية ولهيبتها بين الأمم".
وأكد الحزب رفضه المطلق والمبدئي لكل أشكال الاصطفاف في المحاور الإقليمية، محذرا في هذا السياق من مغبة إقحام تونس في صراعات إقليمية أو ايدلوجية أو طائفية يكون لها الأثر السلبي على المصالح الإستراتيجية والأمن القومي لتونس.
أما حركة الشعب، فأكدت عبر بيان لمكتبها السياسي أن أي تدخل عسكري تركي على الأرض الليبية دعما للجماعات الإرهابية يمثل تهديدا لأمن تونس، بما في ذلك ما يسمى "بالاتفاق المشترك بين حكومة فاقدة للشرعية الشعبية و دولة تبحث عن التوسع في المنطقة من خلال دعم الجماعات الإرهابية وخلق توترات مع جيران ليبيا في المنطقة العربية وحوض البحر الأبيض المتوسط".
واعتبرت الحركة أن ''الحل الوحيد الممكن في الشقيقة ليبيا هو منع التدخل الدولي في الصراع الدائر هناك".
وأضافت "أن مصير تونس أمنيا واقتصادياً شديد الارتباط بالاستقرار في ليبيا وبإنهاء الصراع والقتال، مما يضع على عاتق السلطة التونسية مسؤولية الوقوف على نفس المسافة من جميع الأطراف، والعمل على تشريك الجميع في الحل المرتقب".
واختتمت الحركة بيانها بالتشديد على ضرورة أن تأخذ دول الجوار، تحديدا مصر وتونس والجزائر، "المبادرة لإنهاء النزاع وإرساء حل يرضي جميع الأطراف، و ينهي الوجود الإرهابي والميليشياوي في المدن الليبية".
من جانبه، أصدر الأمين العام لحزب المسار الديموقراطي الاجتماعي فوزي الشرفي، بياناً أكد فيه "إن حزبه الذي سبق أن انتقد بشدة انخراط تونس في محاور الدمار العسكري ضد اليمن وعارض بنفس القوة سياسة أردوغان الحاضنة للإرهاب والممولة له ضد سوريا يرفض اليوم أي تدخل خارجي في شؤون الشقيقة ليبيا".
وأضاف البيان أن "الاصطفاف الرسمي التونسي مع المحور التركي القطري لا يراعي التطورات الميدانية في ليبيا اليوم، ويحشر تونس في نزاع إقليمي يعود بالدمار على الشعب الليبي ويهدد أمن تونس وعلاقتها بجوارها"، ودعا الحزب رئيس الجمهورية التونسية إلى توضيح رؤيته للملف الليبي وللعلاقات مع دول الجوار وجنوب البحر الأبيض المتوسط وخاصة منها الجزائر وليبيا ومصر.
وأعرب الحزب في نهاية بيانه عن استغرابه من زيارة أردوغان لتونس في هذا التوقيت، ورأى انها تطرح العديد من التساؤلات، كما أعرب أيضاً عن استيائه من تصريحات الرئيس التركي خلال الزيارة، خاصة بعد تهجمه على خصومه في الملف الليبي من خلال المؤتمر الصحفي الذي تم عقده على هامش الزيارة في تونس، وشدد الحزب على أن استعمال تونس "كمنصّة سياسية لمحور دولي معيّن، يتناقض مع المصلحة الوطنية لبلادنا ويمكن أن يعرّض ترابها لمخاطر غير محسوبة العواقب".
من المواقف بالغة الأهمية في ما يتعلق بهذا الموضوع، كان موقف المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، الذي دعا جميع السلطات التونسية لرفع حالة اليقظة والحذر، "للحيلولة دون تحويل تونس ممرّا للأسلحة ومعبرا للدواعش نحو ليبيا أو ملاذا لهم".
وشدد أن "السياسة الخارجية التونسية يجب أن تحتلّ فيها مصلحة البلاد المحلّ الأرفع مع احترام حقّ الأخوّة والجيرة، ورفض التورّط في الأحلاف الدولية المشبوهة مهما كان غطاؤها"، معتبراً "حلّ الخلافات الليبية لن يكون إلاّ داخليّا وبعيدا عن تدخّل الدول الأجنبية التي لا تخدم غير مصالحها، وأن دول الجوار أولى بالوساطة لوقف هذه الحرب القذرة".
كذلك أصدر الأمين العام لحزب التيار الشعبي التونسي محمد زهير حمدي، أعرب فيه عن رفض حزبه القاطع "لاصطفاف تونس غير المبرر مع أحد أطراف الصراع الليبي ومع محور إقليمي بعينه دون مراعاة لمصالح الشعبين التونسي والليبي وأشقاء تونس من الدول العربية المجاورة، وهو ما يفقدها صفة الطرف المحايد الإيجابي من جهة المساهمة في وقف الاقتتال وبناء الوحدة على اعتبار أن الأزمة الليبية لا تحل إلا بالحوار وليس تحت ضغط الحشود العسكرية التركية".
كما أعرب البيان عن استغراب الحزب من الزيارة المفاجئة وغير المعلنة للرئيس التركي، والتي رافقه فيها وفد عسكري وإستخباراتي، وهو ما يؤشر على عنوان الزيارة، معتبراً أن هذا الأمر يصب في خانة التطور الخطير في علاقة بالمستجدات في ليبيا، وشدد الحزب على رفضه المطلق لتحول تونس مرة أخرى إلى "منصة للعدوان على ليبيا على غرار ما حصل سنة 2011، أو أن تصبح تونس "قاعدة خلفية للجيش التركي واستخباراته لدعم المليشيات الموالية له وتهديد أمن دول الجوار".