أزمة المحاصيل الزيتية تتفاقم.. نستورد بـ 25 مليار و100 مليون جنيه سنويا

الجمعة، 03 يناير 2020 07:00 ص
 أزمة المحاصيل الزيتية تتفاقم.. نستورد بـ 25 مليار و100 مليون جنيه سنويا
أزمة الزيوت نتيجة طبيعية لتراجع مساحة زراعات المحاصيل الزيتية
كتب ــ محمد أبو النور

تُمثّل زراعة المحاصيل الزيتية في مصر، لُغزاً يبدو أنه قد استعصى على الحل، بعد تراجع مساحة الزراعات في القطن، إلى جانب محاصيل زيتية أخرى، كانت في يومٍ من الأيام، تنتشر في القرى والمراكز والمحافظات، بصورة مُلفته، لتُعطى في النهاية محصولاً وفيراً وزيوتاً أوفر، تكفى حاجة الاستهلاك المحلىّ، وتُبعد عنّا شبح وتبِعات فاتورة الاستيراد من الخارج، وزيادة الأعباء على ميزانية الدولة، عن طريق إهدار العُملات الصعبة.

زراعة القطن
زراعة القطن

 

صِراع على الرِقعة الزراعية

هناك صراع كبير، يدور بين المحاصيل، على أولوية احتلال الرقعة الزراعية، كما يقول الدكتور محمد عبادى، الخبير الزراعى، والتي تصل حالياً لحوالي 10,5 مليون فدان من الأراضى القديمة والصحراوية المُستصلحة حديثاً، ويحتدم الصراع في الزراعات الشتوية والصيفية، حيث لدينا الآن المحاصيل الاستراتيجية والمحاصيل التصديرية، وإذا أردنا عودة زراعة المحاصيل الزيتية لسابق عهدها، فلابد من تفعيل وتنشيط الزراعات التعاقدية، حتى يقوم الفلاح والمُزارع والمستثمر الزراعى الكبير والصغير والمتوسط بالزراعة، وهو مُتعاقد على توريد أو بيع المحصول، ويزول قلقه وانشغاله، بالبحث عن المشترى بعد حصاد وجنى وحصاد وتقليع المحصول، كما يحدث في تجربة زراعة بنجر السكر، على الرغم مابها من مشاكل وأزمات من وقتٍ لآخر، إلاّ أنها تجربة طيبة وجيدة، ويتم زراعة المساحات المُتعاقِد عليها فقط، أمّا من يزرع بدون تعاقد فهو يتحمل نتيجة المُغامرة، ولذلك لن تعود زراعة المحاصيل الزيتية بقوة، وبالمساحات التي كانت عليها سابقاً، إلاّ من خلال تفعيل شروط الزراعات التعاقدية، ويكفينا ما يحدث في الطماطم والبطاطس والفراولة من آنِ لآخر، لاسيما وأن صناعة الزيوت فقدت رُكناً كبيراً من مصادرها، بانكماش مساحة زراعة القطن، والتي كانت تصل في وقتِ من الأوقات، لحوالي 2 مليون فدان، وكانت تعطى ملايين الأطنان من بذرة القطن، التي كانت تُستخدم في إنتاج الزيوت والأعلاف.

زراعة السمسم
زراعة السمسم

 

فاتورة استيراد الزيوت

من ناحية أخرى، كشف تقرير أعدته الدكتورة سمر منير، رئيس بحوث بقسم بحوث المحاصيل الزيتية، في معهد المحاصيل الحقلية، عن حقيقة الفجوة الزيتية في استهلاك الزيوت في مصر، وأوضح التقرير أن مصر تستورد 2 مليون طن زيوت، في مقابل إنتاج الزيوت المحلية، الناتجة عن زراعة المحاصيل الزيتية، والتي تبلغ 15 ألف طن، بنسبة لاتتجاوز 3%، وأن إجمالي كميات الزيوت والبذور الزيتية، التي يتم استيرادها من الخارج، تصل إلى 5.7 مليون طن سنوياً، بقيمة 25 مليار و100 مليون جنيه، منها مليوني طن زيوت، و 3.7 مليون طن بذور زيتية، يتم استيرادها لإنتاج الزيوت في مصر.

وقالت الدكتورة سمر منير، في تصريحات صحفية، إن أسباب الفجوة الزيتية، تعود إلي الزيادة المتصاعدة، في عدد السكان، من 26,1 مليون نسمة عام 1960 إلى  105 مليون نسمة عام 2019، وهو الأمر، الذي يؤدي لزيادة الاستهلاك من الزيوت، فضلاً عن زيادة استهلاك الفرد، من الزيوت النباتية، من 4 كجم في الستينات، إلي حوالى 21 كجم في الوقت الحالي، نتيجة تحسن مستوي المعيشة.

وأضافت  الدكتورة سمر منير، أن التقلبات في أسعار المحاصيل الزيتية، تأتى نتيجة ارتباطها بالأسعار العالمية، وتأثرها بمصالح الشركات المُصنّعة، وهو ما يؤدي إلي تذبذب العائد النقدي لها، من موسم إلي آخر، مما يدفع المزارعين إلي زراعة محاصيل أخري بديلة.

وأوضحت الخبيرة بقسم بحوث المحاصيل الزيتية، أن هذه التقلبات السعرية، تأتى بسبب قيام الشركات العاملة، في مجال الزيوت النباتية، باستيراد البذور وعصرها محلياً، أو استيراد الزيوت النباتية خاماً لتكريرها، أو زيوت مُكررة، يتم تعبئتها في مصر، مع ضعف القدرة التنافسية للمحاصيل الزيتية، مقارنة بالمحاصيل الأخرى، مثل الأرز والقمح والأرز، وأشارت الدكتورة سمر إلي أن الفول السودانى والسمسم، لا يدخلان فى استخراج الزيوت، ويُستخدمان أساساً فى صناعة الحلويات والمخبوزات، وتصدير الفائض من الفول السودانى إلي الخارج.

زراعة الزيتون
زراعة الزيتون

 

الزراعات التعاقدية

ولفتت الخبيرة في زراعة المحاصيل الزيتية، إلي أن قطاع إنتاج الزيوت، يعاني من عدم وجود نظام تسويقي مناسب، للمحاصيل الزيتية التصنيعية، مثل زهرة الشمس وفول الصويا والكانولا، والتي يصعب علي المزارع تسويقها بنفسه، وهو ما يجعله عرضه لاستغلال التجار ومصانع الزيوت ، فضلاً عن تراجع المساحات المنزرعة بالمحاصيل الزيتية، لتصل إلي 3,7% من المساحة المحصولية.

وأوضحت الدكتورة سمر، أن المساحات المنزرعة بالفول السوداني، بلغت 160 ألف فدان، تنتج 240 ألف طن، بالإضافة إلي زراعة 38 ألف فدان بفول الصويا، تنتج 57 ألف طن، علاوة على زراعة 64 ألف فدان سمسم، تنتج 37.8 ألف طن، وزراعة مساحة 28 ألف فدان، بمحصول دوًار الشمس، تنتج 33.6 ألف طن، وزراعة 2000 فدان بنبات الكانولا، تنتج 2800 طن، بينما يتم زراعة 26 ألف فدان بالكتان، تنتج 13 ألف طن.

زراعة الذرة الصفراء
زراعة الذرة الصفراء

 

وأشارت الخبيرة سمر منير، إلي أن زيوت الطعام، التي تقوم مصر باستيرادها من الخارج، تُقدّر بـ 3.7 مليون طن بذور زيتية، بقيمة 2.5 مليار جنيه، واستيراد 2 مليون طن زيوت، بقيمة 22.6 مليار جنيه، مشيرة إلي إنه يتم استيراد 3.7 مليون طن بذور فول الصويا، بقيمة 2.1 مليار جنيه، واستيراد 70 ألف طن بذور دوار الشمس، بقيمة 423 مليون جنيه، فضلاً عن استيراد 1.3 مليون طن زيت نخيل، بقيمة 12 مليار و830 مليون جنيه، واستيراد 114 ألف طن زيت فول صويا، بقيمة مليار و 278 مليون جنيه، علاوة على استيراد 536 ألف طن زيت دوّار الشمس، بقيمة 8 مليار و515 مليون جنيه، والتي لا تشمل تكاليف الشحن، ولخلخلة هذه الأزمة، ووضع حلول لعلاج المشكلة، اقترحت الدكتورة سمر منير، عدداً من الخطوات، لتقليل فجوة الزيوت، منها زيادة المساحة المنزرعة بالمحاصيل الزيتية، عن طريق نشر زراعة الأصناف الجديدة، ذات الإنتاجية العالية، في المحصول ونسبة الزيت، والتي تتحمل الظروف البيئية المعاكسة، ونشر زراعة الكانولا، والتي تحتوي على مابين 40 -45 % زيت عالي الجودة، حيث إنه المحصول الشتوي الوحيد في مصر، الذي يتميز بتحمله للظروف البيئية المعاكسة، خاصة الملوحة ونقص المياه، إلى جانب نجاح زراعته في الأراضي، التي لم ينجح بها زراعة محاصيل استراتجية أخري.

دوار الشمس
دوار الشمس

 

الأراضى المستصلحة حديثاً

ولفتت خبيرة زراعة المحاصيل الزيتية، إلي أهمية التوسع في زراعة المحاصيل الزيتية، في المناطق المستصلحة حديثاً، والمحافظات التي لها ظهير صحراوي، والمناطق التي تعاني من نقص مياه الري والأراضي الهامشية، واستحداث أساليب جديدة، للتوسع في زراعة المحاصيل الزيتية، ومنها التحميل علي بعض المحاصيل الأخرى، مثل تحميل زهرة الشمس علي عددٍ من المحاصيل، مثل بطيخ اللب والطماطم الصيفي والشتوي و القصب الغرس الخريفي و المزارع المُنشأة حديثاً، وأيضا تحميل فول الصويا على محاصيل أخرى، وهو ما يعمل علي زيادة العائد، من وحدة الموراد الطبيعية، والاستغلال الأمثل لوحدة الأرض والمياه.

فول الصويا
فول الصويا

 

وشددت الدكتورة سمر منير، علي أن تكون زراعات المحاصيل الزيتية، زراعات تعاقدية، بين المُزارع و جمعية المحاصيل والمصنع، حتى تكتمل السلسلة بداية من الزراعة وإنتاج البذور، وحتى تصنيعها وحمايتها، من سياسة الإغراق ومنافسة الأسواق الخارجية.

ودعت الخبيرة الزراعية، الحكومة إلي تشجيع شركات الاستثمار الزراعى، وخاصة بالأراضى الجديدة، على زراعة نسبة من الأراضى بالمحاصيل الزيتية، من خلال إعطاء تسهيلات لها، فى مقابل الالتزام بزراعة هذه المحاصيل، وإنشاء سلسلة متكاملة، حتى إنتاج الزيت، وتعريف شركات تصنيع الزيوت، بالأصناف المحلية من المحاصيل الزيتية، لضمان تسويق الناتج من البذور، والتوسع في نظام الزراعة التعاقدية، وخاصة في الأراضي حديثة الاستصلاح والهامشية، وهو ما يعمل علي زيادة الناتج من الزيوت، بهدف تضييق الفجوة الزيتية تدريجياً، وإنشاء صندوق دعم الزيوت، لتطوير البحوث والإرشاد و مزارعى المحاصيل الزيتية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق