ليبيا تكتب نهاية الديكتاتور

السبت، 28 ديسمبر 2019 01:19 م
ليبيا تكتب نهاية الديكتاتور
محمود علي يكتب..

اليوم باتت نوايا تركيا فى المنطقة أكثر وضوحا، ولا تحتاج إلى منظار كبير لكشفها، فالأطماع فى ابتلاع المنطقة دولة تلو الأخرى لا تتوقف، مستغلة فى ذلك «الطابور الخامس» المستعد لبيع ما تحت يده لأنقرة مقابل أن يحظى بالدعم المالى والسياسى، وأن يكون له موطئ قدم فى دولة الأحلام التركية التى يأمل رجب طيب أردوغان أن تكون على كامل الأراضى العربية.
 
ما يجرى فى ليبيا حاليا هو جزء من الأطماع التركية، فبعدما سقطت نظرية أردوغان بالسيطرة على ليبيا عبر الميليشيات الإرهابية المسلحة المدعومة والممولة من قطر، لم يجد أردوغان من طريق أمامه إلا الطابور الخامس، وفى ليبيا كان فائز السراج جاهزا لتأدية المهمة لأردوغان، خاصة أن الفترة الماضية شهدت ترتيبات تركية وقطرية لتجهيز السراج لهذه المهمة، فتم استدعاؤه قبل أسبوعين لأنقرة لعقد لقاء مغلق مع أردوغان، وبعدها تم الإعلان عن توقيع اتفاقية أمنية معه باعتباره رئيسا للمجلس الرئاسى الليبيى، الذى فقد شرعيته لكن السراج ما زال يمارس عمله غير الشرعى.
 
هذه الاتفاقية ينوى من خلالها أردوغان إنشاء قواعد عسكرية تركية فى ليبيا لتكون منصة ينطلق من خلالها لضرب أهدافا فى البحر المتوسط، ولتهديد الدول المطلة على المتوسط، وفى مقدمتها مصر واليونان وقبرص، وفى الوقت ذاته استخدام الأراضى الليبية كساحة لاستقبال الإرهابيين العائدين من سوريا، وتجهيزهم لتنفيذ عمليات إرهابية تتم وفق خطة وجدول زمنى تحدده المخابرات التركية. الأشقاء فى ليبيا وقفوا بالمرصاد لهذا الاتفاق المشبوه وللتحركات التركية المريبة فى المنطقة، وأعلن اللواء فرج المهدوى، رئيس أركان البحرية فى الجيش الوطنى الليبى، أن ليبيا واليونان اتفقتا على سدّ الممر البحرى الرابط بين جزيرة «كريت» اليونانية والحدود البحرية الشرقية لليبيا، أمام السفن التركية، خاصة القادمة إلى غرب ليبيا والمحملة بالآليات والأسلحة والدواعش، مؤكدا أن «هناك تنسيقا كبيرا بين اليونان وليبيا من أجل مراقبة حركة السفن التركية، وسيتم التدخل من الطرف اليونانى لاحتجاز أى سفينة تركية تخترق السواحل اليونانية، ومن طرفنا لضربها وإغراقها إذا ما حاولت تخطى المياه الليبية للاستكشاف والتنقيب عن النفط أو الوصول إلى موانئ غرب ليبيا لإيصال الأسلحة للمليشيات، خاصة ميناء مصراتة». 
كما أكدت الحكومة الليبية المؤقتة، أنها لن نسمح بإعادة الاحتلال العثمانى إلى ليبيا وأنها ستتصدى له، كما تحركت دول المنطقة، وفى مقدمتها مصر لحفظ الأمن والاستقرار بمنطقة المتوسط، وللوقوف فى وجه الاطماع التركية.
والمتتبع لتحركات أردوغان خاصة فى العقد الماضى، وبالأخص عام  2019 الذى شارف على الانتهاء، سيجد أنها بحاجة إلى الكثير من المجلدات لشرح ماهيتها وأهدافها الداخلية كانت أو الخارجية، فرغم رفع نظامه فى بداية توليه الرئاسة شعارات مثل «صفر مشاكل» و«تركيا الجديدة» و «كل شيء سيكون أكثر جمالا»، إلا أن الشعب التركى اصطدم بواقع مأساوى داخليا وخارجيا، ففى الداخل ازدادت حملات قمع النظام التركى للمعارضة، لتشهد الدولة عمليات اعتقال عدة من حين لآخر، تستهدف المعارضين السياسيين والصحفيين ومنتسبى المؤسسات العسكرية بحجة الانتماء لحركة الخدمة التى تتبع فتح الله جولن، المقيم فى الولايات المتحدة.
الوضع اقتصاديا فى تركيا تحت حكم الديكتاتور لم يكن على ما يرام، حيث يعد عام 2019 الأسوأ فى تاريخ الاقتصاد التركى، بعد موجة من الخسائر الفادحة وانخفاض قيمة الليرة، فى وقت ينصب التركيز الأساسى فى أنقرة على انتظار ما ستسفر عنه سياسات أردوغان الخارجية من عقوبات وتداعيات ستفرضها الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية بسبب تدخل تركيا فى ليبيا، ونتيجة حصول أنقرة على صواريخ إس 400 الروسية، وهى تهديدات إذا نفذت ستكون لها تداعيات كارثية على الاقتصاد والعملة المحلية والأسعار المرتفعة بالأساس. 
أما فى الخارج، فقد ورط «أردوغان» بلاده فى الكثير من الملفات، فأدخلها بسياساته العنترية فى مشاحنات كثيرة مع عدة دول فى جوارها الإقليمى، بسبب أنشطته الاستفزازية وتدخله غير المحسوب فى شئون دول المنطقة، وتحديدا فى سوريا وليبيا والعراق، ليس لدعمه لاستقرار هذه الدول، بل لمساعدة وإسناد الميليشيات المسلحة والجماعات المتطرفة فى هذه البلدان، بالإضافة إلى تعديه بدون وجه حق على ثروات منطقة شرق البحر المتوسط وتحديدا بالتنقيب على النفط والغاز فى المياه الإقليمية لدولتى قبرص واليونان.
وازدادت تدخلات أردوغان فى دول الجوار بشكل فج فى هذا العام، بل ووصل الأمر إلى عدوان قواته المسلحة على سوريا تحت عنوان «نبع السلام»، وهى العملية التى كانت بعيدة كل البعد عن هذا الاسم، حيث كشفت كم الجرائم البشعة التى ارتكبها الرئيس التركى فى حق الشعب السورى الذى يعيش شرق الفرات، ويبلغ عددهم 5 ملايين إنسان فى الوقت حاول عدد كبير من السوريين الاستماتة للدفاع عن مدنهم، فى حين كان يحارب بجانب جيش أردوغان فصائل إرهابية من داعش والنصرة، وفق شهادة أهالى المناطق المعتدى عليها من قبل تركيا.
وأنهى الرئيس التركى هذا العام بتعديه على حقوق الشعب الليبى بعد توقيعه مع حكومة طرابلس الإخوانية بقيادة فائز السراج على مذكرتى تفاهم أمنية وبحرية دون توقيع من قبل مجلس النواب الليبى، والذى أكد فى أكثر من بيان أن هذه الحكومة انتهت ولايتها ولم يتم التجديد لها حتى الآن، وهو ما وضع أردوغان فى موقف المعتدى على ثروات بلد عمر المختار، ولم يقف عند هذا الحد بل وصل الأمر إلى تهديده لليبيين بإرساله قوة عسكرية لحماية هذا الاتفاق رغما عن الشعب الليبى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق