بروتوكول علاج السرطان!
الجمعة، 13 ديسمبر 2019 04:23 م
لكل مريض سرطان ظروفه، وقدرته على الصبر والتحمل، والإيمان بقضاء الله وقدره، والتسليم المطلق لمشيئة خالقه؛ فهناك مَنْ يستسلم له، ويساعده في التهام جسده، ويفعل به الأفاعيل، وهناك مَنْ يقاومه بكل ما أوتي من قوة إيمان، وروح معنوية عالية، وبمحبة المحيطين به..
عن نفسي، لا أتعامل على أنني مريض بالسرطان، ولا أحب أن يعاملني الأطباء والمحيطين بي كمريض به.. بل- في بعض الأحيان- أشعر أن السرطان هو المصاب بي.. وأحس به وكأنه ينظر في عيني متقمصًا شخصية «رشدي» في فيلم «شيء من الخوف» ويقول لي: «انت مابتخفشي مني ليه؟ أنا عتريس.. أنا بلوة سودا»؛ فأضحك عليه، وأتركه، وأمضي إلى حال سبيلي، فَيُجَن أكثر وأكثر..
نعم.. لم أضع مرض السرطان فوق قدره، فيستخف بي، ويضعني دون قدري.. أضحك في وجهه، وأسخر منه.. ولم أظهر له ضعفي، وانكساري، ويأسي- في بعض الأحيان.. بل دائمًا ما أشعره بأنني الأشجع، والأقوى في منازلته ومواجهته، وكلي ثقة بربي في الانتصار عليه، أو الهزيمة بشرف أمامه..
منذ إصابتي به، وعلاجي منه، وأنا ملزم نفسي بطقوس لم أخطها في سطور على الورق، بل في قلبي وعقلي.. وحاولت أن لا أنشر أي شيء تظهر وحشية السرطان، وما يفعله في جسدي.. بينما حرصت- قدر الإمكان- أن أنشر البهجة، وأزرع الأمل في نفوس رفقاء المرض الذين أنهكهم الكيماوي والإشعاعي، ويتمنون الخلاص..
لم أتاجر بمرضي- كما ادعى أحدهم.. ولم أنشر صورة خلال تلقي العلاج، ولا أنا ممدد على سرير المرض وأنا لا حول لي ولا قوة.. بل أتذكر أن كل الكلام والصور والفيديوهات التي نشرتها تبعث على التفاؤل، وتظهر جانبًا إيجابيًا في فن المواجهة، مدفوعًا بما يمليه عليَّ ضميري بأن الناس لا ذنب لهم حتى أؤذيهم بكلام أو صور قد تجرح مشاعرهم، أو ربما تتسبب لهم في ضرر نفسي.. فأنت وحدك حامل أوجاعك، والناس- مهما كان تعاطفهم معك- لا يملكون لك شفاءً، فالشفاء بيد ومشيئة مَن أصابك بالمرض، فلِمَ الشكوى لمن لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا؟!
وكما الناس درجات، ومتفاوتون في الرزق، فهم أيضًا متفاوتون في درجة تحمل المرض.. فلا تلوموا المرضى الذين ينهارون أمام المرض البطال، فقد عجزوا عن مواجهة النار التي تسري في أوردتهم، وفشلوا في ترميم ما فعله العلاج الكيماوي في دواخلهم، ولم يتحملوا قسوة الألم الذي ينهش عظامهم، ولم يطيقوا جفاف حلوقهم، ولم يتخلصوا من شعورهم بالرائحة الكريهة المنبعثة من ملابسهم، ولم يتحملوا أن يكون طعامهم وشرابهم بلا طعم، ويئسوا من تغيير حياتهم إلى الأفضل؛ فتمنوا الخلاص منه، ولو بالهروب إلى الموت، أو بالزواج، أو بتشجيع الزمالك!