أين جهاز حماية المستهلك من مخالفات ملف «طفايات الحريق»؟
السبت، 30 نوفمبر 2019 11:27 صيوسف أيوب يكتب:
- المواصفة القياسية التي يطالب الجميع بمراجعتها وفقا لهذه التقارير الرسمية، تسمح بإنتاج الطفاية لمكافحة 5 أنواع من الحرائق
- الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة تلتزم الصمت وترفض تعديل الخطأ فى المواصفة القياسية.. وشبهة الاحتكار تتطلب تدخل «حماية المنافسة»
على مدار ثلاثة أعداد انفرد الزميل محمد أسعد بتفاصيل كثيرة حول البودرة المستخدمة فى إنتاج طفايات الحريق فى مصر، وما أثبتته التقارير الصادرة عن جهات عدة بأن المواصفة القياسية المصرية فى هذا الشأن مخالفة لكل المعايير والمواصفات القياسية العالمية، وهو ما تسبب فى إنتاج طفايات حريق تعمل على اتساع حرائق المعادن وانفجارها بدلا من إخمادها.
التقارير الذى نشرها الزميل صادرة عن جهات رسمية فى مقدمتها الإدارة العامة للحماية المدنية بوزارة الداخلية، وكليات العلوم بجامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية، والمركز القومى للبحوث، كما أن هناك تقريرا من هيئة مفوضى الدولة بالمحكمة الإدارية العليا موجود الآن أمام المحكمة يوصى بإصدار حكم نهائى لإلزام الهيئة المصرية للمواصفات والجودة بإلغاء تلك المواصفة، بالإضافة إلى المواصفات القياسية العالمية التى حذرت جميعها من خطورة دمج الفئة D مع الفئات الأخرى، كما هو حاصل فى الطفايات المصرية.
وانتهت كل هذه التقارير إلى حقيقة صادمة وهى أن المواصفة القياسية لطفايات الحريق تسببت فى أن تصبح مصر الدولة الوحيدة التى تشهد إنتاج طفايات حريق للتعامل مع كل أنواع الحرائق بما فيها حرائق المعادن، والأخيرة حذرت كل الجهات العالمية من خطورة استخدامها مع حرائق الفئات الأخرى، لأنها تتسبب فى تفجير الحرائق واتساعها بدلا من إخمادها، وإصابة الإنسان بالعمى وتآكل الجلد وتدمير الجهاز التنفسى، وإصدار غاز الفوسفين المميت.
المواصفة القياسية التى يطالب الجميع بمراجعتها وفقا لهذه التقارير الرسمية، تسمح بإنتاج الطفاية لمكافحة 5 أنواع من الحرائق (A.B.C.E.D) بما فيها حرائق المعادن «D»، وهنا تكمن المخالفة أو إن شئت القول «الكارثة»، فالمواصفة المصرية جاءت مخالفة لكل المواصفات القياسية العالمية التى حذرت من استخدام الفئة «D» مع أى فئة أخرى لما تمثله من خطورة كبيرة، وبسبب تلك المواصفة أيضا لا يمكن تدبير أى طفاية لا تنطبق عليها مواد المواصفة سواء بالتصدير، لأنها ستكون مرفوضة لدى كل دول العالم، أو الاستيراد لعدم وجودها أو تصنيعها لمخالفتها القيم الفنية لدى المواصفات القياسية فى دول الإنتاج فى أوروبا أو أمريكا.
نشرنا كل هذه الحقائق وما زال لدينا الكثير مما يقال فى هذا الملف الملىء بتفاصيل وتقارير تكشف خبايا ملف طفايات الحريق فى مصر، لكن للأسف الشديد لم يتحرك لدى «الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة» ساكن، بل إن المهندس أشرف عفيفى، رئيس الهيئة العامة للمواصفات والجودة، حينما تواصلنا معه كان رده أغرب من صمته السابق، لأنه هدد الصحيفة بالملاحقة القانونية والقضائية، لأنها نشرت تقارير دون الرجوع للهيئة، رافضا فى الوقت نفسه الرد على ما ورد من حقائق بهذه التقارير، وهو موقف جعلنا نضع الكثير من علامات الاستفهام نحتاج من المهندس أشرف عفيفى أن يرد عليها، وألا يكتفى بالصمت.
الأكثر غرابة فى هذا الملف هو الصمت المطبق الذى سيطر على جهاز حماية المستهلك، الذى يتحدث رئيسه ومسئولوه كل يوم عن جولات لهم فى الأسواق، لكنه صمت أمام هذه المخالفات الواضحة فى منتج هو أشد خطورة على المواطن وعلى الدولة أيضا، وهو طفايات الحريق، رغم أن حماية المستهلك هى الوظيفة الأساسية التى أنشئ الجهاز لتحقيقها، كما أن رئيسه مسئول عن ذلك، لكن يبدو أن ملف طفايات الحريق صعب على الجهاز ورئيسه.
وخلال نشرنا للتقارير والمستندات الرسمية، كانت تأتينا تهديدات واضحة وصريحة من جانب شركة «بافاريا مصر»، التى تستحوذ على القدر الأكبر من سوق طفايات الحريق فى مصر، ولأنها المستفيد الوحيد من المواصفة القياسية المخالفة، حاولت الشركة المملوكة للدكتور نادر رياض إيقاف الحملة بكل السبل، سواء بالتهديد والوعيد بالملاحقة القانونية والقضائية، أو من خلال وسائل أخرى، والغريب أن الشركة فى تواصل مسئوليها معنا كانت ولا تزال تتهرب من السؤال المهم، هل ما ورد فى هذه التقارير التى قمنا بنشرها صحيح أم لا؟.. لم يردوا على السؤال لأنهم بالتأكيد يدركون الإجابة، ومع مواصلة «صوت الأمة» نشر الحقائق راهنت «بافاريا مصر» على عامل النسيان، لكنهم مخطئون، لأن ما يحدث فى هذا الملف أخطر من أن يناله النسيان.
كيف ننسى أو نتجاهل مثل هذا الخطر الذى لن يتوقف إلا حينما تجرى هيئة المواصفات القياسية تعديلا على المواصفة الحالية، وتجعلها متوافقة مع المواصفات القياسية العالمية، لأنه بدون ذلك سنستمر نذكر الجميع بما فيهم الأجهزة الرقابية أن هناك خطرا يهددنا جميعا.
نحن نتحدث بلغة القانون أيضا، ونمتلك الحقيقة وما يدعمها، فرغم أن الشبهات أثيرت حول المواصفة القياسية المصرية منذ أن صدرت عام 2008، وتم الادعاء بتعديلها فى أعوام 2011 و2013، إلا أن هيئة المفوضين بمجلس الدولة أثبتت أنه تم تعديل سنة الإصدار فقط دون تعديل المضمون، وقالت إن ما قامت به الهيئة هو مجرد تعديل المواصفة القياسية 734 لسنة 2008، وتم تعديل سنة إصدارها ولم يشمل هذا التعديل العيوب التى وقعت فيها المواصفة القياسية، حيث تم اعتماد المواصفة 734 لسنة 2013 على أساس صلاحيتها لمكافحة حرائق متعددة للفئات A,B,C,D,E، وهى المواصفة التى رفضتها الدراسات السابق ذكرها وطالبت بمراجعتها والعدول عنها لعدم وجود مثيل لها فى دول العالم، وتؤدى إلى مخاطر للمستخدمين، ويصيب تلك المواصفة ما أصاب سابقتها من عيوب، وأن مجرد تعديل سنة الإصدار لا يخرجها من كونها تعديلا لمواصفة قياسية قائمة.
وأكدت هيئة المفوضين أيضا فى تقرير سبق ونشرنا نصه وصورة منه، أن التعديل لم يتطرق إلى العيوب والمخالفات المنسوبة للمواصفة السابقة 2008، بل ظلت كما هى، حيث تسمح باستمرار إنتاج طفايات حرائق متعددة بالمخالفة لجميع المواصفات الدولية والأوروبية، ويترتب على تطبيقها أضرار بالغة بالمستخدمين، بما يقطع بأن إخراج المواصفة رقم 734 لسنة 2013، بهذا الشكل وبعد كل ما حذرت منه كل الدراسات والتقارير العلمية التى أجريت فى هذا الشأن، وإصرار الهيئة على عدم اتباع معايير الجودة فى وضعها للمواصفات القياسية، يمثل خروجا صارخا على أحكام الدستور والقانون.
ملف طفايات الحريق لا يقتصر فقط على مخالفة المواصفة القياسية المصرية للمواصفات العالمية، لكنه يمتد أيضا إلى ما هو أخطر، وهو ملف الاحتكار، فهذه السوق تسيطر على أكبر نسبة منها ربما توازى الـ90 % شركة «بافاريا مصر»، جعلها المتحكم الرئيسى فى سعر الطفايات وكذلك البودرة المستخدمة فى الطفايات، وهو ملف يحتاج إلى تدخل من جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، الذى أعتقد أنه لن يقف صامتا كما فعل الآخرون.